فنون الحداثة العبثية ( الحلقة الثالثة )

2012-11-29

قالوا عن فنون الحداثة العبثية


ذكرت الدكتورة لمياء الفاروقي ( د. اسماعيل راجي الفاروقي و د. لويس لمياء الفاروقي، أطلس الحضارة الاسلامية، ترجمة د. عبد الواحد لؤلؤة، الطبعة الاولى، الرياض 1998، ص 533 -534 ): " ... كما ان التجارب في التجريد الصِّرف التي تمثل مذهب " الفن للفن "، أي التي هي محض تمرينات في اللون والشكل، هي كذلك غير اسلامية . ان الاسلام ومبدأ التوحيد، اللذين يشددان على الطبيعة الهادفة في النشاط البشري، لايقبلان بتبنّي أو دعم فنّ يوجد بشكل أناني وغير ملائم " من أجل ذاته ". والواقع ان الاسلام يرى استحالة وجود مثل هذا الفن؛ لانه اذ لايعبّر ولايدعم حقيقة أو مجموعة حقائق، فهو بالضرورة يعبّر عن حقيقة أو حقائق أخرى ويدعمها. فحتى التعبير عن إنكار حقيقة ودعم ذلك الانكار يُشكل تعبيرا عن حقيقة اللاشيئية. ومهما يكن من أمر، فان الفن الذي يعبّر عن غير المباديء الاسلامية لايمكن أن يضمن احتراما أو قبولا من جانب الثقافة والشعوب الاسلامية ".

كتب ( د. يوسف غزاوي، في الحداثة وما بعد الحداثة: أبعادها الفكرية الغربية والعربية، مجلة العربي، الكويت أبريل 2011 ) مستعرضا آراء عدد من المفكرين، ومنهم إيهاب حسن، الذي يقول عن الحداثة " ... ان سماتها هي اللاتوجّه وتعني: الالتباس، الانقطاع، هرطقة للخروج على المألوف، التعددية، العشوائية، التمرد، الشذوذ، التحويل التشويهي. " ويضيف الدكتور غزاوي عن المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي في كتابه ( دراسة التاريخ ) : " ان عصر مابعد الحداثة في الغرب سيهيمن عليه القلق واللاعقلانية وفقدان الامل والعجز." ثم يقتبس من آراء الأكاديمي المصري عبد الوهاب المسيري، الذي " يتطرق الى عالم الفنون التشكيلية فيذكر ان فن القرن العشرين هو فن مكعبات ومربعات ودوائر وألوان. ويصبح كل شيء مرجعية ذاته، مكتفيا بذاته، دون أي معنى أو مدلول في عالم مادي ." وان أبرز مايمثل ذلك الفن المفاهيمي، ويعطي مثالا على ذلك الفنان " بيير ماتروني " الذي كان يعلّب برازه ويبيعه."

وأشار ( فرنسوا باسيلي، أزمة الشاعر ومأزق الفنان في نيويورك: مالذي يجعل الطلاء فنا.. والغثاء شعرا؟! أخبار الأدب، 24/10/1999 ) الى مظاهرات في شوارع نيويورك ومقالات في الصحافة والاعلام للاعتراض على معرض فني افتتح في سبتمبر 1999 في متحف بروكلين بنيويورك يضم صورا وتماثيل شاذة " فيها الكثير من الاهانة المباشرة للرموز الدينية المسيحية " لوحة لفتاة زنجية مبعجرة الوجه والجسد ملطخ بروث الفيلة.. صنع " الفنان " من هذا الروث المتجمد كرة وضعها مكان النهد ..وأحاطت بهذه الفتاة صور أجزاء مقطوعة من أعضاء جنسية مذكرة ومؤنثة..وهذه اللوحة مسماة مريم العذراء! ". " وبالمعرض اهانات أخرى وأعمال أخرى مقززة.. فمن بقرة حقيقية قطعها " الفنان " الى دستة من القطع وحفظ كل منها في محلول بمربع زجاجي وعرض هذا كله في طابور الى رأس بقرة حقيقية مقطوع ومتروك ليتعفن في حجرة زجاجية كبيرة فيما تحط عليه آلاف الحشرات الطائرة والذباب..."

وأضاف باسيلي في باب: التفرقة بين الأديان: " ...وجانب آخر لهذه القضية هو هذه الظاهرة التي أشار لها الكثيرون في هذه المعركة..اذ لاحظوا ان هذا الهجوم المتكرر من الأوساط الفنية على المقدسات الدينية ينصب عادة على المقدسات المسيحية والكاثوليكية، ولكن أبدا لايتعرض للمقدسات الدينية اليهودية...الأمر اذن ليس موضوع حرية رأي وحرية فنان كما يدعي المعسكر الليبرالي... وانما الأمر.. هو تواطؤ على عرض الأعمال التي تخلخل البنية المحافظة للمجتمع، سواء كانت دينية أو أسرية.......وتقديم مجتمع لامقدسات ولا مباديء له... يفعل كل مايلذ للفرد في حدود ماتقدمه له الحكومة والقوى المسيطرة والتي ترى في المباديء والدين سلطة منافسة لاتستحوذ على قلوب وعقول الناس. هذه هي صورة المعركة الثقافية والحضارية القائمة. وقد بدأ الانترنت يلعب دورا بارزا في هذا كله لسهولة ايصال الأفكار والأفكار المضادة من خلالها.. وفي مجلة الكترونية شهيرة هي مجلة " صالون.كوم " تقول كاميلا باجيليا بما معناه انها - رغم عدم تدينها - قد قرفت وزهقت من الهجوم المتكرر على المقدسات الكاثوليكية .. وهاجمت المعرض الحالي الذي يموله ويحتضنه يهودي هو ساتشي ( صاحب شركة الاعلانات والدعاية البريطانية الشهيرة ساتشي وساتشي ) ووافق على عرضه يهودي آخر هو رئيس متحف بروكلين وهي بهذا تشترك مع الذين يرون في هذا المعرض جزءا من الحملة ضد المعتقدات المسيحية .. وحرية الرأي اذن هي شماعة وقناع تختفي وراءه اغراض اخرى غير مقدسة.. لاتؤمن بحرية ولا تؤمن برأي. "

وكتب ( د. صلاح السروي، مدخل الى الواقعية: التاريخ والجماليات، أدب ونقد، العدد 305، القاهرة، يناير 2011،) : " ان النشاط الخلاّق في الفن ليس، ولا يمكن أن يكون نشاطا مثاليا نظريا ولا نشاط منعزلا مقصورا على ذاته. انه عمل خاص يتمتع بأسمى صفات العمل الرائع، ويرتكز في مجموعه على مجموع العمل الانساني الذي يغير الطبيعة ويطورها، اذن فالعمل الفني ناتج فريد واستثنائي يلخص الخبرة البشرية فكريا وتقنيا ".

وعن د. خالد الجادر: " حاول الكثير من الرسامين الذين لجأوا الى التجريد والمغالاة في الحداثة... قد يكون اتجاههم هروبا... كيف يمكن لشاعر مجدد أن يكون واعيا لشعره وواضحا فيه اذا لم يكن قد أدرك التفعيل والاوزان الشعرية، واذا لم يكن قد درس التراث وفهمه وقرأ المتنبي والجاحظ والمعري وأبا تمام... ان الرسم شأنه شأن الفنون الاخرى، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فان أي موضوع نريد له أن يكون شموليا لابد أن يكون محليا في طرحه عالميا في أبعاده الانسانية ". ( د. وليد الجادر، خالد الجادر، راحل لم يرحل، بغداد 1991، ص.69 ).

ويضيف ( حسن سليمان، التباين بين العلم والفن، مجلة الهلال، أغسطس 1998 ) : "... يجب ألا ننسى أننا أصبحنا في عصر تسيطر عليه فكرة طرافة الجديد، وهدم القديم. وكادت تتساوى الشعوذة الفنية التي هي في مظهرها غير معقولة، مع أعمال جادة حديثة. واختلط الحابل بالنابل، وكانت ان أعطيت الفرصة لكثير من المدّعين، فشملتنا فوضى. وكثيرا مانشعر بمدى انحدار بعض الاعمال الفنية لمستوى التلوث والزيف حتى كادت تتلف معالم الفن، وتحط قيمته، وتجرده من جوهره. لكننا نعلم أن الاعمال الاصيلة تفرض نفسها دائما. يجب فقط أن نبحث عنها وسط أكوام الزيف. "

وهذا يذكّر بما كتبه ( بشر فارس، سر الزخرفة الاسلامية، القاهرة 1952، ص 30 ) : " فمما لايخفى على أحد أن كل نمط من أنماط الفن يفتر آجلا أو عاجلا حتى الجمود، اذا هو تمنع أن يتجدد من الباطن. ثم ان التجريد المفرط مساقه الى الركاكة، اذا دبرته فكرة تحصرها شواغل هي هي ويحيط بها جدب تستريح اليه يوما بعد يوم : جدب الثقافة التي تتحلل. ذلك فضلا عن أن مزاج الفنان اذا تآلب عليه عنف التحرج والتحمس غلّه وأذله. "

وكتب ( د. عز الدين شموط، نقد الفن التجريدي، 1988 ) في مقدمة كتابه: " أنا لا أدعو الى شن حرب على التصوير الزيتي التجريدي، وانما أريد الخروج من الشعور بالازدراء والاهمال الذي وصل اليه بعض منظري هذا الفن لكل الاشكال الاخرى للفن التشكيلي. رغم ادعائهم بالتمرد على التقاليد، فقد تحول الفن التجريدي الى فن رسمي يمارس ديكتاتورية في المعارض والبينالات، وحتى في المعاهد والجامعات. رافضا كل عمل يمت الى الواقع بصلة، لقد أصبح التجريد فنا محافظا متخلفا، يحاول تغليف نظرياته الفارغة بجمل أدبية معقدة غير مفهومة، وبالاكثار من الكتب والمقالات الدعائية وعقد الندوات الموازية لبينالاات فارغة من كل محتوى، هجرها الجمهور، تقدم لنا أفكارا قديمة سبق تداولها منذ مئات السنين، في أطروحات جديدة، مؤطرة بمصطلحات غامضة، واذا وقف المشاهد أمام اللوحة التجريدية محاولا فك طلاسمها، وهو يتسائل ماذا يريد الفنان قوله، فيستعين بالكتب والمقالات فيجدها أكثر غموضا، واذا لم يستطع ولن يستطع فهم مايرى وما يقرأ أو يسمع، يتهم بالجهل والتخلف والقصور العقلي. "

وتقول ( د. زينب عبد العزيز، لعبة الفن الحديث بين الصهيونية الماسونية وأمريكا، القاهرة 1990، تحت موضوع " التدمير "، ص 156 - 157 ) : " ان اللعبة بكلها تهدف الى التدمير، تدمير القيم، تدمير التطور الفني في سياقه المتصل بديالكتيك الحياة، تدمير قيمة الفن في ذاته وتحويله الى سلعة تجارية في علاقة عضوية بسوق المال، تدمير التراث وانتماء الفنان لوطنه، ونزع ارادة الحياة وتواصله مع الجمهور؛ ليفقد الفن أي أثر في البناء ويصبح أداة هدم. "..." من المذهل والطريف معا أن نرى مدى ارتباط كلمة التدمير بالفن الحديث، وكم تتناثر تنويعاتها عبر كم الكتابات التي تصف مذاهبه وتياراته من مؤيديه. ونذكر منها هنا على سبيل المثال : التفكيك، الالغاء، العدم، النفي، القهر، التفتيت، التشويه، الاضطراب ، المسخ، الذبح، القتل. ولا تقل الافعال التدميرية عنها وجودا، فنرى : التحطيم، التكسير، التهشيم، الفسخ، الهتك، الرض، السحق، الفك، الخلع، السلب...الخ. ولقد تسللت هذه التعبيرات والافعال التي تعبر عن الهدم والتدمير في نصوص النقد الفني اعتبارا من حقبة الخمسينات بصفة خاصة. "

للتكبير اضغط على الصورة

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2025 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2025 Copyright, All Rights Reserved