الاحد : 14 / 9 / 2008
وان احق الناس باللوم شاعر
يلوم على البخل الرجال، ويبخل
(ابن أبي فنن)
حدث أن التقى الفقير السعيد، بأحد المعنيين بشؤون الثقافة والأدب والفن، قبل أيام معدودات، ودار الحديث حول إعمار الكتاب، وتعمير دور الكتب، وبناء الأجيال، واختيار الرجال، فأنشد الرجل، قول ابن أبي فنن:
ذريني وإتلافي لمالي فإنني
أحب من الأخلاق ما هو أجمل
فما كان من الفقير السعيد، إلا أن ينشد البيت الأول الذي سبق هذا البيت، والذي زينا به جيد هذا المقال، فإنه ثريا بحق، والله.
كيف تجتمع المعرفة والبخل؟
ولقد تعرض أحد أخوتي في الكلمة، قبل أسبوع، إلى نازلة مرضية، فانكشف المدّعون، وتكاشف الاخيار، وبادر بالعمل الخيّر من هو يعرف الفرق ما بين المأمون والمدعو عمر بن يزيد الأسدي.
رحم الله المأمون، هذا الانسان العربي، الذي هو "رجل دولة" بكل ما تحمله هذه العبارة من معان، فكان يعرف انصاره. وكان أعرف بخصومه ومعارضيه، وكان يبادر إلى وضع خصومه في موضعه هو.
ومن يعرف حكايته مع الامام علي بن موسى الرضا، عندما عهد إليه بولاية عهده، يعرف أن السياسة وليدة المعرفة والثقافة. فبقدر ما تكون مثقفاً حقيقياً، تكون سياسياً قديراً ومقتدراً: قديراً على اجتراح الحلول الناجحة، لأكثر المشاكل تعقيداً، ومقتدراً على مداواة الخصوم بالدواء الناجع.
وهو وصل إلى ما وصل إليه، بعدما جمع بين حكمة الكتاب وتجاريب الحياة.
أبلغ صورة، وأجمل صورة، وأكثرها تعددية، لهذا العربي هي صورته في "بيت الحكمة".
سأترك القارئ النبيه، يرسم صورة المأمون في "بيت الحكمة"، لأتحدث قليلاً في شأن هذا البيت".
"بيت الحكمة" أول مكتبة تأسست ببغداد، أوائل القرن التاسع الميلادي، وكانت نواتها كتب ترجمت إلى اللغة العربية في زمن "المنصور" و"الرشيد". وقد عهد الأخير إلى "يوحنا بن ماسويه" بنقل الكتب من "عامورية" وأنقرة إلى بغداد.
بعد ذلك صار "يوحنا" أميناً على ترجمة الكتب إلى العربية.
وفي زمن "الرشيد" صار "سهل بن هرون" والي شؤون المكتبة، يعاونه في ترجمة الكتب "يوحنا بن البطريق".
هكذا هو العقل، والعلم، والكرم. فأين من هذا كله عمر بن يزيد الأسدي؟
يحكى ان الأسدي هذا، كان بخيلاً جداً، فأصابه "مرض القولون في بطنه، فحقنه الطبيب بدهن كثير، فنحل، فانحل ما في بطنه في الطست، فقال لغلامه: اجمع الدهن الذي نزل من الحقنة، وأسرج به".
بخيل: ويهرف بما لا يعرف. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
جمعة اللامي
www.juma-allami.com