رمضان هذا العام جاء في قلب الصيف . . اخذتني قدماي الى حافة نهر دجلة . . فسرت على امتداد حافة النهر التي تجتاز منطقة باب القلعة والميدان والشهوان . . ورأيت المنظر ذاته وانا قادم من جهة جسر العتيق باتجاه ما كنا نسميه ( شط الحصى ) . . مئات الناس شبانا وكهولا واطفالاً يتقافزون بين صفحة دجلة والحافة الرملية . . اغلبهم قد غطس بجسده ولم يعد ظاهرا منه سوى رأسه . . تحلق حولي عدد من الاصدقاء وانا جالس على حَجَرة كبيرة كانت على حافة النهر فأعطيت كامرتي لاحدهم ليسجل هذه اللحظة التي قد لا تتكرر مرة اخرى . . المشهد هو، هو، منذ ان كنا اطفالا الى ان شخنا . . يأخذنا رمضان المبارك الى النهر ، يقودنا من ايدينا ويلقينا في دجلة الخير ، لنعوم ونمرح ونحن نقاتل حرا لا يطاق وشمسا لا ترحم . .
عندما انتهى الشريط المحاذي لدجلة الخير استدرت يسارا وخرجت الى الشارع ، سرت هذه المرة بعكس الاتجاه . . نازلا الى السوق ، كما يقول اهل الموصل عادة ، وفي الطريق رأيت كيف يغير رمضان واجهات المحال، وكيف اعاد تشكيل خارطتها ، فالمقاهي والمطاعم مقفلة ، وعربات بيع الاكلات السريعة اختفت . . وبدلا منها رصفت صواني الحلويات ، وخاصة البقلاوة والزلابيا بنوعيها الاصفر والاسمر . . هنا وهناك ، وجدت من هو واقفا على قدر كبير مليء بالزيت يلقي اليه عجينة بيضاء وما تلبث ان تتفتح وتتصلب وتصبح قطعة ( عوامة ) جديدة كذلك انتعشت محلات بيع الشربت.. شربت الزبيب ، حيث ينهمك العمال بنقع الزبيب الذي يســـميه
الموصليون ( الطحلك ) ويضيفون اليه النعناع ثم يعلقونه في اكياس من الشاش حيث ينضح ، بينما الناس يتدافعون بالشراء وكذلك حال الافران . . ومع اقتراب المغرب تنتعش المناقل المتوهجة بنار قوية وهي تشوي خلطات لحم الكباب للعوائل . . بينما يصطف الفتيان بالقرب من الجسر العتيق ومنطقة دكة بركة بسلال الخبز وعلى الرغم من كثرتهم ، فان أيا منهم يشهد ازدحاما لا يضاهيه أي ازدحام في شهور السنة الاخرى . . لرمضان مزاج خاص . . مزاج ايماني عميق يفرض حضوره على الطبيعة والناس والاشياء. . مبارك عليكم حلول شهر رمضان الكريم ، اللهم اهله علينا بالأمن والايمان والسلامة والتوفيق لنا وترضى . . كل رمضان والجميع بألف خير