اهــل العقل واربــاب الجهــل
الجمعة : 13 /9 / 2008
إذا عَقَلكَ عقلُكَ عمّا لا يعنيك، فأنت عاقل"
(عامر بن عَبْد قيس)
تضرب كفاً بكف وتقول: ذهب عقل الرجل، إذا ما رأيت أنه أتى بعمل يخالف العقل، ويناقضه، فيكون بحسبك غير عاقل.
العقل حجة.
والعقل حاكم.
ولا مال أفضل من العقل، حسب قول شائع لعبدالله بن المقفع. ولا يطفئ مصباح العقل غير العواطف العاصفة، كما يقول توفيق الحكيم.
وصدق سيدنا علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، حين قال: إذا كَمَلَ العقلُ، نَقَصَ الكلامُ.
وعند العرب، ان العاقل لا تبطره المنزلة السنية، كالجبل لا يتزعزع وإن عتت عليه الريح. والجاهل تبطره أدنى منزلة، كالحشيش يحركه أدنى ريح.
وقال الصحابي الجليل، أبو الدرداء، قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عُويمر: "ازدد عقلاً، تزدد من الله قرباً". قلت: بأبي وأمي، ومَن لي بالعقل؟ قال: "اجتنب محارم الله تعالى، وأد فرائض الله تعالى تكن عاقلاً، ثم تنقل الى صالح الأعمال، تزدد في الدنيا عقلاً، وتزدد من الله قرباً وعزاً".
ولا يخدعنك المتظاهرون بالعقل المتعقلنون، الذين يتلفظون بألفاظ العقل، فيتوهم العامة أنهم الجهابذة العقلاء، وغيرهم من الجهلة السفهاء والحمقى.
وهؤلاء كشفهم الأصمعي.
قال الأصمعي، عبدالله بن قريب بن علي بن أصمع الباهلي: رأيت بالبصرة شيخاً له منظر حسن، وعليه ثياب فاخرة، وحوله حاشية وهرج، وعنده دَخْل وخَرْج، فأردت أن أختبر عقله، فسلمت عليه وقلت: ما كنْيةُ سيدنا؟ فقال: أبو عبدالرحمن مالك يوم الدين".
قال الأصمعي: "فضحكت منه، وعلمت قلّة عقله وكثرة جهله، ولم يدفع ذلك عنه غزارة خرجه ودخله. وقد يكون الرجل موسوماً بالعقل، مرقوماً بعين الفضل، فيصدر منه حالة تكشف عن حقيقة حاله، وتشهد عليه بقلّة عقله واختلاله".
وهذا كلام قليل موجز، من عقل موهوب.
يقول أحد الكتاب الفرنسيين: "ليس أدل على رجاحة العقل، من أن يقول الإنسان ما يريده بوجيز الكلام".
ويقول الحكيم كونفوشيوس: العاقل من يتذكر في حلاوة الطعام، مرارة الداء.
داؤنا اليوم، هو ترك العقل ومنطقه، والاستسلام للخرافة والشعبذة وترهات القول، حتى إن بعض المؤسسات العربية التي تدعي العقل، أنشأت "محطات فضائية" للشعبذة وقراءة الطالع، والضحك على عقول الناس.
ولا اعتذار من هؤلاء أبداً. إذ "ما من عاقل اضطر الى الاعتذار من هؤلاء" حسب قول القس الأمريكي ايمرسون.
جمعة اللامي
www.juma-allami.com