تشتهر مدينة ازرع الواقعة في سهل حوران ، على الأطراف الغربية لمنطقة اللجاة جنوبي سورية، بآثارها الجميلة العائدة لمختلف العصور، مثل كنيسة مارجرجيوس وكنيسة مارإلياس والجامع العمري الكبير، إضافة للعديد من الأبنية الأخرى العائدة لمختلف الحضارات الإنسانية.
وهذا ليس غريباً عليها فهي من المدن الكنعانية الهامة في الألف الأول قبل الميلاد، وحاضرة مزدهرة في الفترة الكلاسيكية ومن المدن الإسلامية الهامة بدليل وجود جامع يعتبر من أقدم الجوامع في العالمين العربي والإسلامي.
ومن بين الصروح الإسلامية يوجد بناء لا يعرف عنه الكثير على الرغم من كونه يخص أحد العلماء البارزين في العالم الإسلامي إنه جامع ومدرسة ابن القيم الجوزية.
شكل رقم(1) يمثل القسم الجنوبي من بناء المدرسة
الجامع
يقع الجامع وسط المدينة القديمة بمكان مليء بالبقايا الأثرية العائدة لمختلف العصور، غير بعيد عن الجامع العمري حوالي 150م باتجاه الجنوب الغربي. وهو للصلوات الخمس العادية دون الجمعة
والسبب مساحته الصغيرة وعدم وجود منبر لأداء الخطبة، فهو بذلك مصلى وليس جامعا ً بكل ما تعنيه الكلمة.
يوجد للغرب منه بيت حديث البناء قديم العناصر في غاية الجمال والإتقان، حيث تتقدم الطابق العلوي منه ثلاثة أقواس حدوية ترتكز على عمودين رشيقين بتيجان هندسية، أما من الشمال فيقوم بيت منخفض المستوى حديث البناء قديم العناصر، يضم عشرات الأعمدة والتيجان البيزنطية الطراز التي يظهر أنها تخص بناء ً مسيحيا ً فخما ً (كنيسة) من العصر البيزنطي. وقد يكون امتدادها يصل جنوبا ً حتى الجامع القديم وربما أكثر من ذلك.(4).
لم نتمكن من معرفة تاريخه الدقيق وذلك لعدم ذكره في كافة المصادر التاريخية والأثرية المتخصصة، على الرغم من قيمته الكبيرة وأهميته المعمارية والأثرية. ولافتقاره للكتابات التأسيسية الدالة على فترة بنائه الأصلية والمراحل والأحداث التي تعرض لها.
لذا كان لزاما ً علينا دراسته بشكل ميداني والتمعن به مطولاً وبشكل ٍ هادىء ومحاولة تقدير عمره مما أوتينا من خبرة ومعرفة. وأن اعتبرت الإشارة الأولى له فهي بلا شك خطوة في غاية الأهمية لإيجاد دراسة
لهذا الصرح القيم. ودعوة لمن يعرف الكثير عن هكذا أمكنة لمساعدتنا للوصول إلى الصواب، والى ذلك الحين سنتمتع بالجرأة والمبادرة تجاه وضع الدراسة الأولى له أمام الجميع، حيث يمكن المتابعة اعتباراً منها إلى الحالة الموثقة له لاحقاً.
من حجر البازلت الأسود المحلي المنحوت بدقة بني هذا الصرح الصغير، و أغلب حجارته تخص البناء الديني المقدس القديم ونقصد الكنيسة المسيحية والمعبد الوثني من قبل بدلالة الهيكل الجميل (المحراب الحالي) الموجود في صدر الجدار القبلي. مع جلب بعض العناصر من الأبنية المحيطة. إن الطريقة التي
بني بها هذا الجامع هي محاولة الاستمرار بالفن المعماري السائد في المنطقة منذ أقدم العصور، والذي يعتمد على الأقواس المرتكزة على أعمدة بتيجان وسقوف حجرية من ربد وميازين.
لكن المعماري المسئول عن إشادته لم يكن بذلك المستوى المتقدم الذي يؤهله لتقديم بناءً قوياً عصياً على العوامل الطبيعية على الأقل، فارتكب أخطاءً فادحة في موضوع النسب. فحدث أن جعل كتلتي القنطرتين والسقف من فوقهما تنصب جميعها دون تخفيف من حملها على العمود الوحيد القائم في منتصف القاعة،
وهو عدا عن ذلك عمود محزز بشكل مائل من الفترة البيزنطية تعلوه قاعدة عمود جعلت خطأً كتاج وحملها هي الأخرى بات منصباً للأسفل باتجاه العمود. وقيامه بعد ذلك بمحاولة تصغيير حجم العناصر السفلية للقنطرتين عند التقائها بالتاج المفترض للعمود، ما أدى بالتالي إلى ضعف هذه الأجزاء المتعرضة لضغط علوي شديد كحال العمود الذي تآكلت سطوحه بشكل مخيف يدعو للقلق وراحت تسقط كالقشرة.
يبلغ طول الضلع الداخلي للجامع جهة شمال جنوب 7.45 م و 8.45 م غرب شرق، أما من الخارج فالضلع الشمالي الممتد شرق غرب 9.35 م و 8.20 م للضلع الشرقي شمال جنوب. بارتفاع تقريبي للمستوى الحالي للمكان 4 م. يوجد جدار حجري للشرق من الجامع يبتعد عنه حوالي 3.85 م، وهناك أساس لجدار قديم يحيط بالجامع من كافة الاتجاهات يبعد عن الضلع الغربي مسافة 3.75 م، يبدو أنه كصحن خارجي محيط بهذا الجامع.(5).
شكل رقم (2) يمثل القسم الداخلي للجامع
شكل رقم (2) يمثل القسم الداخلي للجامع
يبلغ طول الضلع الغربي مع بقايا المئذنة حوالي 11.85 م وهي التي بقي منها ما أبعاده 2.25 م.
الجدار الشمالي: يوجد وسطه البوابة الرئيسية للبناء وهي بأبعاد 1.20 م للعرض بارتفاع حالي 1.70
م حيث تغطيه كميات من الحجارة المتراكمة. يعلوه ساكف قديم مستطيل الشكل يحمل كتابه في وسطه استطعنا قرائتها لأول مرة على الرغم من عدم وضوحها جيدا ً وجاء فيها:
شكل رقم (3) الكتابة الإسلامية على المدخل الشمالي للجامع
ثم حجر مفرغ على شكل نافذة فيه عمودين مع قوس نصف دائري ووردتين واحدة في أعلى كل جهة، وقناتان حجريتان من كل جهة لتصريف المياه كمزاريب الغربية مكسورة.
الجدار الغربي الخارجي حالته جيدة فيه باب عرضه 1.50 م ارتفاعه الحالي 70 سم للجنوب منه تقوم نافذة بأبعاد 50 × 50 سم.
وثمة كتابة أخرى على هذا الجدار وتحديداً في زاويته الشرقية وفيها ما استطعنا قراءته للمرة الأولى:
شكل(4)كتابة على الزاوية الشمالية الشرقية للجامع
الجدار الشرقي من الخارج حالته جيدة في نافذتين الشمالية منها بأبعاد 85 سم للارتفاع و 50 سم للعرض. أما الجنوبية فهي في أقصى الجنوب وأبعادها 70 سم للارتفاع × 50 سم للعرض. مزاريب هذا الجدار من مادة الحديد.
الضلع الجنوبي: غير واضح المعالم وذلك لوجود أبنية حجرية حديثة ملحقة ، فهناك غرفة مستطيلة غرب شرق عرضها 2.10 م وجدار بعرض 70 سم.
شكل رقم (5) لقطة لبناء الجامع من الخارج
السقف
يقوم السقف على مبدأ الربدان والميازين كحال جميع الأبنية القديمة بحوران، ثم طبقة من الكلس والخفان والذي تقوم فوقها كمية كبيرة من الأتربة وتضم نماذج فخارية كثيرة يبدو أنها مجلوبة من منطقة قريبة. إن القسم الغربي من السقف بحالة سيئة للغاية وقد تعرضت مساحة منه للسقوط أما الباقي فبحالة غير مستقرة، كذلك القسم الشرقي إنما بدرجة ٍ أقل.
في أقصى غرب القسم الجنوبي من السقف يوجد تصدع كبير وسقوط لبعض الربدان بمساحة 2×2 م والقسم الشرقي بحالة شبه معقولة.
المئذنة
تقع في الزاوية الجنوبية الغربية من البناء، وهي مهدمة ولم يبق منها إلا ارتفاع 2 م وأبعاد علوية 2.70×2.70 م. ولها باب من الأسف يفضي لغرفة مستطيلة يبدو أنها تحمل المئذنة الصغيرة التي لها باب من الغرب وآخر من الجنوب. لا نعلم متى تهدمت هذه المئذنة ولا كيف كان شكلها وكم كان ارتفاعها وما هي الفترة التي بنيت بها.
المحراب
يقع وسط الجدار الجنوبي الداخلي كما جرت العادة وهو عبارة عن قطعة واحدة رائعة الجمال وتعد بلا شك من أجمل الفنون الممكنة. قوامها أربعة أعمدة اثنان منهما في اليمين وآخران من اليسار، مع وجود فراغ بين كل عمودين بما مقداره 7 سم تم ملؤه بكسر من الحجارة والطين، طول الفراغ الحاصل بين كل عمودين (جسم المحراب) حوالي 97 سم.
للأعمدة تيجان آيونية وتغطي سطح الحلزونات ورقة أكانثا فيها أشكال بيضوية في الوسط يعلو التيجان قوس نصف دائري. يوجد شكل لوردتين نافرتين من على يمين ويسار القوس ثم شكل نباتي تعلوه ورقة في رأس المثلث.
هذا الهيكل يبدو أنه يخص معبداً وثنياً قديماً قد يكون في نفس المكان أو أنه منقول من مكان آخر. ومن المفيد في هذه المناسبة أن نشير إلى وجود أبنية أرضية تحت مستوى الجامع خاصة في الجهة الجنوبية منه ويمكن مشاهدتها من خلال محراب الجامع.
الحالة الإنشائية
الجامع مهجور منذ فترة طويلة عن 40 عاماً، ويبدو انه مصلى صغير للصلوات الخمس ما عدا الجمعة، وذلك لعدم وجود منبر فيه ولصغر مساحته وقربه من الجامع العمري الكبير. الجدران مطلية بطبقة من الطين والتبن وفيه أوساخ وأتربة ولا تزال الردميات تتوالى عليه من المنطقة المحيطة به، نتيجة الجهل بقيمته ولعدم وجود عناية له.
أرضيته مليئة بالردميات والأتربة والحجارة وهناك حفرة عشوائية للباحثين عن الكنوز في الزاوية الشمالية الشرقية، سبر بعرض 1.5 غرب شرق و حوالي 3 م شمال جنوب بعمق 2 م أدى هذا السبر إلى كشف أرضيته الحجرية المرصوفة وأساساته الأصلية.
إن القسم الغربي من السقف في الجانب الشمالي بحالة سيئة وقد تعرضت بعض عناصره للسقوط والباقي بحالة غير مستقرة، أما القسم الشرقي منه فبحالة شبه معقولة. الزاوية الجنوبية الغربية بحالة غير جيدة ومتصدعة للخلف.
الهوامش
سورية الجنوبية حوران، منير الذيب دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع سورية دمشق 2004. ص 132.
أصقاع حوران فيما سمي بالدير والخان. للشيخ محمد فرحان حسن الحريري المتوفى سنة 1361ه. تحقيق الدكتور محمد فتحي راشد الحريري. ص 27.
دراسة ميدانية قام بها ياسر أبو نقطة في العام 2005م.
اضبارة في دائرة آثار درعا للعام 2005 م.
تاريخ آثار وتراث حوران، بركات الراضي. دمشق 2002م.ص 27.
(6)ـ مقترحات أعدها رئيس شعبة التنقيب في دائرة آثار درعا (ياسر أبو نقطة) لترميم الجامع.
مراجع البحث
1ـ سورية الجنوبية حوران، منير الذيب دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع سورية دمشق 2004.
2 أصقاع حوران فيما سمي بالدير والخان. للشيخ محمد فرحان حسن الحريري المتوفى سنة 1361ه. تحقيق الدكتور محمد فتحي راشد الحريري.دمشق دار الصديق 2004م.
3ـ دراسة ميدانية لرئيس شعبة التنقيب في دائرة آثار درعا عام 2005م.
4ـ أضابير دائرة آثار درعا.
(5) ـ تاريخ آثار وتراث حوران، بركات الراضي. دمشق 2002م.
ياسر محمد أبو نقطة- باحث وإعلامي
درعا- سورية