حتّام تبقى السماءُ في فضاء ٍمكين رافضةً للغيوم الزائرة ؟ .. وإلامَ تظل هذه الربوع أسيرة فناءِ خمولٍ راجزٍ على سرّة الأرض الشسيعة ؟ .. مَن منّا لم يمسُّه لهيب التعاسة ، ولم تمزّقه نواجذ الفقر ؟ .. الأيام التي صرفناها من عمر السنين المتناسلة على كواهلنا ما عاد لها طعم نتذوق فيه شهد الأحاديث الجنائنية وخمائل الكلام الباعث على تفجير حجيرات الخيال . جملة الأسئلة الحيرى تنشظر فلا تُنتج غير حسرات ننثرها كقشٍّ جفيف في دفقة هواء ريحي ينقل للآخرين ملحمة آهاتنا الهائجة وجملة خطايانا الفائضة وركام أشعارنا المتهالكة ... أقف عندها وأفوه بكلماتٍ يقولون عنها " رسالة " : : أنتِ حبيبتي التي زرعتُ لها بطاحَ القلب جنينةً للمسرَّة . وندهتُ بها أنْ تعالي . يا قبلةَ البهاء وضحكةَ الطفل الرضيع ! أيتها الرازحة تحت ركام الغنَج المائي والدلال الفائر اخرجي كي تصافحي أكفَّ شوقي ، وأعلميني بصفيف أخبارك فقد فرّقتنا الأعوام .. أنتِ في روضِ بهائكِ ترفلين وأنا أعومُ في بحرِ غربةٍ قاهرة أأضاعت لي أحلامي القادمة ، وبددت أعوامي الضجيجة بالأمل . أبعدتني عن أعشاش حلمي الجميل في بيت أجمع ارتفاعاته كعصفورِ حنين يرتقي الألفة ويبحث عن الدفء الضائع ، المسروق . " .. يتوقف ؛ ثم يكتب : " إذا كنتِ نسيتِ جملة السنين التي دثرها غبار الأيام فآل بكِ إلى التوجه نحو مناهل صور أخرى فلا أضنك نسيتِ ضيق ذلك الزقاق الذي كان يجمعنا كملاكين رماهما الله في احد درب البراءة الحييّة .. هل ما زال حرف زاء محفوراً على ساعدك ، والسهمُ الطاعن للقلب يقطرُ عسلاً من دم ٍ ؟ ؟ أم استحال قطعةَ جِبنٍ يقضمها القادم من غابات الاستحواذ ؛ ملكَكِ كلَّكِ دون استثناء فلم يترك لي منكِ غير باعث الحسرة والألم والترجي أن لا تنسيني . أنتِ التي حفرتي ( أتذكرين ؟! ) على ساعدي بوشم الإبرة الواخز التي كانت طعناتها المؤلمة تبعث نشوةً داخلي .. لكأنَّ المازوشيا تفعل فعلها بأعصابي فتدون حفرَكِ القائل ( لا تنساني يا زاء .. لا تنساني أرجوك ! .. هـ) .. والحقيقة لم يكن رجاءاً بل أمراً صرفتُ الأعوام للاحتفاظ به والإخلاص له .. وكم من عشيقةٍ دخلت معي في عِراك بحثاً عن كاتبةِ حروف الرجاء / الأمر بينما أحتفظ أنا بالسرِّ فيما أنتِ ترفلين على خمائل إرضاء القادم من غاباتِ الهيمنةِ ؛ ولم اسمع انكِ تشابكتِ وإيّاه في جدالٍ عن المحفورِ على ساعدكِ ؟ .. " آآآآ .
حتّام يبقى يتألم ، جريحاً ؛ والزمن يسرقُ من بضاعة العمر خلاصة الأعوام الوردية تاركاً بقايا حُطام أيامٍ متهالكة بينما صرنا نخطو مثقلين بتهالكات ألاماني التي تعثرت فلم تؤول إلى التحققات مستحيلةً نوايا تثير سخرية الزمن وهو يقتات متعافياً على شهدِ أعمارنا اللاهثة نحو الانصراف . نلتقيه ؛ فيقرأ لنا ما كتبه لها : " يوم تواجَهنا ؛ تلك اللحظات المغيبية من ذلك الغروب الخريفي كنتُ أنا يصاحبني الهواء ، وأنت تخطين بجانبه يترجل منتشياً ، يصاحب هالة البهاء ويتبختر متباهياً بأنه يمتلك ملاكاً سرقه ممَّن هو أحقّ به .. كنتُ استحلتُ كتلةَ مرارةٍ وأسى وألمٍ وأنا انظر إليك رافلة ، وأنت تنظرين بملامح حيادية لا تشي بشيء .. آآآآآآآ "
حتّام يبقى على أملٍ نحرته سكاكينُ الأيام ، ويستمر مصرّاً على أنها ستعود له ، ستأتيه وأن خطفتها أجنحة النسيان وأبعدتها عن شاطىء ذكراه وتذكره . كنا نقول له بما يشبه برقيات متتالية متتابعة : " السحابة التي انتظرتَ غيثَها هطلت على أرض بعيدة عنك ؛ فلا تسقط أسير الوهم والانتظار " , " سعادةُ المبتهجين على خمائل الايام مسروقةٌ من حزن الحيارى الهائمين على هدي السراب ! " وأيضا ، أيضاً كنّا نقول : " كان حلماً وقد انتهى ! " و " الانتظار وهم ! رأيناها وايّاه يسبحان في بحر من الزهور ، فكيف يحنَُّ السعيد إلى مأتمٍ فرُّ منه ، فتعود إليكَ لهِفةً .. أنت مجنون ! "
وكانت الايام تعدو .. وحلمه بالعودة واللقاء ينضب .
وكانت السماء ترسم تاريخاً لحياة جديدة في وقت صارت خطانا تثقل .
ويوم التفتنا نبحث عن أنفاسه أخبرنا الفراغ أنّه كان جسداً بارداً ، مثلما أسرَّ لنا بأنَّ آخر كلمات كان يتفوّه بها هي : " سنلتقي ! .. أنا واثق سنلتقي ! لا محالة يا هناء ! " .
السماوة 20/11/2005