قانون القومية: قانون لتشريع التمييز العنصري !!

2021-12-17

 أحدث قانون القومية العنصري، الذي اقرته الكنيست في إسرائيل، في فترة نتنياهو ردود فعل لم تتوقعها حكومة نتنياهو . أما حكومة بينيت مع حليفها العربي من القائمة الإسلامية (الموحدة) فيحافظ على صمت كامل .

كان يبدو أن التمسك بالقانون هو إصرار على عدم الاعتراف من حكومة بينيت أيضاً أنهم ارتكبوا حماقة قانونية وسياسية لن تخبو بسهولة، بل الأصح لن تخبوا أبداً، إلّا إذا نجحت هذه الحكومة بتسويق خطة خدمات، هي بالأصل حق مشروع وطبيعي للمواطنين العرب بتعدد طوائفهم، وآمل أن لا تنطلي هذه الخطة على أبناء الطائفة المعروفية، لأنهم الهدف المباشر لها، لحساسية مكانتهم كمجموعة سكانية فرض عليها التجنيد العسكري الإجباري. أما بالنسبة لبقية الجماهير العربية، فلن يقلق الحكومة القانون العنصري أن تبح أصوات الجماهير العربية احتجاجاً، ومن أول اسقاطات هذا القانون البدء بتشريع قانون سجن كل من يرفع العلم الفلسطيني . وربما يتبعه قانون سجن كل من لا يرفع علم إسرائيل في كل مناسبة تخص المجتمع العربي، حتى بحفل زواج، او على باب غرفة النوم قبل الدخلة !!

قرأت مادة هامة أعدتها هيئة أمنية إسرائيلية، تثبت أن حكومة إسرائيل، ولا فرق بمن يرأسها، تلحق الضرر ليس فقط بالمواطنين العرب، إنما أيضا بمستقبل إسرائيل إذا كان هذا الأمر يهمها، أو تفهم المخاطر الكبيرة من إقرارها قوانين معادية لجمهور واسع (20%) من مواطني الدولة .

الوثيقة التي قرأتها تتحدث أنه في عام 2013 قرر معهد أبحاث الأمن القومي أن يبادر لخطة أبحاث، تتناول الجوانب المختلفة للمجتمع العربي في إسرائيل، على أساس الاعتراف ان الأقلية العربية في إسرائيل، بكل الفرق المختلفة داخلها، تشكل مجموعة سكانية مميزة وهامة جداً في المجتمع الإسرائيلي، وإن تطور هذه المجموعة ومفاهيمها، ومكانتها داخل دولة اسرائيل، له تأثير قوي على مستقبل الدولة عامة، وعلى تشكيل علاقاتها مع الشعب الفلسطيني خارج حدود الدولة، ومع العالم العربي خاصة .

الوثيقة أشارت بوضوح إلى أن المشكلة الصعبة هي بالواقع أن الأقلية العربية الفلسطينية في إسرائيل، لم تنجح بتحقيق مواطنتها بشكل كامل وعلى أساس المساواة، كما هو مطلوب، في دولة تسمي نفسها كدولة للشعب اليهودي .

المواطنون العرب الذين أصبحوا أقلية بعد النكبة وقيام إسرائيل، ما زالوا يعيشون واقع النزاع التاريخي بين الشعب الفلسطيني، الذي ينتمي إليه أيضاً المواطنين الفلسطينيين في اسرائيل، وبين دولة إسرائيل، لذا يهدف البحث دراسة الإتجاهات في المجتمع العربي في إسرائيل، ومستقبل العلاقات بين مجموعات المواطنين في الدولة .

طبعا هذا البرنامج البحثي في المشهد الإسرائيلي حول المجتمع العربي والعلاقات بين العرب واليهود في دولة إسرائيل ليس جديداً، أثار الإهتمام خلال العقود الماضية وأجريت حوله أبحاث وتقييمات عديدة ومتواصلة، وهي تتكرر منذ إقامة الدولة، وكان آخرها توصيات “لجنة أُور” التي حققت بأحداث انتفاضة العرب في إسرائيل (انتفاضة الأقصى) في أكتوبر 2000 وسقوط 13 مواطن عربي برصاص قوى الأمن الإسرائيلية، وأكدت  لجنةأُاور في تقريرها أن دولة إسرائيل أقرت حقوق مواطنة كاملة لكل أبناء الأقليات، لكن الدولة لم تمنحهم أبداً حقوق جماعية، ولم تشرع أي حقوق باعتراف مبدأي بحق العرب لحقوق جماعية، وأشارت اللجنة إلى واقع الشعور بالحرمان، أيضاً بسبب عدم رضاهم عن مكانة ثقافتهم ولغتهم في الدولة، مكانتهم القانونية، مكانتهم بالجهاز السياسي ومكانتهم بالمجتمع الإسرائيلي عامة . الخطة الجديدة المعلن عنها لمركز أبحاث الأمن حول الجمهور الإسرائيلي، يؤكد التجاهل بشكل كبير لخطورة الوضع. وليس سراً أن أجهزة الأمن الإسرائيلية بكل أذرعها، أكثر فهما وانفتاحاً لأهمية التعامل العقلاني مع المواطنين العرب .

من المهم الإشارة، كما جاء في النص، إلى أن الفجوات بين فرق المواطنين لم يقد إلى انفجار، يعتقد الباحثون، إن استمرار تجاهل هذه المشكلة الخطرة، قد تقود إلى أحداث توترات واسعة جداً وإلحاق الضرر في نسيج العلاقات الحساسة بين العرب واليهود في الدولة، لذا المطلوب حسب الباحثين، جهود أكبر وبتأثير أوسع، يخترق الجمهور غير المبال بأكثريته، من العرب واليهود، وليس أقل من ذلك تعميق الحوار مع متخذي القرارات .

كما شاهدنا، قانون القومية العنصري كان بالإتجاه المعاكس تماماً لما طرحه مجلس الأمن القومي في أبحاثة العديدة والمتكررة . وكانت مجموعة أكاديميين يهوداً وعرباً قد أصدرت كراساً شاملاً يتناول واقع التمييز وطرق إصلاح واقع الجماهير العربية في جميع المجالات أطلقت على الكراس اسم “ما بعد الأزمة-اتجاهات جديدة لسياسة الحكومة إزاء العرب في إسرائيل – تقرير طارئ، أعده طاقم باحثين من عدة جامعات مقدم لرئيس حكومة إسرائيل أيهود براك” . أُعد الكراس بعد انتفاضة أكتوبر 2000، لكن طبعا بقيت توصيات الكراس رغم أهميتها وعمقها، حبراً على ورق. تناول الكراس مواضيع شاملة تخص واقع العرب في إسرائيل، التمييز وطرق الإصلاح، وعالج المواضيع الهامة التالية : الأراضي وتخطيط، السلطة المحلية، الرفاه، الهوية والمشاركة المدنية والثقافية، التربية والتعليم العالي، التطوير وفرص العمل، القضاء والقانون، المجتمع والجماهير العربية في إسرائيل . حسب اعتقادي هي أهم دراسة وأشملها تعالج بشكل علمي موثق التمييز والتفرقة العنصرية وطريق إصلاح واقع الأقلية العربية ومساواتها المدنية والقانونية .

المعروف أن إسرائيل لا تعترف بالأقلية العربية كأقلية قومية، (إنما أقليات دينية) لكن هذا الأمر لا ينفي القاعدة لمفهوم الأقليات القومية، وتفسير ذلك أن الأقلية القومية هي مجموعة سكانية تعرف نفسها كشعب، أو قومية مختلفة، ضمت لدولة أخرى، بالاختيار او بالقوة، عبر احتلال أو تبادل مناطق، لذا هي مجموعة غير متساوية، من ناحية العدد، وهي خاضعة، وذات مميزات مختلفة عن مميزات الأكثرية، على المستوى القومي، الديني، الثقافي واللغوي .

في الحوار الأكاديمي بين الباحثين لا يوجد اتفاق لتعريف أقلية قومية، باحثون إسرائيليون يعرفون ببساطة أن أقلية قومية هي فريق مواطنين لهويتهم تعريف مفصل ومقبول عليهم. أي غير مفروض من الأكثرية . في حالتنا الأكثرية، عبر السلطة الإسرائيلية، لا تعترف بالقومية العربية الفلسطينية كقومية، بل كطوائف، وهذا يولد شعوراً بالمهانة والتمييز القومي، وعدم المساواة .

رغم ذلك حكومة إسرائيل تجاهلت الأبحاث الرسمية لمعهد الأمن القومي وغيره من معاهد الأبحاث العسكرية والأكاديمية، وخاصة كراس “ما بعد الأزمة” واندفعت لإقرار قانون القوميات العنصري الذي يسقط كل حقوق المواطنة والمساواة عن الأقلية العربية الفلسطينية .

أي بدل ان نتقدم، ارجعونا إلى الخلف، حتى إلى نسف وثيقة الاستقلال الإسرائيلية التي أعلنت في 14 أيار 1948، والتي تؤكد، وأسجل ذلك كرد على قانون القومية، إن نضال الأقلية العربية هو نضال قانوني بإطار أهم وثيقة إسرائيلية منذ إقامة الدولة .

تنص وثيقة الاستقلال على أن دولة إسرائيل “تحافظ على المساواة التامة في الحقوق اجتماعياً وسياسياً بين جميع رعاياها دون التمييز من ناحية الدين والعرق والجنس وتؤمن حرية العبادة والضمير واللغة والتربية والتعليم والثقافة، وتحافظ على الأماكن المقدسة لكل الديانات وتكون مخلصة لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة” .

طبعا لا أنفي أن إسرائيل لم تنفذ إطلاقاً بالسابق نص وثيقة الاستقلال، فرضت حكماً عسكرياً على الاقلية العربية ومورست سياسة تمييز واضطهاد قومي بشعة جداً ضد الأقلية العربية، وما زلنا نعاني حتى اليوم من التفرقة العنصرية وعدم المساواة .

وأخيراً بين يدي وثيقة عن استسلام الناصرة للجيش الإسرائيلي، تنص بوضح على الاعتراف بالمساواة للمواطنين في الناصرة . جاء فيها بالبند التاسع : “حكومة إسرائيل الممثلة على يد القائد العسكري، تعترف بذلك بمساواة بالحقوق المدنية لكل مواطني الناصرة سوية مع كل سكان إسرائيل دون تمييز بالدين، الجنس واللغة” .

هل قانون القومية يضمن هذه المساواة – حسب الوثيقة الموقعة باسم حكومة إسرائيل لمواطني مدينة الناصرة مثلا ؟

********

وثيقة: النص الكامل لشروط استسلام مدينة الناصرة للجيش الإسرائيلي– مترجم للعربية:

1-      مدينة الناصرة نستسلم بدون شروط للجيش الاسرائيلي .

2-      القائد العسكري حاييم لاسكوف، ممثل جيش إسرائيل وحكومة إسرائيل المؤقتة، أو كل من له صلاحية، يأخذ تحت قيادته مدينة الناصرة من الساعة 21.15 بتاريخ 16 تموز 1948 .

3-      كل الجنود وصف ضباط الجيوش العربية من كل الدول، يسلموا ليد القائد العسكري .

4-      كل مخازن السلاح، والذخائر العسكرية وكل التجهيزات العسكرية الأخرى الموجودة بأيدي أي شخص أو جهة أخرى يسلموا فورا للقائد العسكري .

5-      بكل حالة من مخالفة البنود 3 و 4 من هذا الإتفاق، يكون للقائد العسكري  الحق أن يفرض العقاب  حسب قراره الشخصي .

6-      يلتزم القائد العسكري بهذا أن يحمي كل الأماكن المقدسة، الكنائس، الأديرة وسائر الأماكن المقدسة التي لها علاقة بالدين المسيحي للمدينة ومحيطها .

7-      يواصل رئيس البلدية الحالي للناصرة القيام بمهام وظيفته كرئيس مجلس البلدية الحالية .

8-      يواصل رئيس البلدية إدارة الشؤون العادية لفائدة كل السكان مدينة الناصرة، ومن صلاحية القائد العسكري أن يقرر ما هي المسائل العسكرية والمدنية .

9-      إن حكومة إسرائيل الممثلة على يد القائد العسكري، تعترف بذلك بمساواة بالحقوق المدنية لكل مواطني الناصرة سوية مع كل سكان اسرائيل دون تمييز بالدين، الجنس واللغة .

10-    ممثلو مدينة الناصرة، الموقعين على هذه الوثيقة، يأخذون على عاتقهم، كل المسؤولية لتنفيذ شروط الاستسلام بروحه ونصه .

11-    ممثلو جيش إسرائيل وحكومة إسرائيل الموقعين على هذه الوثيقة، يتحملوا مسؤولية تنفيذ كل بنودها .

الناصرة في 10-07-1948

نبيل عودة

 
- ولد في مدينة الناصرة (فلسطين 48) عام 1947.
درس الفلسفة والعلوم السياسية في معهد العلوم الاجتماعية في موسكو .
كتب ونشر القصص القصيرة منذ عام 1962.
عمل نائبا لرئيس تحرير صحيفة " الأهالي 
شارك سالم جبران باصدار وتحرير مجلة "المستقبل" الثقافية الفكرية، منذ تشرين أول 2010
استلم رئاسة تحرير جريدة " المساء" اليومية .
يحرر الآن صحيفة يومية "عرب بوست".
من منشوراته : 1- نهاية الزمن العاقر (قصص عن انتفاضة الحجارة) 1988 2-يوميات الفلسطيني الذي لم يعد تائها ( بانوراما قصصية فلسطينية ) 1990 3-حازم يعود هذا المساء - حكاية سيزيف الفلسطيني (رواية) 1994 4 – المستحيل ( رواية ) 1995 5- الملح الفاسد ( مسرحية )2001 6 – بين نقد الفكر وفكر النقد ( نقد ادبي وفكري ) 2001 7 – امرأة بالطرف الآخر ( رواية ) 2001 8- الانطلاقة ( نقد ادبي ومراجعات ثقافية )2002 9 – الشيطان الذي في نفسي ( يشمل ثلاث مجموعات قصصية ) 2002 10- نبيل عودة يروي قصص الديوك (دار انهار) كتاب الكتروني في الانترنت 11- انتفاضة – مجموعة قصص – (اتحاد كتاب الانترنت المغاربية)  

 

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved