حوار أديب كمال الدين
تشكل تجربة القاص جمعة اللامي ضمن تجارب جيله نموذجاً بداعياً خاصاً ، فتجربته التي بدأت بالقصة والكتابات المختلفة ، وامتدت الى الرواية تعبر عن ( مرحلة ) خاصة في تاريخ الأدب العراقي الحديث، وهي مرحلة لم تدرس دراسة دقيقة متكاملة .....
هنا ضمن حوارنا مع اللامي ، نتعرف على بعض خصائص تجربته ، وتفاصيلها .
من بعد مجاميعك القصصية الثلاث : من قتل حكمت الشامي 1975 ، اليشن 1978 ، الثلاثيات 1978 ، اتجهت نحو الرواية فكتبت ، أو نشرت ، المقامة اللامية ، في جزئها الأول : أحمد عبد الله تكون لمسافة كتابة الرواية من بعد القصة القصيرة سمة تطورية ام انك انتقلت الى الرواية من أجل الوعاء الأكبر والأشمل ؟
ليست مجاميعي القصصية الثلاث تجارب من أجل كتابة رواية ... على الرغم انها انضجت عندي فكرة كتابة روائية . فالمجاميع الثلاث ذات سمات تفصيلية خاصة وان التقت جميعها في فكرة تأكيد الحرية والدفاع عن العدالة ، لكن الذي أعرفه جيداً من ناحية الوعي في الأقل ، انني كنت أكتب – وما أزال – عن الطبيعة المراقبة ، هذه الطبيعة التي تعبر عن نفسها بصيغ متنوعة ، لدى كثيرين من كتاب وشعراء العراق . وقبل عامين ابتدأت كتابة رواية من أربعة أجزاء سميتها " المقامة اللامية " أما جزؤها الأول : أحمد عبد الله ( لاحظ : محمد عبد الله ) فقد نشرت هذا العام في مجلة " الثقافة الجديدة " المغربية ، وهي في عمومها أقصد الرواية ، إعادة صياغة لمدينة عراقية سميتها مدينة " الم – لام " عاشت انشقاقا حقيقيا في الآراء والأفكار والمؤسسات والناس ، وشهدت القتل والعذاب . كما شهدت الرجال والنساء الذين يستعدون لان ضحوا بأنفسهم من أجل " الم " جديدة ومتطورة.
هذه الفكرة كما ترى ، لا تسميها قصة قصيرة ، أو رواية تقليدية ، اننا نحتاج الى عمل من نوع جديد ، من طراز تلك الأعمال التي تتجاسر وتذكر بحقيقة الشعوب والصراعات الاجتماعية . وذكر الحقيقة كما هي ، ثم الا تعتقد ان الطبيعة العراقية تستحق مثل هذا الجهد .
ذكرت واكثرت من مصطلح " الطبيعة العراقية " فماذا يعني هذا الاصطلاح ؟
انها حقيقتنا كشعب ذي امتداد عميق في التاريخ ، هذا الامتداد الذي شهد الحضارات والانتكاسات وسيطرة الاجنبي في الماضي القديم ... كما شهد الصراع العنيف في القرن العشرين ، وهو الامتداد ذاته الذي شهد في بعض تفاصيله قمع المفكرين ودعاة الحق والحرية .
وكما ترى ، فإن هذه " الطبيعة العراقية " هي تناول للشخصية العراقية من عدة أوجه وآمل ان يتاح لي الوقت الكافي لانجاز روايتي الجديدة " صراع القوة " التي تعبر عن هذه " الحقيقة العراقية " في سنوات ما بعد الخمسينات .
اذا ما أردنا أن نبدي ملاحظات نقدية أساسية في مجاميعك القصصية الثلاث ، فيمكن القول ان خطاً تطوريا واضحاً يربطها بحيث كانت الأولى ( من قتل حكمت الشامي ) تعاني من نقاط ضعف متعددة خصوصاً على صعيد الشكل ، أما الثانية ( اليشن ) فقد تجازوت تلك النقاط باتجاه التماسك ، وجاءت الثلاثيات ، أنضج ما كتبت ...
نعم . هناك خط تطوري يجمع كل أعمالي . أنا معك في هذا . ولو دققت جيداً في قصص المجاميع الثلاث لوجدت التعبير عن هذا الخط يظهر في أنماط مختلفة ، بل ان الشخصيات في كل المجاميع تنمو وتنضج بهدوء ، حتى ان بعضها يبدو وكأنه وصل الى التكامل ، وهذا ما أشير اليه في كتابات عديدة ، في العراق او خارجه .
لكن وبخصوص ملاحظاتك عن من قتل حكمت الشامي لا بد من القول انها بقيت معطلة عن النشر لمدة ست سنوات : لقد كتبت المجموعة ما بين عام 65 الى عام 75 ومع ذلك عندما ظهرت الى الاسواق قوبلت بثناء كبير ، وقد اعتبرها أحد الاصدقاء المغاربة أهم ما طبع في ذلك العام على صعيد القصص العربي ، كما أثنى عليها الناقد اللبناني محمد دكروب إضافة الى كتابة خاصة عن بعض قصصها حررها الشاعر عصام محفوظ .
ان " من قتل حكمت الشامي " كانت ايماءة حقيقة للتعرف على وظيفة وطبيعة الشكل في القصة العراقية ولست جازماً في أن ادلي بايضاحات تفصيلية اذا كان البعض يتحدث عن " من قتل حكمت الشامي " دون ان يقرأ المجموعة ، اريد ان اذكر لك المسألة التالية : لقد كتب أحد النقاد العراقيين عن المجموعة بأنها علامة من علامات التجديد في القصة العراقية لكنه لم يقرأ إلا قصة واحدة منها ، كما أسر لي بذلك ذات يوم ، كما ان البعض قد افترض وجود خصومة مع هذه المجموعة لنوايا غير ثقافية أصلاً.
الثلاثيات ، مجموعة القصص القصيرة الطويلة تكاد ان تكون ... وارجو ان لا أكون مخطئاً او مقالية – رواية .... ما هو تعليقك ؟
تستطيع ان تعتبرها محملا من هذا القبيل بعدة لوحات . تشترك في مناقشة هم واحد ، كذلك من الممكن القول بهذه الصيغة عن " اليشن " غير ان الأمر يكون غير مفهوم كلية من الناحية التكنيكية اذا اعتبرنا المجموعة رواية .
كيف؟
تجارب الشخصيات مختلفة ، لكن الهم المحوري لها واحد ، هناك تشابه كبير بين ما يريده محمد المهدي في الثلاثية الرابعة ، ان هم جميع شخصيات الثلاثيات هو الحرية . كما ان هناك تجربة مشتركة بين هذه القصص الاربع الا وهو الثراث والمعاصرة .
شخوصك أناس يبحثون ليس عن الحرية والحقيقة فقط ، بل يبحثون عن حياة نظيفة ، منتهى النظافة ، مليئة بالهواء النقي .
لقد كان هذا الوضع ماثلاً أمامي منذ سنوات طويلة : عمال السفن ، عمال الطابوق ، الفلاحون عند الدجلة او في البوادي . كما كان هذا الوضع ماثلاً في ذاكرتي من خلال حكايات الأجداد التي سمعتها من أناس لهم صلة رحم خاصة بي ، لقد روى لي " والدي كيف قتل فلاح شاب ليلة عرسه لكي يكون جسده مادة لاصقة يقام عليها جسر صغير يعزل مياه الاقطاعي عن أراضي الفلاحين . كما رأت بعيني كيف ان فلاحاً يظل مديناً طول حياته للاقطاعي وهو لا يعرف عن الامر شيئاً ..
ما ذكرته يمكن اعتباره مصدرا اساسيا عن مصادر قصصك : المصدر الطفولي ، ولكنني أود الاستماع الى رأيك بخصوص أبطال قصصك الذين يعيشون ويموتون ضمن محن عميقة ، ويختلفون – ولربما يكون هذا الأمر هو السبب الأول في اختلاف قصصك عما يكتب – عن " الابطال " الآخرين بحجم العذاب والرؤية؟
أبطال قصصي أناس أخلاقييون ، وأحيانا يبدون وكأنهم مستلون من واقع غير أرضي ، ولكنهم واقعييون حتى نخاع العظم ، وامتيازهم الأول والأخير أنهم يعرضون للعنف وقبول الموت ، الموت بكل أشكاله المعنوية النبيلة والمادية الصعبة ، أي أنهم أخلاقييون في أوضاع غير أخلاقية تماماً .
ان بين أبطالي وبين العذاب تصادقاً من ذلك النمط الذي يجعل الألم مصفاة نحو فحص الحياة الانسانية الصحيحة والتوجه نحو أكثر الاختيارات قساوة .
ان بعضاً من النقاد يعتبرون هذه الشخصيات غير متفائلة ، كما ان بعضاً من المثقفين العراقيين ، أقاموا بينهم وبين قصصي عداوة على أساس من افتراضات لا أفهمها ، ربما لان قصصي تذكر بكل شيء ولا تغلق البتر لأجل مؤقت
مجلة / الف باء
يغداد : 1978 .