ترك كلمته الطازجة، صندوق بريده الإلكتروني المليء بمقالات ومواد (الثقافة الجديدة)، حلمه بعراق حر، مدني، مثقف، عادل، ديمقراطي، ومضى.
هكذا، أنهت رصاصة غادرة حياةَ كامل شياع، أحد أبرز المثقفين العراقيين، وعضو مجلس تحرير (الثقافة الجديدة)، بل الشخص الذي حمل على عاتقه العبءَ الأكبر من إصدار المجلة بعد عودتها إلى بغداد.
لم تكن الرصاصة الغادرة تستهدف شخص كامل شياع. لقد كتب في أحد النصوص التي تركها قبل رحيله: "أعلم أنني قد أكون هدفاً لقتلة لا أعرفهم ولا أظنهم يبغون ثأراً شخصياً مني. رغم ذلك كله، أجد نفسي مطمئناً عادة لأنني حين وطأت هذا البلد الحزين سلمت نفسي لحكم القدر بقناعة ورضا. وما فعلت ذلك كما يفعل أي انتحاري يسعى إلى حتفه في هذا العالم وثوابه الموعود في العالم الآخر، فالقضية بالنسبة لي تعني الحياة وليس الموت".
الرصاصة الغادرة كانت تستهدف الرهان الذي يمثله كامل.
رهان المثقف الذي عاش منفيا معارضا للدكتاتورية، ثم اختار العودة إلى العراق بعد سقوط الدكتاتورية والعمل من داخله.
رهان الحياة، بإزاء أيديولوجيات الموت.
رهان المدنية، بإزاء البربرية.
رهان الدولة، بإزاء الفوضى.
رهان الديمقراطية، بإزاء الشمولية والدكتاتورية.
رهان الوطنية، بإزاء ملوك الطوائف.
رهان الكلمة، بإزاء الطلقة.
الرصاصة الغادرة كانت تريد أن تقول لنا إنها أقوى منا، إنها السيدة.
غير أن التأريخ لن تكتبه هذه الرصاصة، الملثمة، المرتزقة، الجبانة. التأريخ ستكتبه فطرة الإنسان إلى الحرية والسلام.
التأريخ لن يكتبه الجلاد، كما درجت أدبيات الخنوع على أن تقول لنا، بل سيكتبه الشهداء. على الأقل، هذا هو أفق الحلم والإيمان بالعدل، الذي سنظل نسعى إليه ما دام الحلم طريا.
ولذلك، لن يموت رهان كامل شياع.
في هذه اللحظة، كلنا كامل شياع.
مجلس تحرير مجلة (الثقافة الجديدة)
