أهداف فرض فنون الحداثة العبثية على مجتمعات العرب و المسلمين
( القسم الأول )
منذ الاختراق الاستعماري لعالم المسلمين، في نهاية القرن التاسع عشر، فان الظاهرة العامة في تطور فنون المسلمين، عدا الزخارف الكتابية، لاتزال منقطعة عن تراكم ذاكرتها التاريخية وصورتها الفنية الأصلية والأصيلة. ويشمل هذا مجالات المعرفة والانتاج الفني بالنسبة للفنان والناقد والناس: فبالنسبة للفنان، وهو أساس المنتوج الفني ودوره التربوي والروحي في المجتمع، فقد تأثر معظم الفنانين، وبأشكال ودرجات مختلفة، بمدارس الفنون الحديثة في الغرب. والنقاد المتخصصون قلّة نادرة جدا. أما بالنسبة لغالبية المسلمين، ومنهم العامة وكثير من المتعلمين، فهم بين الأمي وشبه الأمي و المسطّح فنيا؛ عدا أفراد ونُخَب صغيرة متناثرة تتمتع بمستويات متفاوتة من الثقافة الفنية.
يواصل قطاّع الثقافة في دوائر الاستعمار الغربي " الاشراف " الاستغلالي على الثقافة والفنون في العالم الاسلامي. فالمسؤولون عن هذا القطّاع يمنعون من يشاؤون من دخول باب رحمتهم وعطايا خزائنهم ولذائذ جنانهم، ويرْشون ويُفسدون من يتواطأ معهم بغير حساب. معهم جوازات المرور ومقاييسها وألوانها وأسعارها. ومعهم نقاّد ووسائل إعلام متعددة ومتنوعة تدعو للأجَرَاء وتغيِّب الأصَلاء. وهؤلاء المشرفون الاخصائيون الغربيون هم الذين يضعون مقاسات ثقافة وفنون المسلمين، ويحدِّدون أذواق الجماهير، وينشرون مساحة الوعي الجمالي ونوعيته. وبخططهم فان هذا الوعي والتطبيق يجب ان يدور في مجالات مدارس الغرب الفنية.
إنها سياسة مخطَّطَة لإفساد الثقافة والفن والمثقفين والفنانين. وهي بعيدة كل البعد عن خصوصيات وهموم الشعوب وأوضاعها التاريخية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وعن ذاكرتها الثقافية . لذا فانها نسبة لتراث المسلمين خالية من القيم الفنية والرؤى الجمالية .
ومن الممنوعات هو الإحياء المعاصر للصورة الفنية الاسلامية . اذ ان كل ماهو مختلف عن مصالح ورغبات وأهداف النخب الاستعمارية الغربية يسبب لها الأرق والارهاق والخوف، فتلجأ الى استهداف الشخص والجماعة والحزب والبلد ليصبح في خانة أعداء الغرب الذين يجب تهميشهم وسحقهم بشتى الوسائل والأساليب . ففي العمارة والفن كما في السياسة: ليس هناك صداقة بل مصالح تُفرض باستبداد يتعولم الى فوضى من الشر المستطير: محلية وإقليمية وعالمية. إذ تواصل النخب الاستعمارية الغربية السعي في الأرض فسادا، فتمارس جرائم الغزو والاستعمار للإبادة والنهب؛ وتدمير البنية التخطيطية - المعمارية التاريخية والمعاصرة في العالم الاسلامي، كما في الصومال والبوسنة وأفغانستان والعراق وليبيا وسوريا... لتحقيق ثلاثة أهداف: الأول، محو الذاكرة التاريخية - الثقافية - الفنية . والثاني، استنزاف اقتصاد البلدان المُسْتَهْدَفَة وإرهاقه؛ كما يمثل العمار أكثر بنود خطة التنمية كلفة وتمويلا في أي بلد في العالم، والحديث هنا عن تريليونات الدولارات. والثالث، إعادة بناء ماتمّ تخريبه بإسناد عقود الدراسات والتشييد الى المؤسسات الهندسية وشركات المقاولات الغربية مما يساهم في معالجة أزمة البطالة الخانقة في الغرب ويحقق مئات مليارات الدولارات من الآرباح على حساب موارد وحقوق وحرية واقتصاد العرب والمسلمين .
ويظهر من سير الأحداث ان قائمة تخريب كل مايمكن من عمار في بلاد المسلمين هي تحت التنفيذ بقوة المرتزقة والمخابرات والاعلام والبترودولار. فبعد ان صارت " القاعدة " الامريكية تضرب في اليمن وغرب أفريقيا، فهل سيكون الدور التالي على الجزائر والمملكة المغربية، خاصة وان فيهما جواهر من المدن التقليدية الاسلامية العريقة الى جانب عمار كثيف وثمين؟
فالغرب، مادام قادرا، فإنه لن يتنازل طوعا عن هيمنته واستعماره لبلاد المسلمين ونهبه لثرواتهم؛ ولن يسمح بتهديد مصالحه ورساميله وأرباحه. ولن ينبذ كل جرائم القتل من السياسي والاقتصادي الى الاجتماعي والثقافي والفني بحق شعوب المستعمرات. بل على العكس تماما، اذ انه يشَرِّع لقوانين مكارثية محلية ويفرضها بأثر عالمي في ظل الأزمة الخانقة: المالية - الاقتصادية الغربية وما يتبعها من التراجع البنيوي العام للغرب في فرض الاستعمار ونهب المستعمرات وتآكل الاقتصاد والديموقراطية والرفاهية والأخلاق؛ وتواتر انفجار واستمرار موجات الانتفاضات الشعبية ضد ظلم الغرب حتى لشعوبه كما في اليونان واسبانيا... واحتجاجات لندن و " احتلوا وول ستريت " في الولايات المتحدة؛ وانقشاع الأكاذيب وزيف الادعاء بالحرية. ( أنظر:Duncan, Editorial, Nexus, UK / Europe Edition, February - March 2012: On 31 December: President Obama signed into law the National Defense Authorization Act ( NDAA )...which " gives the American military, via the US President, the power to kidnap and detain indefinitely anyone, anywhere, for whatever reason they want to manufacture, and they don't have to answer to any elected or legally representative body. Even people who criticize America's foreign policy and actions overseas can now be considered enemies of the state and subject to this law. " )
كما ان الغرب لن يسمح بانتشار المعرفة والعلوم والتقنية، ولا بالإحياء الاسلامي المعاصر، أو بالحرية والديموقراطية والتنمية والتطوير في مستعمراته. بل يعمل دائما على تخريب التراكم المعرفي والروحي والمادي في العالم الاسلامي، وقطع صلة المسلمين بذاكرتهم وهويتهم وإرثهم وتراثهم وتاريخهم الثقافي وأبعاده الانسانية والاجتماعية، وإجبار المسلمين على اتخاذ التغريب الشامل منهجا في تطورهم المعاصر. ويقدم التاريخ دليلا تلو الآخر على ذلك من التلوّن الحربائي لساسة الغرب، وفي كل الظروف. ومنها ماتمرُّ به نهضة العرب من تدخُل سافر للحفاظ على عملاء الغرب الطغاة المستبدين التابعين الفاسدين لابقاء أوطان العرب وأجيالهم القادمة خاضعة للظلم الغربي. فعندما اكتسح شباب العرب بعضا من هؤلاء الدمى، انتقلت النخب الاستعمارية الغربية الى التآمر على نتائج مكتسبات الشعوب العربية ووأدها سواء بالتدخل العسكري المباشر، أم بالكذب والتزوير الاعلامي الكلاسيكي والرقمي، أم بضخ الأموال، أم بتوظيف عملاء جدد و " منظمات ونوادي المجتمع المدني " " الديموقراطية " و " الانسانية "... للحفاظ على المصالح العضوية المشتركة والمتكاملة بين الولايات المتحدة والغرب واسرائيل.
فاستهداف عالَم المسلمين بشتى الوسائل والطرق كان ولا يزال الشغل الشاغل والهدف الثابت للنخب الغربية الاستعمارية - الصهيونية الاوربية سابقا، والامريكية - الأوربية في الوقت الحاضر.
www.al-jadir-collect.org.uk
jadir959@yahoo.co.uk
اضغط على الصورة للتكبير