خفايا القبّعاتِ الزّرقاء!

2011-12-27
ب//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/daa6aefb-d90c-4dd7-93aa-21417249a372.jpeg واعثُ ومُحرّكاتٌ عديدةٌ تراودُ البشرَ بأحاسيسِها الوهّاجةِ وبشهوتِها لإصلاح العالم، ويتجلّى هذا الشّعورُ كالبصيصِ تحتَ رمادِ الرّمز والإشاراتِ البعيدةِ الغارقةِ في الوجدان، وعلى حدِّ التصوّرِ المتفائِلِ، تُلوّحُ المسافاتُ الباهتةُ على غفلةٍ مِن بلبلةِ ذكرياتٍ، تراكمتْ وترسّختْ في أعماقِ النّفس، وظلّلتْ أوجاعَ أوطانٍ تجذّرتْ في آفاقِهِ الماضية، وظلّتْ تنبثقُ بضبابيّتِها وعزيمتِها في صورٍ ثائرةٍ بعشوائيّةٍ، وانفعالاتٍ تنبعثُ منها رائحةُ الخوفِ والشّكّ والخيبة!
هل يحنو على البشر عشقٌ روحيٌّ للحياةِ يشطحُ بتفاؤلِهِ بالتّمرّد، وآمالِهِ بالكفاح، وإيمانِهِ بالحرّيّة والاستقلال؟
لماذا غاصَ الإنسانُ المُستضعَفُ في سباتِ المجازرِ الوحشيّةِ؟

ها القبّعات الزرقاءُ منظّمة لقوّاتٍ مِن حمَلةِ الخُوَذِ الزّرْق، تأسّست عام 1918م بعدَ الحربِ العالميّة، ويبلغ عددُ عناصرِها أكثر مِن مئتيْ ألف شخصٍ، ينحدرونَ مِن 115 بلدٍ في العالم، شكّلتها الأممُ المتّحدةُ لحفظِ السّلام في مناطق النّزاع، ولمراقبةِ الفئاتِ المتنازعة ومدى تقيّدِها باتفاقيّاتِ الهُدنةِ والإلتزام بها، وعامَ 2002 أقرّت الجمعيّة العامّة لمنظّمةِ الأمم المتحدة تاريخ 31-5 يومًا عالميًّا للقبّعات الزرق، بهدفِ تكريم الرّجالِ والنّساء والعاملينَ في خدمةِ المنظمةِ وقِيَمِها، إذ إنّ قسمًا من أفرادِ القوّاتِ، مِن عسكريّينَ ورجالِ شرطةٍ ومدنيّين تحت الرّايةِ الزّرقاء يتعرّضون لمخاطرَ الزلازلِ والبراكين والأعاصير ومفاجآت الطبيعة، وقسْمًا للقتل والمآسي والتّضحياتِ الجسيمةِ أثناء تأديةِ خدمة السّلام، وقد لاقي 121 شخص مصرعَهم في الشهور بين يناير كانون ثاني 1-2009 وفبراير شباط 2- 2010، من بينهم 96 إثر الزلزال الذي ضربَ هايتي.

هل كلُّ منظمةٍ إنسانيّةٍ هي حقّا ثيرمومتر للإنسانية، يقيسُ درجاتِ حرارةِ الظّلم بصِدقٍ دونَ تزوير، ويُعدّلُها لتصلَ إلى حالةٍ من التّوازنِ والعدل؟
هل لكلّ منظمةٍ معاييرُ وقوانين تُجيدُ عناصرُها قراءتَها وتنفيذها وإقناع المظلومِ بإنصافِها، دونَ أن تخدشَ إيمانَهُ وآمالَه؟

في ظلالِ النكبةِ الفلسطينيّةِ والجرائم السّياسيّةِ والعسكريّةِ والأخلاقيّة، أرسلت أوّل بعثةٍ لحفظِ السّلام في نكبةِ فلسطين في 29-5- 1948، لمراقبةِ التقيّدِ بينَ إسرائيل والدّول المجاورةِ باتفاقيّةِ الهُدنةِ السّلميّة، اعتمادًا على سيادةِ القانون كأداةٍ لصيانةِ أمن سِلم السّكّان المدنيّين، وإعادةِ المُهجّرين واللاّجئين وتأمين الحمايةِ لهم، والمشاركةِ في دعْمِ المصالحةِ وخطى السّلام، واستعادةِ الاستقرارِ وغرْسِ بذورِ الأمل في مستقبلٍ أفضل!

ما مدى فاعليّةِ قوّاتِ القبّعاتِ الزّرق في تنفيذ أهدافِها، وحِفظِ السّلام الدّوليّ، وفضِّ النّزاعاتِ أو تجميدِها؟
هل لها سُلطةٌ عسكريّة وقوّاتُ جيشٍ، يمكنُ أن يُناطَ إليها بحلِّ المسائلِ العسكريّة؟
جاءَ على حدّ التّصريحات، أنّها حقّقتْ إنجازاتٍ في دعمِ استفتاءِ جنوب السّودان، وساعدت في حلّ الأزمةِ التي نشبت بعدَ الانتخاباتِ في كوت ديفوار، ودعمت تدريبَ أفرادِ الشّرطة في تيمور- ليشتي وبناءِ قدراتهم، وساهمت في تسييرِ دوريّاتٍ في تلالِ جنوب لبنان!

هل هذه القوّاتُ تعملُ حقّا بمصداقيّةٍ عادلةٍ بينَ الأطرافِ المُتنازِعة، أم تنحازُ لدعمِ طرفٍ على حسابِ الآخر، فتفرزُ الكثيرَ مِن الشّكوكِ والقلقِ والتوتّر الخطير؟
ماذا يحدث فيما لو خرجت الأحداثُ عن إرادتِها وتخطيطاتِها بينَ الأطرافِ المتنازعة؟
هل تنسحبُ؟ تقفُ مكتوفةَ الأيدي؟ أم تنحازُ إلى طرفٍ لتُعادي الآخر؟

وتأبى الذاكرةُ الملغومة إلاّ أن يتشظّى فتيلُ شكِّها باليقين، وها العينُ المتمرّدةُ تنبشُ الحقائقَ وتشاكسُها، فلا تغفلُ عن تصريحٍ مُربكٍ وتمرُّ بهِ دونَ التفاتٍ مُعانِد، فحقائقُ التّقارير بمعظمِها تتضاربُ وتستفزّ العيونَ النّهِمةَ الشّقيّة، لتقلبَ الرّمادَ الضّبابيَّ عن حروفٍ لامعة تبدو للغريقِ قشّةَ خلاصٍ وكنزَ حياةٍ ثمين، لكنّها عصيّةٌ على التصديقِ والائتمانِ!
هل أفلحت منظّمة القبّعات الزّرق:
أن تتصدّى لاندلاعِ الحرب الأهليّةِ في رواندا؟
وفي التّسعينيّات في الصّومال، هل استطاعت أن تقفَ في وجهِ جرائم القتل وعمليّاتِ النّهب وتعذيب السّجناء؟
وفي الكونغو عام 2005، ألمْ يُستدْعى عشراتُ العسكريّين من حملةِ الخُوَذ الزّرقاء، لتوجيهِ تُهم جرائم بشعةٍ ارتكبوها؟
وعام 2006، هل استطاعت أن تمنعَ القوّاتِ الإسرائيليّة مِن اجتياح الأراضي اللّبنانيّةِ؟

لماذا يتفاعلُ المظلومُ المنكوبُ المُتعلّقُ بحبالِ الهواءِ مع هذهِ المُنظّمات باستسلام؟
هل حقًّا يلجأ إلى أحضانِ أمْنِهِ ومفاتيح خلاصِهِ، أم.. ..؟
وكأنّي بالشّاعرِ والفيلسوفِ الهنديِّ طاغور يهيم بالمسحوقين: "إذا أوصدتُمْ بابَكم أمامَ الخطأ، فالحقيقةُ ستبقى خارجَهُ"!
وهل نفتحُ البابَ يا شاعرَنا أمامَ الأخطاءِ، لتعْبُرَ الحقيقةُ وتنفُذَ داخلَهُ؟!

بتاريخ 27-5-2008 كشفت منظمة "حماية الأطفال" غيرِ الرّسميّة عن حصيلةِ دراسةٍ استطلاعيّة أجرَتها، استنادًا إلى معلوماتٍ استمدّتها عبرَ توجيهِ أسئلة إلى 250 من الأطفال والناشئة و90 من البالغين، في السّودان وهاييتي والكونجو وليبيريا وساحل العاج.
مفادُ الدّراسة؛ أنّ ممارسةَ الاعتداءِ الجنسيّ على الأطفال منتشرةٌ على نطاقٍ واسعٍ مِن جانب أصحاب القبّعات الزّرق، في المناطق المنكوبة الذين "يُستغاثُ" بهم باسم السّلام فيها"، واستهدفَ أطفالاً في السّادسة مِن العمر، وفتياتٍ قاصراتٍ، إمّا اغتصابًا وإمّ استغلالَ الفقرِ والجوع.

فهل مَن يُدعَوْن بملائكةِ الحمايةِ والحراسة، يمكن أن يُمثّلوا خطرًا على الأطفالِ والناشئة، كمَن أمّن الذئبَ على قطيعٍ مِن الحملان؟

أين تقفُ العدالة والإنسانيّةُ مِن تصاعدِ اتهام القوّاتِ التّابعة للأمم المتحدة، التي تورّط فيها عناصر مِن القبّعات الزّرق، ولخّصت حقائقَها في سلسلةٍ مِن فضائح فسادٍ ماليّ، وفضائحَ جنسيّةٍ واستغلال، واغتصابِ أطفالٍ وقُصّر، وتهريبِ الذّهبِ والمعادن الثّمينة، ومقايضتِها بالأسلحةِ والموادّ التموينيّة؟

ألا تدفعُ هذه الفضائحُ أعضاءَ الأمم المتحدة، إلى التفكيرِ في سُبلِ تحسينِ إصلاح المهمّةِ السّلميّة ونشاطِ قوّاتِ حفظِ السّلام، واختيار كوادر بكفاءاتٍ إنسانيّةٍ عالية، ليقتنعَ المظلومُ بمصداقيّتِها خاصّة في العالم الثالث وشرْقِنا الثّائر؟ كيف؟

 


آمال عواد رضوان

كاتبة ، شاعرة وصحفية فلسطينية، محررة الوسط اليوم الثقافي 
 لها : *1- بسمةٌ لوزيّةٌ تتوهّج/ كتاب شعريّ/ آمال عواد رضوان/ عام 2005. *2- سلامي لك مطرًا/ كتاب شعريّ/ آمال عواد رضوان/عام 2007. *3- رحلةٌ إلى عنوانٍ مفقود/ كتاب شعريّ/ آمال عوّاد رضوان/ عام 2010. *4- أُدَمْوِزُكِ وَتَتعَـشْتَرِين/ كتاب شعريّ/ آمال عوّاد رضوان/ عام 2015. *5- كتاب رؤى/ مقالاتٌ اجتماعية ثقافية من مشاهد الحياة/ آمال عوّاد رضوان/ عام 2012. *6- كتاب "حتفي يترامى على حدود نزفي"- قراءات شعرية في شعر آمال عواد رضوان 2013. *7- سنديانة نور أبونا سبيريدون عواد/ إعداد آمال عوّاد رضوان/ عام 2014 *8- أمثال ترويها قصص وحكايا/ إعداد آمال عوّاد رضوان/ عام 2015 وبالمشاركة كانت الكتب التالية: *9- الإشراقةُ المُجنّحةُ/ لحظة البيت الأوّل من القصيدة/ شهادات لـ 131 شاعر من العالم العربيّ/ تقديم د. شاربل داغر/ عام 2007 *10- نوارس مِن البحر البعيد القريب/ المشهد الشّعريّ الجديد في فلسطين المحتلة 1948/ عام 2008 *11- محمود درويش/ صورة الشّاعر بعيون فلسطينية خضراء عام 2008 صدرَ عن شعرها الكتب التالية: *1- من أعماق القول- قراءة نقدية في شعر آمال عوّاد رضوان- الناقد: عبد المجيد عامر اطميزة/ منشورات مواقف- عام 2013. *2- كتاب باللغة الفارسية: بَعِيدًا عَنِ الْقَارِبِ/ به دور از قايق/ آمال عوّاد رضوان/ إعداد وترجمة جَمَال النصاري/ عام 2014 *3- كتاب استنطاق النص الشعري (آمال عوّاد رضوان أنموذجًا)- المؤلف:علوان السلمان المطبعة: الجزيرة- 2015 إضافة إلى تراجم كثيرة لقصائدها باللغة الإنجليزية والطليانية والرومانيّة والفرنسية والفارسية والكرديّة. * 
الجوائز:
*عام 2008 حازت على لقب شاعر العام 2008 في منتديات تجمع شعراء بلا حدود. *عام 2011 حازت على جائزة الإبداع في الشعر، من دار نعمان للثقافة، في قطاف موسمها التاسع. *عام 2011 حازت على درع ديوان العرب، حيث قدمت الكثير من المقالات والنصوص الأدبية الراقية. *وعام 2013 منحت مؤسسة المثقف العربي في سيدني الشاعرة آمال عواد رضوان جائزة المرأة لمناسبة يوم المرأة العالمي 2013 لابداعاتها في الصحافة والحوارات الصحفية عن دولة فلسطين. وبصدد طباعة كتب جاهزة: *كتاب (بسمة لوزيّة تتوهّج) مُترجَم للغة الفرنسيّة/ ترجمة فرح سوامس الجزائر *كتاب خاص بالحوارات/ وستة كتب خاصة بالتقارير الثقافية حول المشهد الثقافي في الداخل *ستة كتب (تقارير ثقافيّة) حول المشهد الثقافي الأخضر 48: من عام 2006 حتى عام 2015

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved