يبدأ كثيرٌ منا مع التقدم في العمر بالشكوى من عدم تذكر أمور بسيطة، فقد يقضي أحدنا دقائق حرجة في تذكر أين وضع مفاتيح سيارته في وقت يُسابق فيه الثواني للحاق بموعد هام، أو قد يضطر لقلب الوسائد ومحتويات الغرفة بحثاً عن جهاز التحكم بالتلفاز الذي كان يستقر قبل دقائق في يده، أو حتى قد يقف مندهشاً تماماً في محل البقالة عندما يكتشف أنه نسي لم جاء إلى هنا .
يحدث فقدان الذاكرة، والذي نطلق عليه أحياناً اسم النَّساوَة (amnesia)، عندما يفقد الشخص القدرة على تذكر المعلومات والأحداث التي كان يتذكرها بسهولة فيما مضى .
فقد تنسى أمراً حدث منذ ثوان أو دقائق قليلة، أو قد تنسى حدثاً فريداً حصل في الماضي، وقد يحدث فقدان الذاكرة على حين غرة، أو قد يتدهور على مدى سنوات طويلة .
أن تصاب ببعض النساوة مع تقدمك بالعمر أمرٌ غير مستغرب، بيد أن فقدان الذاكرة قد يكون عَرَضاً لشيء أكثر خطورة، يتطلب منك مراجعة الطبيب واستشارته .
يجلب فقدان الذاكرة التوتر والضيق للمصاب نفسه ولأفراد عائلته، فقد يخشى أقارب المريض أن يكون فقدان الذاكرة عنده عرضاً لإصابته بالخرف، مع أن ذلك لا يكون صحيحاً في غالب الأحيان .
فقدان الذاكرة والشيخوخَة
لن يمنعكَ فقدان الذاكرة المرتبط بالشيخوخة من أن تستمتع بحياة طبيعية منتجة، فقد يغيب عن بالك مثلاً اسم شخصٍ ما تصادفه تواً، لكن سيكون بإمكانك تذكر اسمه في وقت لاحق من اليوم، وقد تنسى أحياناً أين وضعت نظاراتك، أو قد تجد نفسك مضطراً لاستخدام الكتابة على الورق كي تتذكر الأمور أو الواجبات أكثر مما كنت تفعل في السابق .
يمكنك عادة تدبر تلك التغيرات في الذاكرة مع الحفاظ على استقلاليتك وحياتك الاجتماعية وقدرتك على العمل .
ما هي أنواع الذاكرة؟
يصنف الأطباء الذاكرة ضمن ثلاثة أنواع رئيسية :
الذاكرة الحسية (sensory memory): هي عنصر الذاكرة الأقصر أمداً، وهي القدرة على الاحتفاظ بانطباعات للمعلومات الحسية بعد انتهاء المنبهات الأصلية . تعمل كمخزن مؤقت للمنبهات التي يتم تلقيها من خلال الحواس الخمسة وهي: السمع والبصر والشم والذوق واللمس، ولكن يتم تخزين تلك المعلومات بصورة حسية فقط ولا يتم الاحتفاظ بها لأكثر من 5 ثوانٍ، وهو وقت كافٍ لنقل المعلومات الحسية إلى الذاكرة قصيرة الأمد .
الذاكرة قصيرة الأمد (short-term memory) أو الذاكرة القريبة: تدعى أيضاً الذاكرة العاملة (working memory) لأنها تستخدم بشكل متواصل عندما يتحدث الإنسان أو يفكر أو يقوم بعمل ما. تتميز بأنها ذات سعة محدودة، حيث تستطيع في الوقت ذاته الاحتفاظ وسطياً بسبعة بنود غير مترابطة فقط ( مثل الحروف أو الكلمات أو الأرقام ) لبضع دقائق، وبالتالي هي ذاكرة مؤقتة مسؤولة عن الاحتفاظ المؤقت بالمعلومات قبل تجاهلها أو نقلها إلى الذاكرة طويلة الأمد .
الذاكرة طويلة الأمد (long-term memory) أو الذاكرة البعيدة: إن جميع الحقائق التي تعرفها وجميع الأشياء التي تستطيع القيام بها وأحداث كثيرة في حياتك إضافة إلى جميع الأشياء المدهشة التي لم تعرف حتى أنك قد عرفتها تكون مخزنة في مخزن عظيم يُشكِّل ذاكرتك طويلة الأمد .
أسباب الإصابة بفقدان الذاكرة
تتنوع الأسباب الكامنة وراء فقدان الذاكرة لتشمل :
الاكتئاب
يشكل فقدان الذاكرة عرضاً من أعراض الاكتئاب، وهو اضطراب معقد له عوامل وأسباب مختلفة . يتمثل أحد تلك الأسباب في اضطراب توازن أحد المواد الكيميائية في الدماغ، ما يعيق تواصل الخلايا الدماغية مع بعضها بعضاً . وأحد التأثيرات السلبية لاضطراب التوازن هذا هو ضعف قدرة الدماغ على تشكيل الذكريات وتخزينها .
كما أن الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب يجدون صعوبة في القدرة على الانتباه والتركيز، الأمر الذي يجعل تذكر الأشياء صعباً كذلك . نعالج الاكتئاب عادة بتوليفة من المعالجات الدوائية والمعالجات غير الدوائية "
الأدوية
يؤثر عدد من الأدوية التي يصفها الطبيب أو التي تشتريها دون وصفة طبية على الذاكرة وقد تسبب فقدان الذاكرة .
من الأدوية التي قد تسبب فقدان الذاكرة مضادات الاكتئاب ومضادات الهيستامين وأدوية القلق والمرخيات العضلية والمهدئات والمنومات والمسكنات التي نعطيها بعد العمليات الجراحية .
تعاطي الكحول أو المخدرات أو التدخين
أشارت الدراسات إلى أن الإفراط في تعاطي الكحول قد يؤدي إلى فقدان الذاكرة .
كما أن التدخين يؤثر سلبياً على الذاكرة نتيجة تقليل كمية الأكسجين الواصلة إلى الدماغ، ووجدت الأبحاث أن المدخنين يجدون صعوبة في تذكر الأشخاص أو أسماءهم أكثر من غير المدخنين .
يمكن أن يسبب تعاطي المخدرات اضطراب توازن المواد الكيميائية في الدماغ ما يجعل استدعاء الذكريات أمراً صعباً .
الخرف
يحدث الخرف بسب مجموعة من الأمراض والاصابات التي تلحق بالدماغ ما يؤدي إلى اضطراب وظائف الذاكرة والتفكير والقدرات الاجتماعية للشخص بشكل يؤثر سلباً على أداء مهامه وأنشطته المعتادة .
مع أن هناك أسباب كثيرة للخرف إلا أن السبب الأكثر شيوعاً ومعرفة من قبل الناس هو مرض الزهايمر، والذي يتصف بحدوث نقص مترقي في الخلايا الدماغية واضطرابات أخرى في الدماغ .
القلق والتوتر
القلق في حقيقة الأمر هو مشكلة شاغلة للتفكير بشكل كبير، لدرجة أنه قد لا يسمح للشخص بتذكر الأمور التي تجري حوله .
علاوة على أن التوتر يرفع مستويات مادة كيميائية اسمها الكورتيزول، وهذا الأمر يعيق تشكل اتصالات سليمة في الدماغ، نحتاجها لتشكيل الذكريات .
الأرق واضطرابات النوم
مقدار الساعات التي نقضيها في النوم وجودتها هامة لتشكيل الذاكرة، لذلك فإن عدم الحصول على ساعات نوم كافية أو الاستيقاظ المتكرر ليلاً يؤدي إلى الإصابة بالإنهاك، والذي يؤثر على قدرتك على تخزين المعلومات واستدعائها .
الأعواز الغذائية
التغذية الجيدة ( بما في ذلك التغذية الغنية بالبروتينات والدسم ) مهمة من أجل القيام بالوظائف الدماغية بشكل مناسب . يمكن أن يسبب نقص الفيتامين B1 وB12 بشكلٍ خاص فقداناً للذاكرة .
فقدان الذاكرة بعد الحادث (POST-TRAUMATIC AMNESIA)
تصف هذه الحالة حدوث تشويش أو فقدان ذاكرة فوريان بعد تعرض الدماغ للرض. حيث يعاني المصاب عندها من تَوهان (عدم توجه disorientation) ويصبح غير قادر على تذكر الأحداث التي حصلت بعد الحادث، وقد لا يكون قادراً على تذكر اسمه أو المكان الذي يتواجد فيه أو كم هو الوقت.. إلخ .
قد يكون فقدان الذاكرة الناجم عن الحادث من النوع الرجوعي ( فقدان ذاكرة رجوعي retrograde amnesia )، والذي يصيب الذاكرة المتشكلة قبل الحادث بفترة قصيرة، لاسيما في حال تضرر الباحات الدماغية الجبهية والصدغية الأمامية .
كما قد يكون من النوع اللاحق ( فقدان الذاكرة اللاحق للإصابة anterograde amnesia )، وهو عبارة عن مشاكل في تكوين ذكريات جديدة بعد التعرض للحادث، أو قد يُصاب المريض بكلا نوعي فقدان الذاكرة. ولا يظهر فقدان الذاكرة اللاحق للإصابة أحياناً إلا بعد انقضاء عدة ساعات على الحادث. تتم استعادة الذكريات حسب قدمها حيث تكون الذكريات الأقدم هي الأوفر حظاً في استعادة تذكرها أولاً.
يكون فقدان الذاكرة بعد الحادث إما قصير الأجل أو يستمر أحياناً لفترة طويلة ( لنحو شهر تقريباً )، ومن النادر جداً أن يكون دائماً .