الجمعة : 29 ـ 5 ـ 2009
غناء الفتيان
الذي يشدو بالغناء،
هو الذي يلقي الرعب في قلوب أعدائه"
(سرفانتس)
كان الفتية الخمسة يجتمعون عند السيف، مع اقتراب الغروب من كل يوم خميس، فيأخذ أحدهم بالضرب على دف، ويعزف آخر على عود، بينما يرتفع صوت ثالث بالغناء.
غناء الفتيان، عادة، مرح وطروب وربما يختلط برقص. الفتيان يحبون الرقص أيضاً، وهم لا يخجلون من حركاتهم السريعة تلك، حتى لو كانوا وسط مجموعة من الرجال البالغين.
وحين تقول لأحد الفتية، نعم هؤلاء الفتية الذين يتجمعون عند رأس الشارع، "من المتعة أن نستمع إلى الأغاني، ولكن الأغاني التي لم تسمعها هي أكثر الأغاني متعة"، لن يعبأ بما تقول، لأنه لا يريد مثل هذا الكلام الثقيل.
الفتية يحبون الكلام الخفيف، والملابس البسيطة. وكثير منهم يذهبون إلى الأسواق العامة، وجيوبهم فارغة إلا من بعض فليسات، لأنهم لا يشتغلون، ويكفيهم الشيء القليل.
حتى في غنائهم يبدو الفتيان أكثر ميلاً إلى الاختصار. تراهم يتحركون فتحسبهم يرقصون. غير أنهم يرقصون فعلاً، وتلك هي وجهة نظرهم.
أما وجهة نظرنا نحن الكبار، فالأمر يختلف. لا نرقص إلا وفق طقوس معقدة. وهناك منا من يعتبر الرقص عيباً. نعم، جارنا ابن الأربعين لم يشاهده أحد يرقص في حفل عرس. وحين سئل: لم لا ترقص يا عبدالله؟ أجاب: الرقص يذهب ماء الوجه.
نحن الكبار نحب أن يبقى ماء وجوهنا على وجوهنا، حتى ونحن نسكت، مثلاً، عن سلب حقوقنا في زراعة البطيخ، أو في جني ثمر جوز الهند.
وهكذا، وهكذا دائماً، نظل نحن الكبار نسوق المبررات لأنفسنا، ونصدق هذه المبررات، حتى لو كانت مبررات تجعل من الضعف قوة، ومن النفاق صدقاً، ومن الجبن بطولة.
تلك هي بعض أخلاقيات الذين يكبرون في أجسادهم، وينسون عقولهم. وهم على العكس من الفتيان الذين ينمون متوازين، لذلك تراهم كباراً في أجسامهم، كباراً في عقولهم، لأنهم منسجمون مع أنفسهم، فيحسبهم الكبار صغاراً في كل شيء.
يبتسم الفتى ليقول للعالم من حوله: عندما أغني أفرح.
ويعبس الرجل الكهل ليقول لنفسه: عندما لا أغني أشعر بالحرية.
ثمة رجل في الستين من عمره، يتصرف مثل الفتيان، ويغني مثل الفتيان، ويرتدي ثياب الفتيان، ولذلك قال الكبار عنه: هذا رجل مجنون.
جمعة اللامي
www.juma-allami.com
juma_allami@yahoo.com