شكلت الإمبراطورية البريطانية- التي أصبحت في ذمة التاريخ- ركنا أساسياً من أركان السياسة العالمية في العصور الحديثة، ولقد نمت هذه الإمبراطورية نمواً مُطرداً منذ القرن السادس عشر . حتى شغلت في نهاية الأمر حوالي خُمس الكرة الأرضية، وخضع لحكمها سدس سكان العالم . وقد جاء تكوين هذه الإمبراطورية مرتبطاً بتفوق بريطانيا البحري ، وابتعادها قدر الإمكان عن صراعات القارة الأوربية التي استهلكت طاقات عدة دول مثل فرنسا واسبانيا، مما كا له انعكاس في تقليص أملاكها الخارجية بين وقتٍ و آخر. هذا إلى أن بريطاني قد بنت خطط سيايتها الخارجية على أسس ثابتة لا يطرأ عليها تعديل جوهري إلّا على محك الواقع العملي أو مقتضيات الضرورة، وهكذا أحرزت قصب السبق في مضمار الإستعمار وارتفعت مكانتها في السياسة الدولية بحيث أصبح يُحسب لها حساب خاص، وبالتالي ما أحرزته من انتصارات باهرة نتيجة لتصدرها موائد المؤتمرات الدولية التي كانت تُعقد لتسوية شؤون القارة الأوربية أو شؤون ممتلكات أوربا فيما وراء البحار . ومن الطبيعي أن تكون بريطانيا مثار حسد الدول الأوربية التي حالت مشاغلها وخلافاتها دون قيامها بجهد مشترك لتحدي بريطانيا التي جعلها موقعها الجزري وتفوقها البحري بنجوة من الغزو الخارجي منذ الفتح النرمندي (1066م) حتى الوقت الحاضر .
وقد ألحقت بريطانيا الهزيمة بفرنسا وقضت على طموحات بعض حكامها – مثل لويس الرابع عشر ونابليون .. للسيظرة على القارة الأوربية، كما دمرت الإسطول الإسباني الذي حاول غزو الجزر البريطانية في آواخر القرن السادس عشر، ولعبت دورها في تصفية الإمبراطورية الإسبانية في العالم الجديد، في الوقت الذي ورثت فيه كثيراً من الأملاك الفرنسية في أريكا والهند . وطفقت طيلة القرن التاسع عشر تلتقط مستعمرة تلو أخرى، حتى قيل أن الشمس لم تكن تغيب عن املاكها . لهذا كله فأن فشل بريطانيا في فرض إرادتها على المستوطنين البيض في جنوب أفريقيا من غير البريطانيين ( الذين أطلق عليهم إسم البوير)، بل وتعرضها الى الهزائم العسكرية المتوالية على أيديهم كان بمثابة صدمة للرأي العام البريطاني، وفرصة نفست فيها الدول الأوربية عن أحقادها وشملتتها مما أصاب الكبرياء البريطاني بلطمة شديدة نبهت بريطانيا إلى حقيقة الشعور المعادي لها في اوربا، وجعلتها تعيد النظر في علاقاتها الدولية وأوضاعها العسكرية .
اما حرب البوير التي اندلعت في 11 اكتوبر 1899 بين بريطانيا والمستوطنين البيض في جنوب افريقيا الذين ينتمون إلى أُصول المانية وفرنسية وهولندية، والتي توقع الإنجليز أن تنتهي قبل آخر أعياد ميلاد القرن التاسع عشر، فقد ثبت أنها أطول الحروب التي خاضتها بلادهم طيلة قرن من الزمان يمتد ما بين عامي 1815 و 1914، إذ أنها طلّت تحتدم خلال عامين وثلاثة أرباع العام . كما ثبت أنها أكثر حروب بريطانيا خلال هذه الفترة تكلفة في الأموال والأرواح : فقد كبدتها أكثر من مائتي مليون جنيه استرليني وأكثر من 400000 حصان وبغل وحمار وما لا يقل عن 22 ألف قتيل .