من/ مركز ماتع الإعلامي

الذكرى السنوية الثلاثون لرحيل الكاتب والروائي والصحفي شمران الياسري "ابوگاطع" مناضل مثابر في دفاعه عن مصالح الجماهير الشعبية وحقوق الاقليات
مرت يوم  السابع عشر من آب الذكرى السنوية الثلاثون لرحيل الكاتب والروائي والصحفي الشيوعي شمران الياسري "ابوگاطع" الذي توفي في حادث سير في احد شوارع براغ 17/8/1981 . وعلى الرغم من مرور ثلاثين عاماً على رحيله، الا أن ذكراه ما زالت حاضرة في افئدة العراقيين الذين استمعوا الى صراحته من خلال اعمدته الصحفية ومن خلال اذاعة بغداد. وقد برز "ابوگاطع" كاتباً لامعاً في صحافة الحزب الشيوعي العراقي منذ صدور جريدة اتحاد الشعب بعد ثورة 14 تموز 1958. وحتى وفاته المفاجئة.

أن الفقيد الكبير الرفيق ابوكاطع، المبدع النادر المثال، الذي لم ينل حتى الآن،في تقديري، حقه من الاهتمام بتجربته الفريدة في مجال الاعلام والصحافة والادب الروائي العراقي. فإن هذه التجربة جديرة بأن تكون موضع دراسة من قبل معدّي الدراسات الاكاديمية في مجال الاعلام والصحافة والادب. وان تتحول رواياته الى اعمال سينمائية ومسرحية ومسلسلات تلفزيونية لتعريف الاجيال الجديدة بالواقع العراقي وبنضال شعبنا في سبيل الحرية والديمقراطية والعدالة الإجتماعية وفي مكافحة الاستعمار والاقطاع والرجعية والاستبداد والظلم الاجتماعي ومصادرة حريات الشعب. كما ان ابداعه الغزير جدير بأن ينشر مجدداً ليكون في متناول الاجيال الشابة التي حرمتها الدكتاتورية طيلة عقود من الاطلاع على ما تركه ابو كاطع من ابداعات في مجال العمل الاعلامي والصحافي وفي كيفية مخاطبة الفئات الشعبية البسيطة بلغة سلسة خالية من اية تعقيدات، سواء اكان ذلك في العمود الصحفي اليومي ام في الحديث الاذاعي. فالكل من ابناء جيلي يتذكرون حديث ابو كاطع اليومي " بصراحة "من اذاعة بغداد في اعقاب نجاح ثورة الرابع عشر من تموز 1958 المجيدة، التي مرت ذكراها الثالثة والخمسون هذا العام. ويتذكرون الصفحات المخصصة للفلاحين التي كان يحررها في جريدة "اتحاد الشعب" عندما صدرت علنية بعد الثورة وتطبع بحروف اكبر من حروف الجريدة في الصفحات الاخرى لتسهيل قراءتها على الفلاحين. وفي اعقاب انقلاب الثامن من شباط 1963 الدموي استطاع ابوكاطع ان يفلت من ايدي الانقلابيين ويختفي في ريف الكوت. وبرغم ظروف الاختفاء الصعبة وقلة امكانيات العمل الصحفي استطاع تدبير تحرير مجلة تولى هو تحريرها بإسم " الحقيقة" وصلتنا اعداد منها الى اذاعة "صوت الشعب العراقي" التي كنت احد شغيلتها وكانت تبث برامجها من صوفيا عاصمة جمهورية بلغاريا الشعبية من حزيران 1963 حتى صيف 1968. واكثر من هذا وابدع انه كان يرسل الينا اشرطة مسجلة تحوي احاديث اذاعية بعنوان "من عين صافية". ويحز في نفسي الآن، وأنا اكتب هذه السطور، ضياع ارشيف الاذاعة بالكامل وهو يحوي ما ذكرت الى جانب برامج الاذاعة مسجلة على اشرطة إذاعية ومجلدة في مجلدات تحفظ تراث هذه الإذاعة المناضلة، التي لعبت دوراً كبيراً قي فضح جرائم النظام البعثي امام الرأي العام العربي والعالمي، وساهمت في شد همم وعزائم المناضلين العراقيين ضد الدكتاتورية. ان "ابوكاطع" يحتل مكانة خاصة في نفوس ابناء الشعب العراقي ومناضليه. والكل يتذكر الاستقبال الحار الذي حظي به عمله الروائي الكبير الذي سـُمـّي بـ"رباعية ابو كاطع"، في سبعينات القرن الماضي.والكل يتذكرايضاً ما كانت تحظى به مقالاته اليومية في جريدة "طريق الشعب" التي صدرت علنية منذ 16ايلول 1973 حتى الخامس من نيسان 1979، المقالات ذات النكهة الخاصة في انتقاد الجوانب السلبية في الاوضاع. تلك المقالات التي كان النظام البعثي ينظراليها بعين حمراء حاقدة ويتحين الفرص للانتقام من كاتبها لدرجة انه سعى لتلفيق تهمة للرفيق ابوكاطع تودي به الى حبل المشنقة الامر، الذي حمل الحزب الشيوعي على الايعاز له بالسفر الى براغ حماية له من حقد النظام البعثي.وفي براغ ساهم الفقيد ابو كاطع في تحرير نشرة اصدرها الحزب عام 1979 قبل العودة الى اصدار جريدته "طريق الشعب" في النصف الثاني من العام نفسه واستعمل في ما كتبه في هذه النشرة التوقيع بإسم مستعار هو (باسم العباس). ان فرادة ادب ابو كاطع الروائي تكمن في كونه يكتب من صميم الريف،الذي نشأ وعاش فيه وتعلم فيه القراءة والكتابة خارج المدرسة، وليس كما كان يكتب بعض الادباء من ابناء المدن عن الريف. وبرغم عدم كوني ناقداً ادبياً يمكنني القول بكل ثقة ان هناك فرقاً كبيراً بين "رباعية ابو كاطع" ورواية "اليد والارض والماء" لذنون ايوب مثلاً في تصوير الريف العراقي ايام الحكم الملكي. ولابد لي في هذا السياق من ان ادلي بشهادة بشأن ما سُمـّي بالرباعية. فالواقع انها رواية واحدة. وكنت من بين بعض اصدقاء ابو كاطع الذين قرأوا الرواية وهي مسودة قبل طبعها لإبداء الرأي بها. وكان من بين من اطلعهم عليها على ما اتذكر الفقيد الرفيق ابراهيم اليتيـّم. غير ان حجمها الكبير نسبياً، وما يتطلبه نشرها من نفقات حملت ابو كاطع على تجزئتها الى اربعة اقسام لكي يستعين بمردودات كل جزء لطبع الجزء الذي يليه. واحسب ان الناقد الكبير الفقيد الدكتور علي جواد الطاهر المح الى شيء من هذا القبيل من دون ان يذكر رواية ابو كاطع بالاسم. ولا اعتقد ان هذه الشهادة تقلل من قيمة الرواية التي دُرج على تسميتها بالرباعية. وبودي ان أذكر ان الحادث الذي اودى بحياة ابو كاطع، وهو في عز عطائه الابداعي،حرمنا من اكمال مشروع كتابة ما سمـّاه بـ(القاموس الشعبي). وهو لون ادبي جديد ابتدعه هو، يورد فيه كلمة معينة ويعطي معناها ويوظفها في ايراد استطرادات طريفة ينتقد فيها امراً من الامور او ظاهرة من الظواهر. وبخصوص الحادث المفجع اقول وجدت في احد المواقع الالكترونية من يقول :انه توفي في حادث سيارة مدبرمن قبل المخابرات العراقية. والحقيقة ليست كذلك. فالمخابرات العراقية ارتكبت من الجرائم الكثير جداً. غير ان من يعرفون حقيقة الحادث متأكدون من انه لا علاقة للمخابرات العراقية به. وكذلك وجدت من يذكر ان "ابوكاطع" كتب في "اتحاد الشعب"و"الفكر الجديد" و"طريق الشعب" وفي مجلة " الثقافة الجديدة " التي عمل في ادارتها ايضاً. ولم يرد ذكر انه كتب نصف عمود يومي في الصفحة الثالثة بتوقيع "صريح" في جريدة "التآخي"،عندما صدرت في بغداد في اعقاب اتفاقية 11/آذار/1970 التي اعترفت بالحكم الذاتي للشعب الكردي في العراق. واخيراً فإن فقدان ابو كاطع كان خسارة كبيرة للصحافة الديمقراطية وللادب العراقي التقدمي ولحزبنا ولكل من ينشدون الديمقراطية في وطن حر وشعب سعيد.