ذلك الذي لم يفقد ظله
ولا تحرم المولى الكريم فإنه
أخوك، ولا تدري متى أنت سائله
(عبيد العنبري - من الصعاليك)
رحم الله الأديب الصحافي الروائي فتحي غانم، فقد خلف وراءه ما يخلد ذكره.
عرفته في مطلع سبعينات القرن الماضي، قرب بوابة مبنى وزارة الإعلام والثقافة العراقية ببغداد، مع صديقنا المشترك الروائي جمال الغيطاني، فصافحته محيياً، ثم قلت له ممازحاً: "وهل وجد ذلك الرجل ظله؟".
ابتسم الراحل الكبير في حينه، ولعله أراد ان يجيب عن سؤالي آخرون غيره. وهذا ما حصل فعلاً، فلقد تناول كثير من النقاد والكتّاب رواية فتحي غانم "الرجل الذي فقد ظله" بالتحليل والتركيب والتشخيص، واحالوا بعض شخصياتها الى أسماء في عهد الرئيس جمال عبدالناصر.
وهذا ما حدث أيضاً مع رواية "اللص والكلاب" لعميد الرواية العربية نجيب محفوظ. فمن هو اللص؟ ومن هم الكلاب؟
وإذا كان نجيب محفوظ قد قدم شخصية "المثقف الانتهازي"، كما هو رؤوف علوان في العديد من أعماله الروائية، حتى صار مدرسة في هذا المجال بحد ذاته، فإن فتحي خليل اختص بالعمل الصحافي، وقدم شخصياته الانتهازية والطيبة، حتى إنه لم يغفل شخصه أيضاً، فاستحق بذلك تقدير كل من قرأ أعماله الروائية، أو مصنفاته التي أعدت للتلفزيون، وفي مقدمتها "زينب والعرش".
يستخدم فتحي غانم في أعماله الروائية أسلوب "تيار الوعي"، فيكسب نصه السردي جمالاً وانفعالاً مدهشين، ويأخذ في وصف الشخصيات والأمكنة والأحداث، مثل أي سارد ماهر، حتى لتكاد تلمس حافة المكتب، أو ترى وجه "زينب"، أو تسمع هدير ماكينة الطباعة.
إن أعمالاً مثل "بنت من شبرا" و"الجبل"، لا يمكن أن تنسى. ولكن كيف يهمل الواحد منا "زينب والعرش"، وقد صارت في سنوات من القرن المنصرف دفتراً لبيان انحراف الصحافي في نظام متسلط وشمولي؟
غير أن المسألة الأبرز هنا أن فتحي غانم كان ضوءاً كاشفاً يقدم صورة بانورامية لمشهد يقوم على الإثراء غير المشروع، والاتجار بالفكر، والعمل بنظام السخرة، ومصادرة حقوق العاملين، والضحك على ذقون الجماهير.
من هذا الخندق، اكتسب فتحي غانم احترام قرائه الذين يشكلون طبقة واسعة من العمال الى الزراع المتعلمين، الى المثقفين، الى زملائه في الصحافة. وهنا نجاح الرجل الذي وجد ظله، بينما فقده كثيرون، وكثيرون.
جمعة اللامي
www.juma-allami.com
juma_allami@yahoo.com