
ـ هذا النص هو تأسيسٌ وتعشيقٌ شعريٌ من القصيدة العمودية والقصيدة المدورة ـ
يكبو فنحملُهُ على الأعناقِ
هذا عراقُك يا صديقُ، عراقي
يصبو فنرسلُهُ الى الأفاقِ
ومكانُهُ في القلبِ والأحداقِ
يا هاتفاً ( عيني ) اذا خاطبتَهُ
ومردداً ( روحي) أوانَ تلاقِ
و مكنيّاً ( عمّي ) ، ( أخي ) لمسافرٍ
أو عابرٍ في شارعٍ وزقاقِ
بيتُ المضيفِ فناؤهُ رَفَدَ الورى
بالماءِ والفنجانِ والأطباقِ
بستانُ نخلٍ والتمورُ شواهدٌ
لعراقةِ الأصنافِ والأعراقِ
وضفافُ شِعرِ والجميعُ ترنحوا
من فرْطِ ما أهدى الى العشّاقِ
هذا عراقُكَ يا صديقَ عراقي
يمضي فنحضرُهُ من الأوراقِ
فالأنسُ فينا ما سعى أنسٌ بها
والجنُ فينا للقيامةِ باقِ
ــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يكبو فنحملُهُ على الأعناقِ هذا أولُ التكوينِ مهدُ الطفلِ سلَّةُ دجلة والفراتِ ومبتدِيءُ السلالةِ بالمسلةِ والمساءلةِ العظيمةِ للنجومِ وللسماءِ وبالقصائدِ والنشيدِ
غنّي بلادي ما تيسرَ مِن نشيدِ الحرفِ غنّي ثمَّ غنِّي ثمَّ عيدي
الذاهبونَ الى البحيرةِ انشدوا والعائدون من البحيرةِ أنشدوا والفجرُ أنشدَ والغروبُ المازجُ الألوانَ بالأحزانِ أنشدَ، والطيورُ أتتْ مِن كلِّ صوبٍ، كلُ سربٍ يعبرُ الأفقُ المديدَ بشوقِهِ يشدو الى أفقٍ مديدِ
وصفوهُ يوماً سرّةُ الأرضين، أهلُ الأرضِ أفطنُهم وأفصحُهم وأجملُهم من ساكنيهِ، ترابُهُ سرُ الخصوبةِ، رافداهُ السرُ في كنهِ العذوبةِ، والجلالُ يزوروهُ ماءً وليلاً حيث مياههُ انسكبتْ وأنجمُهُ انسبكتْ تصوغُ السحرَ في العقدِ الفريدِ
ستراهُ في الأعلى على النجماتِ مرسوماً وفي قاعٍ لنهرٍ رائعٍ ثرٍّ ودودِ
ما خانه الّا البليدُ وما تذاكى في النذالةِ والعمالةِ غير منحدرٍ الى جمعِ العبيدِ يقودُهم مَلكُ العبيدِ
انْ طاحَ في هذا الزمانِ لواؤه لا تبتئس يا عاشقَ النهرين انَّ عدوَّكَ الموبوءَ والمأزومَ والمهزوزَ منفصمٌ و منقرضٌ وأنتَ ورافداكَ لآليءُ التكوينِ في سِفرِ الخلودِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملاحظات
أ ـ من أدوات النداء والمخاطبة في اللهجة العراقية الشعبية في كل الأمكنة في العراق التي تتحدث في العربية ـ بل وحتى في لغات العراق الأخرى ـ هناك كلمات عيني وروحي وقلبي التي يخاطب بها العراقي ضيفه أو صديقه أو محدِّثه، ومن الواضح ان العين والقلب أعز ما يمتلك الانسان أما الروح فكلمة تعني في اللهجة العراقية الشعبية جوهر الانسان أو الأنسان كله، ومن الجدير بالذكر ان مثل هذه الحميمية في المخاطبة لا توجد عند معظم شعوب الأرض، واستطيع ان أقول انها وبهذه الدرجة العالية اختصاص عراقي
ب ـ هناك ظاهرة أطلاق لقب ( عمّي ) أو ( أخي ) على الغريب أو من يلتقيه العراقي في السفر أو في الشارع والمكان العام ولم يسبق له ان يعرفه، فكلمة ( عمّي ) تُطلق على الأكبر في العمر وكلمة ( أخي ) تُطلق على المقارب في العمر .. وفي هذا أِنماء للغريب الى العائلة و أقرب درجات القربى، وهذا حاصل ميراث انساني كبير حيث الجميع أخوة في الإنسانية
ج ـ بيت الضيافة العراقي مؤسس أصلاً للكرم وتأدية وظيفة اجتماعية وأخلاقية واشتراكية فعلاً لا قولا من خلال تقديم الخدمات مجاناً من أكل وشرب ومبيت والمساعدة في حل المشاكل لكل وافد بغض النظر عن أصله وعرقه ودينه وطائفته ومستواه الاجتماعي أو التعليمي أو المالي أو الوظيفي
د ـ أصناف التمور في العراق عديدة ومتنوعة تنوعَ اشجار النخيل ويصل عددها الى اربعمئة صنف، وتختلف هذه التمور في الحجم واللون والشكل والحلاوة والملوحة والنكهة والصلابة ودرجة و زمن النضج، ومن الفلاحين مَن يسمح لمتسلقِ نخلةٍ من بستانه ان يحوي من الرطب أو التمر ما يكفي لحاجته دون ان يأخذ معه ما يفيض عن الحاجة الشخصية، وفي هذا التوجه اشتراكية ماقبل نظريات الأحزاب بقرون نهجها على أرض الواقع فلّاحون عراقيون أميّون ... ومن هذا كله نريد أعادة تعريف العراق الحضاري والإنساني والعظيم لعالم السلطة والمال الجاحد ولأبناء العراق الذين فاتهم في غمرة الفوضى والتزوير والتدجين موقع بلدهم في التاريخ الأِنساني وأهميته لبني الانسان مثلما نطمح الى صيانة الملامح العظيمة التي كوّنت الشخصية العراقية وصاغت قوام العراق النبيل، وعدم إحلال تفاهة العولمة محل الذهب الذي سبكه التاريخ وصاغته التجارب الإنسانية الكبرى، واذا كان لابد من إضافات بحكم مرور الزمن وتبدل الأحوال فلتكن أضافات جميلة وخلّاقة وبناءة ولا تهدف الى تدمير روح الانسان ومسخه تمهيداً الى تدمير ومسخ وطنه .
ه ـ زمان ومكان كتابة هذه القصيدة في يوم الثاني من ايلول وهي إعادة وتطوير عمل لقصيدتي العمودية بعنوان ( يكبو فنحملُهُ على الأعناقِ ) التي كتبتها في الثلاثين من تموز 2018 في برلين وسبق ان نشرتها ، حيث أنسج هنا و أقوم بتأسيس نصاً جديداً هو تعشيقة من القصيدة المدورة و القصيدة العمودية في نصٍ واحد .