بعد كل جدار ...جدار
الثلاثاء : 23 / 9 / 2008
"..حيث لا يفقد العقل مجراه في صحراء التقاليد الميتة؛
حيث العقل في تقدم دائم نحو ساحات أفسح من الفكر والعمل؛
في هذه السماء من الحرية، يا ابتِ،
دع وطني يصحو"
(طاغور)
يحاورك أحد معارفك، وربما أحد اصدقائك، حول قضية وطنية أو انسانية، ذات أهمية خاصة، مثل حرية التعبير، أو النظرة الأخلاقية العادلة للمرأة، إلى حقوق الطفل، أو حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، أو حقوق المجانين في الراحة، فتجده يركش خارج الهون.
لماذا لا تثرد داخل الصحن، يا هذا؟
يجيب متحمساً: أثرد؟
هذا النمط من الناس، خصوصاً في اوساط الذين لهم في كل مأتم مقالة، لم يعرف حقوق الحيوان في الإسلام الحنيف، ويطنب في حديث حقوق المرأة في الدساتير الوضعية، وهو لم يسمع بالاعلان العالمي لحقوق الانسان.
فكيف يتحدث الى ابنائه؟ بل كيف يتحدث الى ابنته في شأن من شؤونها الخاصة، مثل اختيار شريك حياتها، أو مواصلة تعليمها الجامعي، أو الحصول على رخصة سوق سيارة؟
على هذا الصعيد، صعيد حديث الوالد مع ابنته، ثمة فوائد كثيرة جداً، في رسائل بعض الناس، ومنهم أرباب رأي كبار، مثل جواهر لال نهرو الى انديرا.
وكما يعرف من يعرف حياة نهرو، فإن هذا الرجل يخرج من سجن ليدخل الى سجن آخر، بسبب حبه لوطنه، وتفانيه في خدمة شعبه. وهو أحب وطنه، فأحب أسرته أيضاً.
يكتب نهرو لانديرا: "من أنا؟ ما أصعب الإجابة عن هذا السؤال. لقد جربت اشياء كثيرة. بدأت بدراسة العلم في الكلية ثم اتجهت الى القانون، وبعد أن مررت بمهن كثيرة في الحياة، اتجهت الى المهنة الشعبية الواسعة الانتشار في الهند، وهي التردد على السجن!".
في سجون الهند، من أجل الحرية والكرامة الانسانية، كان نهرو يتعلم من تجربته، ومن الناس، ومن معلميه أيضاً، ومن بينهم طاغور، أن سماء الحرية تدعو الوطن إلى أن يصحو.
رسائل نهرو إلى انديرا.. مدرسة بحق.
وهناك كتابات لآخرين، من بينهم رجل الدولة البريطاني، الشهير دزرائيلي، تتضمن خزائن من المعرفة العقلية والروحية التي لا تضاهيها اي ثروة. كتب بنيامين دزرائيلي: "إن الرجل العادي اذا حكم عليه بالنفي أو الأسر، ضاع لبّهُ. أما رجل الأدب، فإنه يعتبر أيام السجن أسعد أيام حياته".
يهتف غريب المتروك بلوعة: "لا يزال السجن يسكنني"، وكأنه يريد أن يقول: مكاني هو الحرية، فبعد كل جدار جدار، وبعد كل زنزانة زنزانة، فتعال يا شبيهي، نضع يداً بيد، فثمة جدار لا بد من هدمه.
وآخر الجدر التي ينبغي ان تهدم، هو خوفنا من الجدار.
جمعة اللامي
www.juma-allami.com