لكل الامم والشعوب طقوس واحتفالات دينية تختلف بين مجتمع وآخر ولكنها تلتقي في هدف واحد، وهو قوة وروحانية المقدس، وقد يكون انسانا او حجرا او طوطما، وكل الشعوب المتحضرة منها والمتخلفة، لها درجة من الايمان لقداسة هذا الكائن او ذاك، وفي بلدنا نجد الآف الاماكن المقدسة لدرجة يمكن القول :" إن المغرب بلد الألف ولي وولي ومن مختلف الديانات" ، كما يقول بذلك بول باسكون، هؤلاء الأولياء منهم من كان مرابطا ومجاهدا ضد الغزو الأجنبي ومنهم من نسجت حوله معجزات وكرامات ومنهم من عرف بورعه وزهده وتصوفه، إلّا أن هاته الأرض لا تضم فقط قبوروأضرحة أولياء المسلمين، بل كذلك قبور واضرحة حاخامات يهود كبار وتتوزع أماكنهم في الشمال والوسط والجنوب وخصوصا بمنطقة سوس ودرعة و"طاطا"و"تزنيت"و"تارودانت"و"الصويرة".. إضافة إلى العديد من المقابر اليهودية التي تضم قبور وأضرحة حاخاماتهم ورجال دينهم ومن بين هؤلاء الحاخام"دافييد بن باروخ ها كوهين" الذي يقع بمنطقة تنزرت التابعة لعمالة إقليم تارودانت وفي مكان يدعى"ايغزر ن بهمو" على بعد45 كلم من مدينة تارودانت ويقام لهذا الحاخام احتفالات دينية تسمى"الهيلولة" .
والهيلولة هاته تدعى لدى اليهود"سبحوا الله"وتتم يوم3 طبيبط حسب التقويم السنوي اليهودي والذي، يحضره جميع طوائف اليهود، وطبعا يهود أُوروبا والشرق الأوسط ومن إفريقيا ياتون كل سنة لتخليد ذكرى وفاة الحاخام دافييد بن باروخ، وتسمر احتفالات الهيلولة على مدار أُسبوعين تتخللها الصلاة والدعاء والتبرك بروح ولي اليهود الحاخام دافييد بن باروخ الذي دونت وثائقه التاريخية أنه توفي عام 1760 .
وتبدأ مراسيم الإحتفال بالهيلولة بايقاذ ثمانية شمعات بواقع شمعة عن كل يوم قبل وصول موعد الإحتفال بمكان في الضريح يسمى"حانوكا" وهو مجسم في ساحة الضريح به تسع شمعات التاسعة من هاته الشمعات توقد ليلة الهيلولة إيذانا بالفرح والسرور وكسب البركة حسب اعتقادهم .
إن هذا الضريح الذي يوجد بمقبرتهم في قرية إيغزرن بهمو قرية أنشأت خصيصا للإحتفال تضم تقريبا ثلاثمائة غرفة للسكن داخل المقبرة، أعدت لا ستضافة الحجاج اليهود الذين يفوق عددهم كل سنة على الفين زائر وزائرة أكثرهم يهود ينتمون إلى ما يسمى باسرائيل وأمريكا وكندا وفرنسا وإسبانيا وفنزويلا وأُستراليا وإنجلترا وتونس.....كلهم يفدون على هذا المكان من أجل التبرك بالحاخام دافييد بن باروخ يقضون فيه اسبوعين أكلا وشربا ونوما واحتفالا وبالمجان، هذا الضريح يقع على مساحة هكتار تقريبا يحيط به ما يناهز 180 جثمانا لليهود من أبناء وبنات القرية، وفي ليلة الهيلولة توقد شمعة بيضاء كبيرة الحجم على قبر كل يهودي من القبور المائة والأربعين بالضريح وهي الشموع التي يتم اقتناؤها من عين المكان حتى تنتقل البركة"حسب اعتقادهم" إلى جثامين أجدادهم من اليهود المدفونين بعين المكان، ويتم التنافس أثناء الهيلولة على اخر شمعة وضعت على قبر الضريح ويتزايدون عليها في بورصة المنافسة، وقد يصل ثمنها الى اكثر من 150 مليون سنتيم، تخصص قيمتها لصيانة مرافق الضريح ونفقاته، وخلال إيقاذ الشموع بالقرب من مكان الضريح يقوم الزوار اليهود بطقوس الخشوع والدعاء والتبتل قبل أن يلتئموا في الليل في قاعة مجاورة للضريح حيث يقام حفل عشاء مصحوب باغاني جلها من أُصول مغربية بل يغني بعضها بالدارجة المغربية واللغة الأمازيغية إلى جانب قليل من العبرية، وخلال الأيام التي تسبق ليلة الهيلولة تقدم الذبائح للحجيج اليهود والزوار .
يقول موتني أُوحيون إن الذبيحة تختلف بحسب نوعيتها البقرة أو الخروف، يشترط فيه ذبح الودجين أو الدجاج فليس في حكم النعائم عندهم اذ يكفي فقط ان يقطع الودج الواحد بالسكين الحاد لتكون الذبيحة المهداة للضريح جائزة ويتم مراقبة سلامة وجواز استهلاكها بدقة، فكبير حاخامهم يتكلف بعد ذبح الذبيحة وسلخها أن يراقب امعاءها وبطنها ورئتها إن كانت سليمة فجائز استهلاكها في الضريح وأن كان بها عيب فانها لاتصلح وفاسدة وكل لحومها تستهلك خلال الهيلولة بالضريح .
وكذلك في ليلة الهيلولة تقام العديد من الطقوس منها ما يكتسي طابعا دينيا يهوديا ومنها ما يكتسي عرفا احتفاليا خاصا بالمنطقة ومن أبرز طقوس ليلة الهيلولة، ما يسمى بالشعالة وهي إشعال النار في كل مواقد الضريح بالشمع الأبيض فقط، ثم يقوم الزوار باشعال الشموع بكميات كبيرة مع إضاءة كل القبور وجنبات المقبرة والمسالك التي تؤدي إليها، وتخصيص صندوق خاص للمشاركين في الحفل الموسمي الرسمي قصد جمع التبرعات لتكون ميزانية للموسم أو الإحتفال المقبل، والطريف في هاته الليلة الشموعية أن الشموع التي يشعلونها في المكان وأعواد الثقاب أيضا تباع بمبالغ مالية باهضة جدا، اعتقادا منهم أنها تحتوي على بركة أولياء اليهود في مزاد الشموع الذي يعتبركذلك من أهم عادات الهيلولة، فالشمعة التي تنير الضريح الحاخام دافييد بن باروخ وعود الثقاب الذي يشعلها قد يصل ثمنها إلى أرقام ضخمة، فثمن عود الثقاب الواحد قد يصل إلى مبلغ عشرون ألف درهم، وكل الأموال المستخلصة توضع في صندوق الضريح لكي تكون مصاريف الإحتفال المقبل، ويقولون إن هاته الشموع تختلف نوعيتها وقيمتها حيث أن ثمت نوعان من الشمع يكثر الطلب عليهما في موسم الهيلولة الأول أبيض ثمنه رخيص لامع يحرق والثاني ملون يعتقد يهود المغرب أنه يجلب الرزق والبركة ويدفع عنهم البلاء ويهدى للأصدقاء والجيران ويصل ثمنه إلى أرقام تفوق اربعة الاف درهم أو أكثر بعد عرضه في مزاد أمام ضريح الحاخام دافييد بن باروخ .
وخلال إقامة هذا الإحتفال الذي تعرف به قرية إيغزر ن بهمو رواجا تجارياً كبيراً يشاركهم فيها أبناء القرية بمنتوجاتهم المحلية وبضائعهم حيث يعرضون ويبيعون منتوجات عدة لهؤلاء الزوار من قبيل زيت أركان، وزيت الويتون، والعسل واملوا، والجوز واللوز، والزعفران وبعض المواد الفلاحية المعرفة في المنطقة .
إن هاته الإحتفالات رغم ما فيها من طابع ديني احتفالي إلّا أنها تلعب دورا كبيرا في ترسيخ قيم المواطنة لدى الجالية اليهودية المغربية بالخارج والذين يعودون إلى وطنهم الأصلي هنا وليس في مكان آخر ليجددوا العهد والإرتباط بوطنهم وتاريخهم وصلتهم بالمغرب كارض للتنوع والتسامح .