هَلْ هيئة الأمم المتحدة مؤسسة استعماريّة إرهابيّة، وشريك في الجريمة الدولية التاريخية البشعة لِمَحْق العراق بسبق الإصرار والترصُّد والتعمُّد ؟
تحتلّ هيئة الأمم المتحدة قمّة تراتبيّة حكّام الأرض: Dr. John Coleman, The Committee of 300, Fourth Edition, P. 254
قامَتْ هيئة الأمم المتحدة وجهازها التنفيذي مجلس الأمن "لإعانة" الشعوب، ورفع ظلم المتجبِّرين عنهم. وقد حققّت الهيئة مُنجزات جيّدة في مجالات التنمية والصحة والثقافة والطفل، وإنشاء المحكمة الجنائية الدولية ... التي لم تقدِّم مُجرمي حرب أمثال بوش وبلير إلى المحاكمة .
ومِن أهداف هيئة الأمم المتحدة حفظ السلم والأمن الدوليين، وتعزيز احترام حقوق الانسان ... لكن أين هذا من تزكية الغزو الأنجلوسكسوني للعراق واحتلالِه واستعمارِه وتخريبِه ونهبِه ؟ . أم أن هيئة الأمم المتحدة أداة في يد النخب الاستعمارية لتسهيل تحقيق مصالحها ؟ .
كما يَظْهر عدم اكتراث الغزاة بهذه المنظمة الدولية من تصريح جون بولتون، أحد صقور المحافظين الجُدد، بانه لايوجد شيء مثل هيئة الأمم المتحدة، بل هناك المجتمع الدولي الذي تقوده أمريكا – القوة الوحيدة في العالم .
يتسائل ( ناجي الزبيدي، لماذا تصمت الأمم المتحدة، الزمان 31/05/2015 ) : "شكل تحالف دولي عسكري من 34 دولة ضد العراق لتنفيذ قرارات مجلس الامن الخاصة بانسحاب القوات العراقية من الكويت، دون قيد او شرط، وبلغت نسبة الجنود الامريكان من الائتلاف 74 بالمئة من العدد الاجمالي للقوات الذي بلغ عددُها اكثر من 990 الف جندي ... كل هذه القرارات والاجراءات والتحشدات التي جرت خلال اسبوع واحد فقط من الغزو، صدرت من المجتمع الدولي لتدين غزو دولة عضو في منظمة الامم المتحدة وجامعة الدول العربية، ضد دولة هي ايضا عضو في المنظمتين …. ولكن الذي يثير الدهشة والاستغراب هو صمت الامم المتحدة والمجتمع الدولي حيال غزو عصابات داعش لمدينة من مدن دولة ذات سيادة وعضو في منظمة الامم المتحدة وجامعة الدول العربية، وهذه العصابات لاتمثل دولة ولا هي اقليم أو جزء من دولة ذات سيادة، بل هي عصابات وقطاع طرق وقتلة مجرمين تجمعوا من مختلف بقاع العالم احتضنتهم دولة هي ايضا عضو في الامم المتحدة وتجمعوا في اراضيها ودخلوا لغزو الموصل، استباحوا الموصل في العاشر من حزيران 2014 وقتلوا وحرقوا البشر نساء واطفال وشيوخ وهجَّروا العوائل الآمنة وهدموا المساجد والكنائس ودمروا الحضارة والتراث، والمجتمع الدولي والامم المتحدة يتفرجون ولم يحركوا ساكنا ." ...
" ... السؤال هنا كيف صمدت عصابات لاتمتلك سوى سيارات البيكاب والرشاشات والعبوات الناسفة امام قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة والتي تشن على مواقع هذه العصابات عشرات الالاف من الضربات الجوية منذ آب 2014 وحتى الان ، ولم تقض عليها او على اقل تقدير توقف تمددَها… بل اننا وجدنا العكس فهذه العصابات بدأت تشن هجمات وتحتل مدن واخرها احتلال الرمادي في العراق ومدينة تدمر في سوريا، وكذلك تهدد دولا اقليمية مثل مصر والجزائر وليبيا، ايها التحالف الدولي هل هذا ضحك على الذقون ام استخفاف بدماء العراقيين والسوريين او استهانة بالرأي العام الدولي ؟ ام ماذا ؟ ."
وماذا عن الانتهاك الصارخ لمواثيق الامم المتحدة في فرض المقاطعة والعقوبات اللا شرعية واللا أخلاقيّة واللا إنسانيّة على العراقي والعراق ماضياً وحاضراً ومستقبلاً التي أبادت الملايين وعوّقت الاقتصاد العراقي ومهّدت للغزو والاحتلال وتفشِّي الفساد والارهاب والتخلّف وتلوّث البيئة ؟ .
أوردت ( سميرة رجب، الأمم المتحدة أداة في يد القوى الدولية لمعاقبة شعوب بعينها، العرب، 25/04/2016 ) : " يمكن أن تتورّط دول أو أنظمة في جرائم إبادة جماعية، فيعاقب سياسيوها على تلك الجرائم وينال كل طرف جزاءَه . لكن أن تتورّط الأمم المتحدة نفسها في نية إبادة جماعية للعراقيين في فترة الحصار الجائر على أطفاله وشيوخه فهنا يكمن الخطر المخيف، حيث لا أحد الآن له شرعية التحكيم بين الدول. وهذا ملخص اعترافات هانز كريستوفر فون سبونيك، في كتابه الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت والذي حمل عنوان “تشريح العراق : عقوبات التدمير الشامل التي سبقت الغزو." ...
"... أكد الكاتب فون سبونيك أن العقوبات التي فرضت على الشعب العراقي كانت انتهاكا مباشرا لاتفاقية لاهاي وأنظمة 1907 ( ويشار إليها أيضا في اتفاقية جنيف 1949 ) التي تنص على أنه “لن ينزل بالسكان عقاب عام أو عقاب مالي أو خلاف ذلك بسبب أفعال أفراد لا يمكن اعتبار السكان مسؤولين عنها جماعات أو فرادى”. وأن مجرد مؤشرات سوء التغذية والأمية خلال أعوام العقوبات وأسبابها تعتبر أدلة على انتهاك للمادة 50 من الاتفاقية . إضافة إلى أن العقوبات الاقتصادية كانت قد فقدت شرعيتها بعد أن انتهت أسبابها، فكان استمرارها يعد انتهاكا خارقا للمواثيق الدولية، مؤكدا أن العقوبات ضد العراق كان يستهدف الشعب العراقي وليس النظام، فكان الأطفال والشباب وتعليمهم وصحتهم ومستقبلهم هدفا رئيسيا لجحيم تلك العقوبات الظالمة والقاتلة." ...
" ... ويكشف الكتاب أن العقوبات التي فرضت على الشعب العراقي كانت أبشع جريمة منظمة، معدة مسبقا، وصلت إلى درجة الإبادة الجماعية، ويدعم الكاتب رأيه بالتقرير الذي قدمه الخبير في العلوم الدولية مارك بوسيوت إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي في الأمم المتحدة في العام 2000 والذي توصل إلى استنتاج أن “نظام العقوبات ضد العراق كان ذا غرض واضح هو إنزال عقوبة متعمّدة بالشعب العراقي لناحية ظروف حياته، وهي عقوبة محسوبة لإحداث تدمير مادي كليا أو جزئيا، أي أن الحكومات الأعضاء في مجلس الأمن خرقت المادة 2 من اتفاقية نبذ الإبادة الجماعية لعام 1948″... كان المبلغ الفعلي الذي يُصرف لمساعدة العراقيين على البقاء لا يزيد على 66 بالمئة من إيرادات النفط . وكان ذلك يعادل 118 دولاراً للفرد العراقي في السنة، “وهذا يعني أن لكل مواطن عراقي 32 سنتا في اليوم، هي ثمن مواد غذائية وطبية وزراعية وكهرباء وماء وصرف صحي وتعليم." ..
"
... في الصفحة 213 من الكتاب يقول المبعوث الأممي هانز سبونيك “يصح الاستنتاج القائل، من بين أمور أخرى، إن مجلس الأمن خرق اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل، واتفاقية نبذ الإبادة الجماعية، واتفاقية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، منذ بداية برنامج النفط مقابل الغذاء في عام 1996 من خلال وضع قيود صارمة على حقوق الأطفال في الصحة والتعليم وتنمية شخصياتهم." ...
وكَتَبَت ( سميرة رجب، الأمم المتحدة وانتهاك المواثيق الدولية، مراجعة مأساة العراق وعقوبات التدمير الشامل، أخبار الخليج 24/04/2016 ) : " ... اشتهر د. سبونيك في ذلك الوقت عند استقالته من ذلك المنصب الأممي في فبراير عام 2000 احتجاجاً على تجاوز الأمم المتحدة ومجلس الأمن كل « القوانين الدولية والإنسانية في معاقبة العراق إرضاءً للولايات المتحدة الأمريكية وأهدافها الاستراتيجية والاقتصادية والسياسية » ( سبونيك ) . وقد كانت استقالته هي الثانية بعد استقالة المنسق الدولي الذي سبقه، السيد دنيس هاليداي، الذي أوجز اسباب استقالته شفوياً للدكتور سبونيك بقوله « إنه أنَفَ أن يكون جزءاً مما اعتقد بأنه سياسة معيبة وإجرامية من مجلس الأمن تجاه العراق » ( هاليداي ) ...
" ... السيد سيلزو أموريم ( وزير العلاقات الخارجية البرازيلي، ومبعوث أممي ) سطّر رأياً مهماً في بداية الكتاب، مؤكداً أنه على مدار 12 سنة تحت العقوبات انتقل العراق « من مجتمع ثري، مجهّز ببنية تحتية حديثة، وكذلك بنظامين للتعليم والصحة بين أكثر النظم تطوراً في الشرق الأوسط، إلى بلد مؤلف من قطاعات ضخمة من المواطنين الفقراء والمحرومين المحكومين بالعيش بأقل من دولار في اليوم. ولقد ناء الأطفال والشبان والنساء والمسنون بأثقل عبء » . مؤكداً أن « التكاليف الإنسانية الباهظة لنظام العقوبات الشاملة، وعجز البرنامج الإنساني، بتعقيداته الروتينية والبيروقراطية وقيود الميزانية، وتصميم بعض الاعضاء الدائمين في مجلس الأمن على عدم السماح للعراق باستعادة مقدرات سيادته، قد حكمت على العراق والشعب العراقي بعملية إفقار سريعة، ربما لم يسبق لها مثيل في التاريخ » . علماً بأن هذا الدور الأممي اللا إنساني واللا أخلاقي استمر حتى بعد الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق الذي مازال شعبه يعيش في ظل أقسى الظروف المعيشية والأمنية سوءًا من دون أن تتحرك لجنة واحدة من اللجان الأممية لمحاسبة المسؤولين عن عملية الإبادة البشرية هذه، وفي ظل لا مبالاة متعمدة من المنظمات الحقوقية في مواجهة أكبر وأبشع الانتهاكات لحقوق الإنسان، عدا ما يصب في مصلحة المشروع المرسوم لتقسيم العراق." ...
" ... ويؤكد د. هانز في الصفحة 212 من كتابه، أن معرفة المنظمة الدولية بالكارثة، التي يعيشها الشعب العراقي، وتجاهلها، والتمسك بسياساتها ترسخ علاقة سببية وتشير إلى دليل « النية » الذي « يقود إلى دليل انتهاك واع لحقوق الإنسان والقانون الإنساني من جانب الحكومات الممثلة في مجلس الأمن، أولها حكومتا الولايات المتحدة وبريطانيا". .. " ... واستمرت هذه العقوبات للنهاية، أي إلى أن أكملت أهدافها في تدمير أمة بأكملها من دون أي وازع ... رغم أنه « لم يكن هناك شح في التحذير من تجاهل حقوق الإنسان سنة إثر سنة من قبل المجتمع الدولي والمنظمات المتخصصة والحكومات والأمين العام وموظفي الأمم المتحدة وقادة الكنائس والأشخاص ذوي الضمائر الحيّة » ...
" ... نعم، وهنا نؤكد ما قاله د. سبونيك إن عمق خطورة المأساة العراقية يكمن في أنها « لم تكن عرَضية أو نشأت عن جهل »، بل كانت بسبق الإصرار والترصد والتعمد... وتدمير الأمة العراقية كان هدف تلك العقوبات، وهدف « الولايات المتحدة والمملكة المتحدة » المتحكمتين في إرادة المنظمة الأممية، كما جاء في هذا الكتاب الثمين" .
هيئةُ الأمم المتحدة إذن ليسَت كما تَمَنّتْها الشعوب في إحقاق الحقّ وعدالة الميزان . بلْ هي، حتى لو كانت مُنزهة من كونها أداة استعمارية، فانها لم تحمِ الشعوب قدر حمايتها لمؤامرات الاستعمار ثم تأكيدها وبَصْم نتائجها لاحقاً . وما فلسطين والعراق وإيران عن هذا ببعيد: الانحياز لعدوانية وجرائم الغزاة والمحتلين . والقفز على الحبال كما هو حاصل بين غزو ومَحْق العراق بأكاذيب أسلحة الدمار الشامل؛ والتعاون بين وزارة الطاقة الامريكية واسرائيل في المجال النووي، بينما تفرض أمريكا الحصار والعقوبات على إيران بشأن برنامجها النووي السلمي ! .
ثمّ أين هيئة الأمم المتحدة من عدم اعتراف إسرائيل بالقوانين الدولية والشرعية الانسانية ؟
وماذا فعلت هيئة الامم المتحدة منذ تاسيسها لتجريم ثقافة الاستعمار وفضح قرون متواصلة من جرائم الحرب والجرائم ضدّ الانسانيّة باستعباد شعوب المستعمرات وإبادتهم ونهب مواردهم ؟.
وما دور هيئة الامم المتحدة في هذه المرحلة التاريخية الدقيقة والخطيرة التي يمرّ بها الانسان، الذي يشهد إجهاض الامبراطورية الأمريكية للتوازن العالمي والسلام والأمن الدوليين ؟. إضافة الى استمرار المُخَطَّط الاستراتيجي التوسُعي الأمريكي ليشمل إيران وحزب الله باستخدام القوّة والمَكْر وفرِّق تَسُد لشدّ حرب إقليمية بين السنّة والشيعة .... مِمّا يعني ضمناً أنّ الهجمة الاستراتيجية الأنجلوسكسونية على عالم العرب والمسلمين لم تنتهي بعد . وأنّ إحتقار النخب الاستعمارية للقوانين الدولية والحلول السلمية متواصل .
وقد يفضي هذا، عاجلاً أم آجلاً، الى زحف الصراع وتوسّعه بالعودة الى قانون الغاب: القوي مُحِقّ، والأقوى أحَقّ . ممّا يُلْجِيء المظلوم للدفاع عن نفسه بما أوتي من إرادة وحقّ وقوّة، وخاصّة في الشرق الاوسط الذي يشهد تحولات نوعية وسريعة واستراتيجية اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وثقافياً وجغرافياً، تضع الانسان والحضارة على حافة الفَناء ؟