في ذكر الارحام والانساب
الخميس : 11 /8 / 2009
تعلموا أنسابكم،
تَعْرفوا بها أصولكم؛
فتصِلوا بها أرحامكم"
(عمر رضي الله عنه)
نحن من آدم، وآدم من تراب.
لكن آدم كلمة وكتاب.
هذا القول الفصل لا ينفي أن يعرف الواحد منّا منابت قومه وأسماءهم، وفضائلهم، وأيامهم، لأنهم الأصل. والأصل دليل، كما الكتاب دليل ورفيق.
ولذلك قالت العرب إنه "لو لم يكن من معرفة الأنساب إلا اعتزازها من صولة الأعداء، وتنازع الأكفاء، لكان تعلمها من أحزم الرأي، وأفضل الثواب".
ولقد شهدتُ مسلةً عند جبل فيتوشا العريق في بلغاريا، نقش أحد ملوكها عليها، أسماء آبائه وأجداده، قبل نحو ألف سنة، وخمسمائة سنة أخرى، وتوقف مرافقي الذي كان يجيد العربية، عند اسم أحدهم؛ ثم قال: وهذا عُمَر.
سألتُ: عُمر، بلغاري؟
أجاب المرافق: اسأل ابن بلدك، ابن فضلان، فلربما تجد في رحلته ما يشفي الغليل؛ ويفصل بين القال والقيل، ويريك أن الكثير أصله في البدء قليل.
أما ابن فضلان، فهو: أحمد بن فضلان بن العباس بن راشد بن حماد البغدادي، صاحب الرحلة الشهيرة الى بلاد الصقالبة، التي عرفت باسم "رسالة ابن فضلان"، حيث تجد فيها الفرق بين أمس واليوم.
الأمس، كان كما كان في خلافة المقتدر بالله أبي الفضل جعفر ابن الخليفة المعتضد، الذي بويع خليفة وعمره 13 عاماً، سنة 295 هجرية، والذي وصفه "ابن الطقطقي" بقوله: "كان سمحاً، كريماً، كثير الإنفاق، أكثر من الخلع والصلات، وكان في داره ألف خادم من الروم والسودان، وكانت خزينة الجوهر في أيامه مترعة بالجواهر النفيسة.
وفي زمن هذا الخليفة، ركب ابن فضلان في ألف دابة، لكشف المستور عن حالة أوروبا في حينه، بعدما رأى الوزير النبيه أبوالحسن علي بن الفرات، أن تسيير ذلك الركب الى بلاد الصقالبة، فيه فائدة كبرى للمسلمين. والتفاصيل يجدها العارف النبيه في كتاب تلك الرحلة.
ولا تجد، حتى يومنا هذا، أي مؤسسة علمية وثقافية رفيعة في بلاد روسيا، والقوميات السلافية عموماً، إلا وفيها ذكر لابن فضلان.
ولا تجد رعاك الله عربياً يعرف أصله وفصله، إلا وفيه شيء من مقالة كريمة للإمام علي رضي الله عنه. قال أبوالحسن: أكرم عشيرتك؛ فإنهم جناحك الذي به تطير؛ فإنك بهم تصول، وبهم تطول، وهم العدّة عند الشدّة. أكرم كريمهم، وُعُدْ سقيمهم، وأشركهم في رأيك، ويَسر عن معسرهم".
ويعرف الأديب الكاتب من بين الخلق طراً، أنه منسوب الى حاملي القلم، وحملة الكتاب، فهؤلاء عشيرة، أكرم بها من عشيرة، لأنهم شرّاح النون وما يسطرون، والكون وما به من الخاصة والعامة وهم يتفكّرون.
جمعة اللامي
www.juma-allami.com