أعياد الميلاد لم تكن من تقاليد العرب عموماً، قليل جداً من يهتم بتسجيل تاريخ ولادة المولود الجديد، بل تحتفظ في الذاكرة على وجه الخصوص بحدث أوقرين، من قبيل حرب أو سنة قحط أو وباء أو حركة سياسية أو مناسبة عيد .. حتى التفت أحد مديري دائرة الأحوال المدنية (تسجيل النفوس) ليختار منتصف العام أي اليوم الأول من الشهر السابع يوم ميلاد لمن فاته تسجيل يوم ميلاده، وما أكثر من فاتتهم تواريخ مواليدهم وبهذه الطريقة يتقلص احتمال الخطأ الى 50% كحد أعلى !
على أن العوائل الأدبية والدينية في النجف يؤرخون تواريخ الميلاد والوفيات والأحداث كتشييد الأبنية وخاصة المساجد بأشعار وفق أصول دقيقة ويعتبر التأريخ بالشعر صعب لا يقدر عليه إلا من حذق الصنعة !
في معظم الدول الإسلامية يتم الرجوع الى القرآن حيث يفتح القرآن ويختار الإسم، وهكذا تجد إسم رعد، هلال، آدم، يوسف،ويونس، وآيات وسندس وزليخة، حورية، وصابرين، وتنجون ... ناهيك عن محمد وعلي ...في إندونيسيا وماليزيا وحتى مسلمي تايلندا تجد إسم "فطري" للإناث، سألت مرة تلميذتي الموسومة بهذا الإسم فأجابت إن اسمها مشتق من "عيدُ الفطرِ" حيث صادفت ولادتها، وفي المغرب العربي يشيع أسم عيد واسم عبد القادر وبغداد أو بغدادي نسبة للشيخ عبد القادر الكيلاني دفين بغداد !
ومن الملفت أن احتفال المسلمين بمولد الرسول مسألة خلافية، حيث أنكر المتشددون الإحتفال بولادته واعتبروها من مُحدَثاتِ الأمور" وكلُّ مُحدَثّةٍ بِدعةٌ، وكلُّ بدعةٍ ضلالة وكل ضلالة الى النار" !
ومع انفتاح العراق على العالم ومن خلال التلفزيون والأفلام والمسلسلات المصرية بدأ العراقيون يعنون ويحتفلون بأعياد الميلاد ويصنعون كعكة عيد الميلاد ويشعلون الشموع ويغنون أُغنية عيد الميلاد العالمية " هبّي بيرثدي تو يو" وأضافوا لها لاحقة عربية " سنة حلوة ياجميل"، أحسب ذلك منذ الخمسينات المتأخرة حتى اليوم !
***
من المفاجأات التي يعمد اليها أصدقاء المحتفى به أن يقرروا أو يخططوا لمؤامرة كأن يقيمون له حفلة ويستدرجونه إلى مكان الحفل دون أن يدري فيفاجأ بقاعة احتفال وبهدايا وغناء دبرته الزوجة مع أصدقائه فتكون حفلة لا تنسى ومثل هذه الإحتفالات الكبيرة تحصل عند إتمام عشرية ! وبالتأكيد يرد الزوج الجميل الى زوجته حين يحين يوم مولدها؛ يعتبر السويديون احتفال الخمسين هو الأهم !
في يوم27 شباط من عام 2013 كنت أنا ووئام ضمن مجموعة سياحية في مدينة أنتاليا، وفي أمسية لرقص تقليدي تركي.. كانت الحفلة جميلة حقاً، وكان الجمهور من الأوربيين والآسيويين، وفي فاصل استراحة فوجئت بما لا أتوقعه، حيث جاءت فتيات بكعكة وورود وموسيقى اتجهت نحوي وأنا غير مصدق، كانت مؤامرة خططت لها وئام مع دليلتنا السياحية، وكان تفاعل الجمهور وغناؤه لا يصدق.. وأتذكر أن مجموعة آسيوية من سنغافورة قدموا لي وردة جميلة وأنا أتأملها فرحت أشممها دون رائحة ! وحين سلط الضوء عليها كانت ورقة نقدية بمائة دولار سنغافوري لُفّت بفنية مدهشة من قبل شابة لطيفة أثارت إعجاب كل من رآها.. إنها ذكرى نابضة مع أُناس لا أعرفهم سوى أن يكون قسيمنا الحب الإنساني الصافي !..
أصبح معظم العراقيين في الخارج يعمد إلى التآمر لمفاجأة من يحبون، بمختلف المفاجآت في أيام ميلادهم.. وأحسب أن التآمر المبهج غدا فناً !
أمس ليلاً وأنا وحدي، ذهبت للمطعم العراقي وأوصيت شواء دجاج على الفحم على أن يأتيني على السابعة، فوجئت حقا بما لا أتوقعه وأنا الغريب -في البلد الغريب - حتى هممت أن أسمع فريد ينشج ب "عدت يا يوم مولدي.."، حتى يأتيني آتٍ : إضافة للدجاج ورود عبقة وكعكة جميلة أوصت بها وئام لتأتيني إلى حيث أسكن.. بكيت تأثراً، ولا أدري لماذا ؟ أظن عند العواطف الإنسانية الجياشة تتلاشى الفلسفة !
لوئام العزيزة الشاعرة الجميلة، وللسيدة شهلاء وعمال المطعم العراقي، وللأصدقاء الذين فاضت عواطفهم النبيلة بجميل كلماتهم أود لو أقبّل كل واحد وواحدة..
دمتم بخير .
27 شباط 2021