(عندما يقع الآعلاميون في الظرف الحالي باحادية الخطاب )
مع الأزمة العالمية الجديدة بسبب وباء الكورونا يختفي رجل الثقافة لصالح رجل السياسة ورجل العلم الدقيق . بدعوى التفكير في الحاجيات الأساسية للمواطن، وتنحصر فجأة تلك الحاجيات في الغذاء والأمن مما يعطي مفهومًا مرعبًا للإنسان بما هو كائن بيولوجي صرف، والغريب أن بعض المنادين بإبعاد الثقافي هم من المشتغلين بالقطاع الثقافي نفسه من الموظفين الضعفاء ثقافيًا .
إن الفزع بالحديث عن الحاجة لتأمين الغذاء يتوقف عند البطون، ولكن لا نداء يرفع لسد الجوع الثقافي، خاصة مع حالة الأمية المتفشية التي كشفتها الثورات العربية والتي كانت الأنظمة السابقة تتكتم عليها وتزور أرقامها . لا أحد يتحدث عن أسباب ارتفاع منسوب العنف الذي يرجعه المختصون في تحليل الجريمة إلى ارتفاع منسوب الجهل، ولا يمكن تفكيكه إلاّ عبر الثقافي . في مقابل هذا ترتفع الأصوات في حملة مقاومة الوباء بالإعتماد على وعي المواطن. هذا المواطن نفسه الذي يقصف يوميًا بخطاب سياسي وآخر علمي دون تأهيله ثقافيًا لاستيعابه أو مقاربته في تنوعه عبر العلوم الإنسانية والمثقفين والمبدعين .
تحاول المنابر الإلكترونية ومواقع التواصل الإجتماعي والمنصات الإعلامية الجديدة أن تسد هذه الثغرة الكبيرة في الإعلام العربي، وتعطي مقاربات أخرى غير تلك العلمية كالمقاربة الأدبية والتاريخية والسينمائية والمسرحية، مما يشكل حالة من الوعي الحقيقي الشامل عند المتابعين . فتقديم الروايات التي تحدثت عن أنواع كثيرة من الأوبئة، مثلًا، كالطاعون لألبير كامو، والديكاميرون لبوكاشتو، والعمى وانقطاعات الموت لساراماغو، والكتب التاريخية ومشاهدة الأفلام التي دارت حول الأوبئة لا تعطي حلولًا إنما تعطي تجارب إنسانية، وخبرات الآخر في التعامل مع تلك الأوضاع الخاصة، كما من شأن تلك الثقافة أن تؤنسن الواقع وتخرجه من وحشيته وغرائبيته . وهي أولى ميكانزمات الدفاع والمقاومة . فالوعي لا يتشكل من فراغ بل من خلال تراكم التجارب، والخيال واحد من أساليب إنتاج الإنسان باعتباره حيوانًا ثقافيًا . وهذا ما كتبه سلامة موسى منذ سنة 1926 عندما قال : "ليس الأدب ترفًا . إنما هو جهد وكفاح لتغيير القيم الإجتماعية حتى يتغير المجتمع وينتقل إلى مراتب عليا من العدل والشرف والإنسانية" .