جَنّةُ المطران

2009-05-14
الاثنين : 5 ـ 1 ـ 2009

جَنّةُ المطران

 

سقاك الغيثُ يا جهل فكَمْ

سُقِيَتْ في كأسك الأقوام مُرَّا

(خليل مطران - 1925)

 

نقول، وبالله التوفيق، لا يزال في الوقت متسع، ولا يزال سهم ينتظر مطلقه، ولا تزال القوس ترنو الى من يشدّها.

 

فاللحظة التاريخية، كما في أيامنا هذه، تمر بهذا أو ذاك، فلا يكاد يراها، لأنه أعمى القلب. وما أدراك ما عمى القلب؟

 

وتمر بغيرهما - كما هي اليوم أمامك - فيصعّر خده، ويلوي عنقه، وينصرف الى معلفه.

 

ولكن كاتباً، مسرحياً، قاصاً، تشكيلياً، وأكاديمياً، لا ينبغي أن تمر به اللحظة التايخية - كما هي اليوم بين يديك - ويغفلها، أو يتغافل عنها.

 

إنه هنا، ليس كاتباً، وليس، وليس.

 

فماذا يخسر أحدنا لو قال: لا؟

 

سوف يخسر خوفه فقط، ولا يربح إلا شجاعته. وبعد ذلك لا يقدر على قطع الرأس، إلا الذي ركّبه، ولا يمنع الرزق بشر مهما بلغت قوته وجبروته.

 

أمام الكاتب، الفنان، والإنسان الحقيقي، تلك اللحظة التاريخية الفريدة، ليأتي بأرقى أفعاله، بعيداً عن الورقة والقلم، فينزل الى الشارع أو يهجر بلدته، أو يتخذ القفر مسكناً.

 

وهذه أخلاق الأحرار.

 

وذاك هو خليل مطران، الشاعر اللبناني البعلبكي، المنشق على كنيسته، والمهاجر الى مصر، والمتخذ من الصحافة منبراً ليقول كلمته، والذي خسر خوفه وربح شجاعته.

 

اقرأ سيرته كما تداولها إخوانه وزملاؤه ابناء لبنان والعروبة، ثم أطلع على كتابه الشعري "الطغاة" الذي جمعه وقدم له العلامة رئيف خوري، وصدر في بيروت سنة 1949.

 

سيرة عطرة بين سنة 1870 - 1949 بين لبنان ومصر. بين بيروت والقاهرة المدفون فيها.

 

إنه "شاعر القطرين".

 

الصحافي، والمسرحي، والخطيب، والناشط من أجل حقوق العرب، والمرأة خصوصاً.

 

عاصر الجبابرة الشرقيين، فكان عليه ان يختار الفنان في نفسه، ويهجر ما خلا ذلك، لأن كل شيء ما عدا الفن باطل، فتخلّد معنا، وخلّد نفسه في كتبه ومواقفه.

 

كان يمكن له أن يغمض عيناً، ويفتح أخرى، فيربح الجاه والمال والحظوة والسلطة.. ويخسر نفسه. وهو قرر أن يربح نفسه.

 

وكان بمقدوره أن يصمت، كما المئات الصامتين عن عذر، أو كما الآلاف من "بني صامت"، لكنه وقف وحيداً مع نفسه أمام مرآته المنزلية، وقال: كيف لا أقول لا، ورب القلم يراني على حقيقتي؟

 

في هذه الأيام ينفرز السمين من الغث، والزبد مما ينفع الناس، والكميّ من الجبان.

 

فاختر رصيفك، وتوكل على الله، كما اختار خليل مطران جنته.

 

جمعة اللامي

www.juma-allami.com

www.juma_allami@yahoo.com

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2025 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2025 Copyright, All Rights Reserved