قد تضطر ظروف شخصية واجتماعية خاصة جداً إمرأة مسلمة ما إلى الزواج من رجل مسلم متزوج لتصبح زوجة ثانية أو ثالثة مستفيدة من شرعنة الدين لذلك . إلا أنّ تجربة الزواج الثاني أو الثالث في الغالب ليست إلاّ حكماً بالمهانة على طرف واحد والتضحية من قبل طرف واحد أيضاً ودعوة للفوضى وإبادة للمشاعر الإنسانية وإعلاناً بنعي عاطفة إنسانية قد تكون من أصدق العواطف وأعمقها من قبل إنسان تجاه إنسان آخر . هذا على الصعيد الفردي، أما من الناحية الاجتماعية يذكر أنّ مسألة تعدّد الزوجات لم تكن لتصبح قضية سياسية واجتماعية لقبولها مبدئياً من وجهة نظر شرعية إسلامية في مجتمع ذي أكثـرية مسلمة.
سكانياً، تقدّر نسبة الرجال العراقيين المسلمين المتزوجين بأكثر من واحدة بـ 7% من المجموع الكلي للرجال المسلمين المتزوجين، حسب إحصاءات التعداد العام للسكان عام 1957 . تنازلت هذه النسبة بعد ذلك التاريخ حتى بلغت ما يقدر بـ 3% من المجموع الكلي للرجال المسلمين المتزوجين حتى الفترة التي سبقت اندلاع الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) حسب نتائج الكتاب السنوي للإحصاء الصادر عن وزارة التخطيط. بيد أنّ ظروف الحرب والتضحيات البشرية الجمّة الناجمة عنها والتي وقع وزرها على الرجال بصورة رئيسة أحدثت فجوة مؤثرة في البنية الجنسية للهرم السكاني في المجتمع العراقي ساهمت بخلق طبقة واسعة من النساء الأرامل أضطر كثير منهن إلى الدوس على كرامتهن للقبول بزواج ثانٍ، حدث أنْ وضعهن بموقع الزوجة الثانية وأحياناً الثالثة وذلك لمواجهة متطلبات الحياة الاجتماعية والاقتصادية بشقيهما المادي والمعنوي نتيجة استشهاد الزوج .
وقد تجاهلت السلطة آنذاك الأمر وشجعت عليه بصورة غير رسمية لمعالجة ما يمكن معالجته حتى انخفض عدد النساء الأرامل إلى ما يزيد بقليل على أربعمائة ألف امرأة حسب تقديرات التعداد العام للسكان عام 1987 وهو عدد محدود بالمقارنة مع الأعداد الحقيقية للضحايا من الرجال في الحرب المذكورة بسبب التغاضي عن ظاهرة تعدّد الزوجات وصرف النظر عن وجوب الحصول على موافقة الزوجة الأولى عن طريق "المعقّب" الذي يكتفي بتقاضي مبلغ متواضع من المال لينجز معاملة عقد وتصديق الزواج الثاني وبالتعاون مع المشتغلين في محاكم الأحوال الشخصية بمن فيهم القضاة الشرعيين .
للأسف لم تتوقف الظروف القاسية بل والطاحنة التي عبثت بالمجتمع العراقي في ظل اندلاع حروب تحرير المدن والهجرة والنزاعات والاضطرابات المستمرة التي أدت إلى إجلاء الملايين من البشر عن مرابعهم في مدنهم وقراهم ليقيموا في الخارج أو في مخيمات النازحين بعد أنْ فقدوا أموالهم وبيوتهم ومقتنياتهم ريثما تتحسن الأوضاع ويعود الأمن والأمان إلى سابق عهده . عهد تعود فيه الحياة الاجتماعية إلى ميادينها الرحبة لتكون آمنة ومستقرة يختار فيها الإنسان التصرف بشؤونه بحرية وبما يحقق رغباته وأحلامه وطموحاته الخاصة على الصعيد الشخصي والعائلي . وهنا يأتي دور الدولة لتوفر المستلزمات المادية وغير المادية لتمكن مواطنيها من أنْ يقودوا حياة سهلة ومريحة وموفقة، ولن يتحقق هذا خارج مراعاة حاجات الناس وتفهم مشاكلهم والعمل معهم للمساعدة على معالجتها من خلال وضع السياسات اللازمة والبرامج التنموية المناسبة إلى جانب سن التشريعات التي تؤسس لتسهيل أمورهم وخفض سقوف معاناتهم .
الغريب والداعي للقلق، أنْ يخرج علينا ممثلو مؤسسات مهمة بالدولة اليوم، باقتراح تعديلات قوانين تقدّم حلولاً سهلة وتبشّر بمطبات لا حصر لها، معبّرين بذلك عن جهل مُفجع بدور وقواعد العمل في مؤسسة تشريعية سياسية مدنية مهمة من وزن مجلس النواب الذي يتحمل مسؤولية إرساء قواعد الحياة الاجتماعية على أسس صحيحة . حدث هذا ويحدث في العراق، فقد انشغل المجتمع قبل فترة وجيزة بجدالات حارقة بشأن تعديل قانوني دعا إلى السماح بل والتشجيع على زواج القاصرات من الفتيات دون سن الرشد المحدّد بثمانية عشر عاماً، والانسحاب إلى القوقعات الدينية والمذهبية بإسم "حرية الاختيار". تبع ذلك موافقة السيد رئيس مجلس النواب العراقي د. سليم الجبوري، على مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية المقدّم من قبل النائبة جميلة محمد سلطان العبيدي، والذي يرمي ليس إلى شرعنة تعدّد الزوجات، وهي المشرعنة أصلاً، وإنّما إلى التشجيع على تعدّد الزوجات من خلال الدفع للاقتران بنساء تجاوزن سن الثلاثين من العمر وما زلن عازبات ممن لم يسبق لهن الزواج من قبل على الإطلاق، إلى جانب الأرامل والمطلقات مع سلفة مالية تحدّد بخمسة ملايين دينار عراقي، يطفأ منها مليون دينار مقابل كل ولادة جديدة تترتب على هذا الزواج .
سلفة قد تكون مغرية لفقراء الرجال ولكنّها كارثية عندما يفترض أنّها تؤسس لزيجة دائمة ومستقرة على المدى البعيد، فالحياة الزوجية والتأسيس لبناء عائلة لا تُشترى بسلفة مالية بائسة تُعطى مرة واحدة في العمر ليترك المستقبل نهباً لمختلف الاحتمالات ومنها احتمال أنْ يجرب الرجال والنساء حظوظهم وفق قاعدة "أنت وربك يا موسى". لعل من المفروغ منه ألاّ يُصار إلى المساهمة بحل مشكلات الناس رجالاً ونساءً عبر مقترح تعديلات قانونية تؤسس لبدايات عائلية هشّة تؤدي في الغالب إلى خراب عائلي وتهديد مباشر لأحلام الناس بوحدة عائلية قوية ومتماسكة بسبب قيامها على أساس خاطئ أصلاً .
ورد في الأسباب الموجبة لمقترح التعديل، أنّه جاء "إسهاماً في حل ما طرأ على المجتمع من مشاكل بسبب عزوف الراغبين عن الزواج بأكثر من واحدة بسبب القيود الواردة في نص القانون النافذ..". إذا ما تركنا جانباً كل ما ذكر توّاً يبقى السؤال، كيف ستؤمّن الدولة التخصيصات المالية المطلوبة للمساعدة في تحقيق الهدف من التعديل القانوني المقترح لمنح المستفيدين السلفة المُشار إليها في الوقت الذي تقوم فيه باستقطاعات واسعة من رواتب الموظفين والمتقاعدين ممن يشكّلون ما يقرب من سبعة ملايين مواطن عراقي ! كيف ستؤمّن الحكومة العراقية التغطية المالية اللازمة لتطبيق مقترح القانون – إذا ما تمت الموافقة عليه – في الوقت الذي تعاني فيه الميزانية العامة من أعباء ثقيلة لأسباب كثيرة يقف في مقدمتها، استحداث دوائر وهيئات ومفوضيات حكومية فائضة وغير منتجة في الغالب لا يكاد يُسمع لها صوت مثل مفوضية حقوق الإنسان والمفوضية العليا للانتخابات ودائرة الأحزاب ودائرة المنظمات وغيرها الكثير من المؤسسات الحكومية المستحدثة والمتخمة بموظفين يتمتعون برواتب ومخصصات مالية عالية ومتميزة .
وبالعودة إلى مقترح التعديل القانوني المشار إليه، يمكن القول إنّه لم يحدث أنْ تآمرت نساء ضد نساء إلاّ في المجتمعات الذكورية الجامدة والمتصلبة التي قبلت النساء فيها أنْ يكنّ أداة حادة وماحقة لإلحاق الضرر والإهانة لبعضهن البعض على حساب المطالبة بحقوقهن المشروعة التي تؤهلهن لممارسة الحياة الإنسانية الحرة الكريمة، أمثال هؤلاء يتبنين فقط مآرب رجال يتآمرون على النساء بوحي من تخلفهم ونقص رصيدهم ليس فقط من قيم المروءة والشهامة والرجولة بمعانيها الإنسانية الرفيعة، وإنّما أيضاً عما يحدث من تطورات على مستوى العالم للتخلص من النظام الذكوري الأحادي والنهوض بالمرأة لتحسين نوعية الحياة الإنسانية .
وهذا ما يدعو إلى التساؤل عما يعرفه هؤلاء بشأن ما يجري في العالم على هذا الصعيد، حيث تطلق الحملات وتنظّم الجماعات لتشجيع النساء على البوح بمبررات اضطهادهن ومعاناتهن، وبالتالي تخلفهن في التميّز والابتكار ويذكّر بتخلف الجهد اللازم والمبذول لتحقيق الوعي الكافي لمحو مسبّبات ازدراء تطلعاتهن في المجتمع، ليس هذا فقط، بل إنّ الصمت المريب للبقية الباقية من عضوات وأعضاء مجلس النواب العراقي من نساء ورجال تجاه مقترح التعديل القانوني يشير بوضوح إلى تواطؤ سياسي مؤسسي ضد النساء في المجتمع العراقي الذي يُراد له أنْ يصرف النظر عن الفساد المالي والإداري الذي أدى إلى ما نحن فيه من هجرة ونزوح وتشرد وبطالة وشيوع حالات الإدمان على المخدرات وانتشار البغاء وما يشبهها من مشاكل اجتماعية خطيرة، ثم يأتي توقيت تقديم التعديل القانوني المقترح والذي يتزامن مع الشروع بإطلاق الحملات الدعائية للمشاركة في الانتخابية النيابية المقبلة للتسابق على كسب البسطاء والمعوزين والمرهقين بهمومهم ومعاناتهم اليومية ممن يتمثلون بأعداد كبيرة مغرية للمرشح الذي لا يملك قضية ذات مغزى يستقطب من خلالها الناخبين بدافع الوعي المجرد والمتحرر من المغريات المادية مما يؤدي به/ بها للسعي إلى الحصول على كسب رخيص في ظل تراخٍ حكومي وخلل سياسي مشهود عليه. أساليب عمل لم تعد لتنطلي على أحد إلاّ عندما يظن البعض من المواطنين المعوزين أنّهم يتشاطرون على الدولة من خلال التغالب للحصول على ما يمكن الحصول عليه تحت أيّ ذريعة ومسمّى. شكراً لمن خفض وسهل ولم يرفع .