حوار مع فتيات شرقيات يعشن في المجتمع الغربي

2010-12-14
فتاة صغيرة جميلة بعمر الورود انتزعت من تربتها أرض أمها الثانية، وتم نقلها إلى تربة جديدة غريبة باردة لا تعرفها ولا تعرف أصدقاء لها هناك، تركت طفولتها في بلدها ويجب أن تعيش فترة مراهقتها، حيث كل شيء مباح وهي وان كانت في مجتمع غربي ولكن يجب أن تلتزم بشرقيتها، عاداتها وتقاليدها، ويجب أن لا تخطيء ولا تنجرف أو تبتعد عن الأسرة.. و لكن كيف تعيش بعادات شرقية وهي في مجتمع غربي؟ وإذا كانت قد اختارت المجتمع الغربي، كيف ستنسى شرقيتها والقيم التي نشأت عليها؟ وماذا ستختار؟ وكيف سترضي المجتمعين..؟؟
الهجرة في العراق
كثيرة هي الأحداث التي مرت بها الأسرة العراقية خلال السنين الماضية والتي لم تكن أحداثا يومية بسيطة بل كانت تحمل في طياتها مآسي وأحزان و لم تفرق هذه الأحداث بين صغير وكبير, رجل وامرأة، كانت أحداثا عامة وشملت جميع العراقيين بكافة أطيافهم ومذاهبهم وبلا استثناء.. ونتيجة لذلك أصبحت فكرة الهجرة ضمن أولويات تفكير الفرد العراقي بغض النظر عن مستواه ألمعاشي, وليس دائما تكون هذه الهجرة رحلة بسيطة بل إنها على الأغلب عملية شاقة، وفيها العديد من المخاطر حيث فقدت الكثير من الأسر أفرادا لها غرقا في البحار أو اعتقلوا في السجون، وربما قسم منهم فقدوا ممتلكاتهم في العراق ولم تتحقق غايتهم بالحصول على صفة اللاجئ في الدول الأوربية..
ومن اختار الدول المجاورة كان وضعهم اشد صعوبة، بسبب انعدام الدعم المادي لتلك الأسر ونفاد مدخراتهم وربما فقدانهم المعيل في العراق، مما اضطرهن للالتجاء إلى الأعمال ذات الربح السريع والتي لا تكون بحاجة إلى خبرة أو رأس مال، مما يؤدي إلى تشتت وضياع الأسرة هناك، وليس هذا هو حال جميع العراقيين في الدول المجاورة، بل من اضطرتهم اشد الظروف صعوبة للالتجاء إلى هذه الوسيلة لكسب بعض المال..
و لكن لماذا يترك العراقي وطنه وهو المعروف بحبه للعراق ويصل إلى هذه الدرجة من المخاطرة والاحتياج..؟ انه الهروب من الواقع المرير وربما البحث عن شيء فقدوه في العراق، كالأمن والأمان والاستقرار وضحكة الأطفال، وجهد سنين طويلة عاشها المفكر والباحث والطبيب أخذت منه بلحظات بيد إنسان قد لا ينتمي لأرض العراق، وذنب الأستاذ فقط إنه من الأكاديميين، أو يفقد العراقي حياته لمجرد الاسم أو القومية ثم يلقى مقطوع الرأس في احد الطرقات و ربما يكون من الأقليات ويلاقي نفس المصير..
و لكن من هم الأقليات؟ هل هم دخلاء على ارض العراق أم إنهم احتلال مصغر؟ أبدا، هم مجاميع مسالمة تقدر نسبتهم بنحو 20% من السكان تقريبا، سكنوا العراق منذ حوالي 2000 عام ولم تجمعهم الأرض فقط بل الحب والانسجام، وقد تعرضوا لشتى أنواع الاضطهاد والعنف كبقية العراقيين، بالإضافة إلى إجبارهم على تغيير الدين ولبس الحجاب والاعتداء حتى على دور العبادة خاصتهم، وكانت محصلة هذه الأحداث أكثر من أربعة مليون نسمة غادروا العراق، منهم من ذهب كلاجئ إلى الدول الغربية، والقسم الأخر اتجه إلى الدول المجاورة بالإضافة إلى من اختار الانتقال بين المحافظات، وبذلك احتل العراق المراتب الأولى عالميا بمعدل النزوح والهجرة والتهجير، حيث الاحتلال من جهة والإرهاب من جهة أخرى والعراقيين، كل العراقيين، بلا استثناء يدفعون الثمن..
المرأة والهجرة
لا بد أن يكون للمرأة العراقية نصيبا من هذه الأحداث، فهي من فقدت ابنها، ومن تحملت أعباء سنين طويلة من الحصار، والآن عليها أن تحزم حقائبها وترحل إلى بلد يختلف عن عالمها الشرقي، وعند انتقالها إلى البلد الجديد حتما ستتغير أمور عديدة في حياتها، فهي تترك بيئتها, عاداتها, تقاليدها لتعيش في بيئة مختلفة، أعراق، ديانات، لغات متعددة، و يجب عليها الاندماج في ظل هذه التغييرات.. ولكن هل من السهولة اندماجها في المجتمع الغربي وهي المرأة الشرقية المحافظة والتي يحكمها الرجل, العادات, التقاليد, الأعراف الاجتماعية, السلطة الدينية لتنتقل إلى المجتمع الغربي حيث لا حكم إلا للقانون..؟؟
حتما ستواجه صعوبات عدة ربما بسبب اختلاف الثقافات بين المجتمعين أو تعلقها بوطنها الأم وقد يكون حاجز اللغة هو العقبة في طريق اندماجها، وليس هذا فقط بل نلاحظ إن الأسرة الشرقية المهاجرة تعيش في المجتمع الغربي وتحاول الحفاظ على شرقيتها، أي أنها تعيش حياة مزدوجة.. ويقال إن من يريد الاندماج في المجتمع الجديد يجب أن يترك مفاهيم مجتمعه القديمة ويعيش بثقافات المجتمع الجديد!!
ولكن الأسرة الشرقية المعروفة بتمسكها بالقيم والتقاليد، هل تتقبل هذا التغيير؟ هل تتخلى عن جميع مفاهيمها وترضخ لثقافة الغرب؟ هل تسمح لابنتها العيش بمفاهيم المجتمع الجديد؟
بالمقابل، الفتاة نشأت ضمن الثقافة الغربية، أليس من حقها أن تختار الحياة التي تتماشى مع ظروف نشأتها؟ وهنا تصطدم الأسرة بمشكلة تربية أبناءها وسط مجموعة من الثقافات (ثقافة الآباء الشرقية وثقافة المجتمع الغربية) وقد تكون أكثر المشاكل التي تثير الخلافات في الأسرة هي أن يصبح للابنة صديق، وهذا الأمر عادي جدا في الغرب أما نحن فهو بداية الانصهار في المجتمع الجديد وليس قليل ما حدث من قضايا اعتداء ومحاولات قتل للفتيات المغتربات اللاتي اتبعن النمط الغربي في أسلوب حياتهن..
و لأجل تسليط الضوء على موضوع هجرة الفتاة الشرقية إلى المجتمع الغربي، اخترتُ فتاتين من الفتيات المغتربات ممن عشن مرحلة الطفولة في العراق، و هن الآن بسن النضوج، وقمت بطرح عدد من الأسئلة عليهن، وقد اجبن بإجابات تعبر عن وجهة نظرهن.
الغربة لن تقلل من حبي للعراق
قلت لرحمة : كيف تعرّف نفسها الفتاة الشرقية وهي مهاجرة إلى دولة غربية؟
أجابت رحمة "أنا فتاة عراقية مغتربة خرجت من بلدي لأسباب فرضت علينا، واختيارنا الغربة لم تدفعنا إلى أن أتنكر لبلدي، ما لا أنكر ما قدمه لنا السويد (بلدي الثاني ) من خدمات و انفتاح على العالم الجديد".. وتؤكد رحمة إن "الغربة لن تقلل من حبي للعراق، مع الاعتراف بأن السويد أعطانا أكثر من بلدنا العراق الذي جعلنا نفقد أشياء عزيزة علينا ونعاني مرارة الاغتراب".
أما ميس فتقول "أنا عراقية وأعشق العراق ولكنها الظروف التي مرت من حروب متتالية وحصار وأيضا احتلال جعلتنا نهاجر".. وتزيد بالقول "لقد قررت أسرتي التوجه إلى ألمانيا وهناك حصلت على الجنسية الألمانية ولكن حصولي على الجنسية لا يعني إني تخليت عن هويتي وذكرياتي وطفولتي وبيتنا القديم، إنها أجمل ما احتفظ به من ذكريات".
صعوبة حقيقية في عملية الاندماج بالمجتمع الغربي
و عن مدى صعوبة بالاندماج في المجتمع الغربي، ترى رحمة إن "الانتقال من العراق إلى السويد أحدث تغييرا كبيرا في حياتي مما جعلني ارفض هذا التغيير".. وتضيف رحمة "أول الأمر حاولت الانعزال، وكنت أتجنب الاختلاط بالآخرين وعندما صادقت اخترت صداقاتي من الشرقيين في المجتمع الغربي".. و تضيف "وأيضا ارتديت الملابس الشرقية وأنا أعيش في الغرب بمرور الوقت، وبحكم الدراسة توسعت صداقاتي وأصبحت أشارك الجميع من مختلف القوميات ولكن بحدود".. وتؤكد رحمة "مثلا، أنا لا ارتاد النوادي الليلية أو اشرب الخمر لأني اعلم إن أسرتي لا يمكن أن توافق على ذلك، لقد أخذت وقتا غير قليل حتى استطعت أن أحقق شيئا من الاندماج في المجتمع الجديد".
من جانبها، ترى ميس إن "الهجرة من مجتمع شرقي تحكمه العادات والتقاليد وسلطة الأسرة إلى دولة غربية منفتحة يحكمها القانون والنظام ولا حكم لأحد عليك إذا رغبتك بذلك ليس بالأمر السهل".. وتتابع بالقول "نحن نبقى بين الالتزام بعاداتنا الشرقية وثقافة العيب من جانب، وبين المجتمع الجديد بكل انفتاحه".. وتضرب لنا مثلا بالقول "أنا مثلا لا اقبل أن أكون منعزلة في محيطي هناك، ولا استطيع مجاراتهم بكل شيء، ومن الصعوبة التوافق بين الحالتين لذلك اشرح لهم عن بعض عاداتنا الشرقية في حالة الاعتذار عن عمل معين لا استطيع القيام به".. وتؤكد ميس انه "توجد صعوبة حقيقية في عملية الاندماج، ولحد ألان لدي عادات شرقية لا استطيع الاستغناء عنها".
سالتُ رحمة: أين تقفين الآن بين الانفتاح الغربي والتقاليد الشرقية؟ ردت بالقول "عندما أكون في العراق لزيارة الأهل والأصدقاء، أتصرف معهم كالشرقيين وأعود تلك الفتاة الشرقية التي عاشت طفولتها في العراق و لا أقارن كثيرا بين التطور الغربي والمجتمع الشرقي".. وتمضي بالقول "أما عندما أكون مع زملائي في الدراسة هناك، أتصرف بثقافتهم وأنسى إنني شرقية".. وتكشف رحمة على انه "يوجد لي شخصيتان، بصراحة، الأولى شرقية عندما أكون في بلدي، وأخرى غربية في محيط مجتمعي الجديد وأصدقائي، ويمكن القول إني أتصرف مع كل مجتمع بثقافته".
أما إجابة ميس عن نفس السؤال فكانت "قد لا أكون ملتزمة بالثقافتين معا، فعندما أكون في المجتمع الغربي أتصرف كالغربيين ولكن لا استطيع أن أصل لدرجتهم من الانفتاح بكل شيء لاستطيع أن اقتلع جذوري الشرقية من داخلي".. وتتابع بالقول "أما عندما أعود إلى بيئتي الشرقية أيضا لا أكون شرقية خالصة فالثقافة الغربية ستترك بصمتها على شخصيتي ولن أتقبل أن أكون الفتاة الشرقية التي لا تتساوى مع الرجل من حيث العمل والدراسة والثقافة".. وترى ميس إن "المرأة هناك مساوية للرجل، فهم شركاء بالعمل خارج البيت وداخله بنفس الدرجة، بعكس ما موجود هنا حيث ينظر إلى المرأة على إنها إنسان من الدرجة الثانية".
تبقى الأسرة هي من تستطيع التغلب على كل الإغراءات في الغرب.
وحول ما تعنيه (الأسرة) للفتاة المغتربة، وهل هي من بقايا المجتمع الشرقي الذي تحاول الخروج منه، أم هي سند يحميها من التباسات العادات الغربية، ترى رحمة "إن الخوف يبقى ملازم لنا في المجتمع الغربي، لان مغريات الحياة كثيرة وكثيرة جدا وقد انجرف وراء تلك المغريات عدد غير قليل من الشرقيين".. وتتابع بالقول "ولكن تبقى الأسرة هي من تستطيع التغلب على هذه الإغراءات، لذلك أشعر بالأمان و أكون أكثر ثقة بالنفس وأنا مع أسرتي".. وتشدد رحمة بالقول "كلما كانت الأسرة متماسكة كلما حافظت على أفرادها من الانصهار في المجتمع الجديد، فلا اعتقد أن توافق ألام أو الأب الشرقيين على ذهاب ابنتهم إلى المرقص أو النادي الليلي أو العيش مع صديق هناك".
أما ميس فترى إن "الأسرة هناك هي سند وتمثل الحماية والأمان، وهي من تجعلني شرقية لحد ألان".. وتزيد بالقول "أنا الفتاة الشرقية التي خرجت من العراق، قد ارغب أحيانا بتقليد أصدقائي الغرب بالذهاب إلى النوادي الليلية أو الرحلات خارج البلد وربما السكن مع صديق".. وتستدرك قائلة "لكن أعود وأفكر بأسرتي، وهل توافق، ألا يوجد مانع من ذلك".. وتعود ميس لتقول "لقد تخرجت هذا العام والمفروض أن اذهب لإكمال دراستي الجامعية في مدينة أخرى، ولكن أحاول إقناع أسرتي بالذهاب معي، لان هذا أفضل بكثير، لان الانفصال عن الأسرة هناك هو الانصهار في ذلك المجتمع".
المرأة الشرقية المغتربة تفضل الارتباط بالرجل الشرقي
و حول رغبة الفتاة الشرقية بالارتباط من الرجل الشرقي في مجتمع شرقي أم الشرقي في المجتمع الغربي أم الغربي في المجتمع الغربي، تؤكد رحمة انه "جاءتني فرص عديدة للارتباط وبمغريات كثيرة، وعندما قررت الاختيار وجدت إن ابن بلدتي هو اقرب إلى قلبي من أي شخص أخر".. وتضيف بالقول "لقد اخترت الرجل الشرقي ولا مانع أن يلتحق هو بي بعد إتمام الزواج وينتقل للعيش معي في المجتمع الغربي".. وترى رحمة إنها قد تعود يوما إلى الوطن "وسيكون لأطفالي أهل هناك، و بذلك لن تنقطع صلتي بموطني ولن ينساني أقاربي أيضا".. أما بالنسبة لرفيق المستقبل، ولتأقلمه مع المجتمع الجديد، تؤكد رحمة "أنا من سيساعده على ذلك، وأنا ألان مرتبطة بشكل رسمي لقد اتفقنا على كل هذه الأمور أتمنى أن تكون خطواتي صحيحة".
إما ميس فتقول "لست مرتبطة لحد ألان، أنا في زيارة للعراق أتمنى أن أوفق بالالتقاء بالرجل الشرقي المناسب ويأتي هو للعيش معي في الغرب وبذلك لن تنقطع صلتي بأقربائي وأيضا سيأتي أطفالي وهم يتحدثون لغتي ألام وليس لغة أخرى فهذا أفضل لي من اختيارات أخرى قد لا تكون مناسبة".
وعن رأيهما في مدى حظوظ الفتاة الشرقية بالعيش سعيدة في مجتمع غربي متحرر، تقول رحمة "نعم أنا سعيدة، فحياتي مستقرة، بسيطة، جميلة، بالإضافة إلى إن العيش في دولة أوربية جعلني اخرج من نطاق مجتمعي الشرقي الضيق وفتح أمامي عالم جديد واسع فيه أناس من مختلف القوميات ومختلف الثقافات".. وتتابع بالقول "أنا ازور دول جديدة، أتعرف على أماكن سياحية جميلة، تزداد فرصي بالتعليم والعمل، بالإضافة إلى نمط المعيشة الغربي حيث كل الخدمات متوفر وبأقل جهد، ومن المؤكد لا يمكن أن تتاح لي كل هذه الفرص لو بقيت في العراق".
أما ميس فتقول "لم أتقبل الوضع بداية الأمر، ولم اشعر بالارتياح لان عدم معرفتي باللغة كانت تسبب لي الإحراج أحيانا".. وتمضي قائلة "أما بعد الدراسة تغير الوضع للأفضل، وأصبحتُ أكثر اندماجا هناك، وألان أنا سعيدة بالعيش في المجتمع الغربي لأني أولا تحررت من القيود الكثيرة التي تفرض على المرأة الشرقية".. وتؤكد ميس انه "هناك، أنا أولا، و أسرتي فقط من يكون له الحق في التحدث بأموري الشخصية، أما في المجتمع الشرقي فالجميع يتدخل في أدق خصوصياتك".. وتضيف بقولها "الهجرة جعلتني أتعرف على أصدقاء من مختلف القوميات والثقافات، أتعامل معهم ولا اشعر بان ثقافتي اقل منهم، وأيضا بفضل الهجرة تعرفت على المدن تمتعت بجمالها تراثها معالمها وكذلك أصبحت على اطلاع بكل ما هو جديد في العالم".
مفهوم (العذرية والشرف) في الشرق والغرب
عن مفهوم العذرية لديهن، و هل يؤمنّ به أم أصبح من التقاليد البالية، تقول رحمة "أؤمن بالعذرية، وقد يكون السبب في ذلك إني نشأت في مجتمع شرقي، ولا اعتقد إن العيش لسنين عدة في مجتمع غربي قد يغير مفاهيمنا لهذه الأمور بسرعة".. وتستدرك بالقول "مع إن هذه المقاييس للشرف أصبحت قديمة، فمفهوم الشرف لا يتحدد بجزء صغير من جسم الإنسان، انه جوهر الإنسان وعمله وأخلاقه وصدقه، هذه مقاييس الشرف وليس غشاء البكارة الذي من الممكن أن يعاد ألان بسهولة".
أما ميس قالت "بالتأكيد أؤمن بالعذرية، وأفضّلها، أولا كوني شرقية ولان هذا الأمر أكثر صحة لجسمي، لقد عرضت على ارتباطات من الأصدقاء هناك ولكن بمجرد أن اشرح لهم فكرتي ورأي أسرتي بهذه الأمور يحترمون رغبتي لان الإنسان هناك له حرية الاختيار".. وتزيد ميس بالقول "مثلا قد تذهب فتاة غربية إلى بار أو نادي ليلي، فليس معنى هذا إنها سيئة أو إنها ستعطي جسدها بسهولة لأي إنسان، بل هي حياتها وتعيشها، وبنفس الوقت لا احد يستطيع اخذ شيء منها بالقوة حتى وهي في تلك الأماكن تبقى لها الحرية أن رغبت هي بذلك أم لا".
لا توجد جريمة بشرف وجريمة بلا شرف
وحول نظرة الفتاة المغتربة إلى ما يسمى بـ (جرائم الشرف) التي تقع في المجتمع الشرقي، ترى رحمة انه "لا توجد جريمة بشرف وجريمة بلا شرف، القتل هو القتل، لا تجمّلوا هذه الجرائم باسم الشرف، هل الشرف فقط هو شرف الفتاة، والشاب أليس له شرف يحاسب عليه، لماذا لم نسمع بشاب قتل في المجتمع الشرقي غسلا للعار".. وتعتقد رحمة "إن الشرف ليس في قتل الفتاة والتخلص من العار، بل الشرف في التربية الصحيحة للفتاة ومتابعتها من قبل أسرتها قبل وإثناء حدوث المشكلة، هذا رأيي إن كنت في مجتمع شرقي أو مجتمع غربي لن يتغير الأمر".
أما ميس فتقول "قد تختلف نظرتي إلى مثل هذه الجرائم، لو بقيت في المجتمع الشرقي كنت سأضع الجزء الأكبر من اللوم على الفتاة، لأنها لم تلتزم بالعادات والتقاليد المتعارف عليها في مجتمعها".. وتمضي لتؤكد "أما ألان فأقول إن كل إنسان له الحق بحرية الاختيار، قد تختار الفتاة شاب من مجتمع آخر، لما لا ولكن يجب أن يكون الزواج هو الإطار لتلك العلاقة، وأيضا أعطي الحق للأسرة وحدها بتحديد موقفها من هذه المسألة وليس المجتمع بأكمله".
وأخيرا، وبخصوص معاناة الفتاة الشرقية في المجتمع الغربي، تقول رحمة "ليس لي معاناة كثيرة من ناحية الفرق بين ثقافة المجتمعين، فانا بين الاندماج بالمجتمع الغربي والالتزام بتقاليد أسرتي، واخذ الايجابيات من الثقافتين".. وتستدرك بالقول "لكن تبقى مسألة الإحساس بالغربة والحنين إلى بلدي وأيضا الاندماج بالمجتمع الجديد أمر ليس بالسهل، بالإضافة إلى صعوبة التقاء الفتاة الشرقية بشريك الحياة وصعوبة الثقة بالإنسان الذي ترغب الارتباط به هناك وهذا قد يؤخر شراكتها في المجتمع الغربي".
أما ميس ترى "إنها مسألة ليست بسيطة أن ينشئ المرء في مجتمع شرقي ويعيش في مجتمع غربي وتبقى أنت بين الالتزام بهذا والاندماج بذاك هذه إحدى معانات الفتاة الشرقية وقد تكون أصعبها لان كل شيء مباح لها هناك".. وتختتم ميس حديثها بالقول "لكنها تخشى ذلك خوفا من فقدان أسرتها وكذلك يأتيك إحساس انك مهاجر إلى ذلك البلد ولا تنتمي إليه، وقد يأتي اليوم وتعود إلى بلدك، ويبقى الحنين ملازم لنا وبنفس الوقت خوفنا من العودة للحياة الشرقية بالإضافة إلى صعوبة ارتباط الفتاة الشرقية هناك".
الخاتمة
خرج صباحا يحمل كتبه بين يديه وعيناه تبحثان في الدار عن شيء كأنما يريد وداعه، كانت أحلامه بلون ورود الربيع، وقميصه ابيض ناصع، وقامته ممشوقة، وخلال لحظات مجنونة أصبح قميصه بلون الدم، وكتبه تبعثرت في الطرقات، أما طوله فقد فرش الأرض ولكن بلا حراك، بلا مشاعر، بلا قلب ينبض إلى أم أو حبيبة.. فارق الحياة برصاصة من مجهول.. وبدل أن يكون طالبا في كلية الحقوق أو الآداب أصبح شهيدا لبلد يمزقه الإرهاب.. أصبح القتل في العراق لغة الحوار و حين يُقتل (احدهم) يسألون" اهو من الأقليات..؟؟!! وكأن ديانته او قوميته هي دليل إدانته..!
ونقول لماذا يترك العراقي بلده ويهاجر وهو المعروف بحبه للعراق؟ ألا يكفي هذا سببا لهجر الأوطان؟
هذه صورة واحدة من آلاف الصور التي بقيت في مخيلة المهاجر العراقي، تعيش معه، تذكره بالحنين لبلده، ولكن تحذره من العودة أيضا، وتبقى الأسرة المهاجرة بين الحنين والعودة للبلد من جهة، وبين الاندماج بذلك المجتمع والخوف من انصهار أبناءها فيه من جهة أخرى..
والسؤال الذي يفرض نفسه الآن، إلى متى سيستمر مسلسل هجرة العراقي، ومتى يعود الأمان؟ متى يحتضن العراق جميع أبناءه ولا يعودوا مهجرين أو لاجئين في دول أخرى وهم أصحاب ارض ووطن له حضارة وتاريخ عريق؟
قد يكون للهجرة ايجابيات، ولكن بالتأكيد لها سلبيات عديدة على الأسرة وكذلك على المجتمع، ولو توفر الأمن والاستقرار بدون شك، فإن الأسرة العراقية ليست مضطرة للخوض في هذه التجربة، وإن الذين الآن في المهجر قد يفكرون بالعودة، ولكن يبقى الأمر مرهونا بتحسن الوضع الأمني وعودة الحياة الطبيعية للجميع بدون تمييز.
المطلوب إذن أن يقف العراقي، المثقف والسياسي والشرطي و رجل الدين مهما كان انتماءهم لوقف نزيف الدم العراقي وعودة السلام والأمان كي لا يضطر العراقي لترك وطنه والهجرة.

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved