بل ما جعلهم يتسولون
اليك مكتوبي البارحة في جريدة الزمان
هل القلوب سواق هههههههههههههههههه
انما ألأحزان بالنيات ولكل آدمي ما شال من جمر المعنى وما قبض ، فلا ناح ولا باح بل قام واستلقى وصيّر صومعته الى سوداء حالكة حندس أو هندس . وجهك مصوب نحو سماوات الله وظهرك يتعرق وانت تستعيذ من شر الفكرة وغواية اللغة وأفخاخ المخيال فلا انغلقت عيناك ولا سكنت روحك ولا أنت على ما ذهبت اليه بموصول ، حتى انقلبت واندق خشمك في مخدة دبقة ، وتيمم ظهرك صوب وجه ربك ألأعلى الذي خلق فأبدع وسوّى ، فلم تغف ولم تسكن ، فصرت على جنب اليمين منطرحاً فلا غوث أتى ولا دمع انسكب ، فرحت الى شمالك فوقع نفس ما وقع ، فشلت مخدتك وطيّنت بها وجهك المنهك توكيداً للظلمة وتسييجاً للحلكة ، وجعلت منخريك باباً لشفط الرطوبة ابتغاء نومة عصية فلم تنم ، فقمت وسترت بدنك بملبس الشارع وهبطت درجاً وارتقيت درجاً قبله واد اجرد غير ذي زرع سوى " سكرية " و " تمرية مقدسية " و " تمر هندي " و" دكان القبطي " وطيارة ورقية مصلوبة فوق رأس قنديل ورجل برتقالي أشيب ، حتى أرحت مؤخرتك فوق مصطبة مزروعة في دوّار الحاووز بجبل اللويبدة - صار الدوّار ساحة باريس - من جبال الربة عمون السبعة . استللت سيكارة واشعلت رأسها وشفطت منها شفطتين فتمثلت قدامك قطة بيضاء وديعة كما لو انها خرجت اللحظة من بطن أمها الحنون . دوّرت لسانها حول فمها ولطعت بقيا من دسم المساء فانفطر قلبك وطاح حظك ، فأشرت عليها بحاوية مسورة بزبل الناس فلم تنصت الى كلامك الذهب المصفّى وواصلت جلدك بلسان مبين ، حتى قمت وسحلت جسدك الى المزبلة والقطة وراءك تموء وتتشمّم وتتحكّك ، فطمست يمينك في بطن الحاوية دائراً خائطاً خائضاً أحشائها متلمساً الغث من السمين ، حتى انشتل عند رأسك رجل شائب نوراني من أهل المدينة بدا كما لو انه يحيا تحت خط المهانة ، فلما شافك على ما انت عليه قال ويحك مما تصنع يمينك ، فما انت الّا قصّاص الديرة والديار وبهلولها وملحها وسكّرها ، ولك في رقابنا ملحات ومضحكات وخير كلام ، ان قلٍّ دلٍّ وان أفاض شعٍّ ، فوا الذي خلقك وخلقني لأهدينّك الليلة نصف حصادي وقنصي من فوارغ قواطي البيبسي والكوكا كولا والسفن آب وما آب ، فبعها وارتزق واقض بعض حوائجك والصباح رباح . قلت لا وحقك يا ابن ألأكارم وألأجاويد والطيبات الطاهرات المبروكات ، فما حاجتي سوى لطعة زفر لهذه القطة المسكينة ، قال انا اعرفك وخشمك العالي وما زلت تكابر وتعاند وانت سليل كرم وغيرة ، قلت فما الذي يجول في عقلك الليلة ، قال انت معي منذ الآن فأحمل هذا الجعب واتبعني فنجول ونصول على حاويات ومكبات ومزابل المدينة ففيها ما يباع ويشترى ويقايض ، قلت له : والقصة القصيرة والمكاتيب ولذة اللغة وخلود الحروف ؟ قال دعك من هذا الهراء وانظر الى حالك وعيالك وقد أدركتك صنعة الادب فمضغتك وعلكتك ومصّت رحيقك العسل وتفلتك على الرصيف ، قلت : وهذي القطة ؟ ، قال ان لها ربّا يطعمها ويحميها .
صاحبي يعرج قدامي وانا خلفه أشيل فوق ظهري كيساً منسوجاً من خيش العوز ، تنام فيه حفنة علب معمولة من ألمنيوم نقي صافٍ ، وكلما زرنا مزبلة ، ثقل كيسنا وربحت تجارتنا وانثلم حزننا . لهذا الولد حاسة شم عجيبة ولي ظهر تكبر حدبته كلما ودّعنا برميل زبل . انا اصنع حكاية ، وهو يرتّل قطعة فيروزية رحيمة ملحونة من عمق روح سيد درويش الفرعوني :
صبح الصباح ، فتّاح يا عليم ، والجيب مافهشي ولا مليم
بس المزاج رايق وسليم ، باب الأمل بابك يارحيم
alialsoudani61@hotmail.com