كان أشد ما يخافه الديك من المؤامرة تحويله الى وجبة يلتهمها رواد المطاعم في نيويورك او لندن او تل ابيب. قد يكون التذلّل والتودّد من حوله خداعاً مخطّطاً من قوى تتحيّن الفرصة لإسقاطه وغزو مملكته التي تكاثر دجاجها في السنة الأخيرة بمعدلات فاقت التوقعات، مما رفع قيمة خمّه في البورصة الدجاجية.. ورغم ذلك.. السياسة مليئة بالمطبات الخطيرة والمفاجآت غير المتوقعة، لا تحكمها الأخلاق، تغيب عنها القيم. السياسة أضحت تجارة بيع وشراء، مطبّات ومؤامرات، يضحكون بوجهك لإلهائك عما يطبخون.
ان ديكاً بمثل مقامه، مثقف، طبيب عيون، شاعر، مفكر، فيلسوف، قائد عسكري، رجل دولة وراعي شؤون الخمّ وفحله في الليالي، تتكاثر حوله المؤامرات والأطماع والدسائس الداخلية والخارجية.. طمعاً بإنتاجه الدجاجي، الذي يوازي اليوم الإنتاج النفطي في أهميته الاستراتيجية، والرغبة في التهامه واكتساب صفاته الفكرية والفحلية عبر وجبة شهية تتعاظم قيمتها، وتُشغل السياسة الدولية...
كان أمنه الشخصي يقلقه أكثر من أمن مملكته. لأن نفوقه هو نهاية للتاريخ ونفوقٌ لملِك لا يظهر مثله في التاريخ الا كلَّ قرن كامل، أو كلَّ عدة قرون. وكان الديك يحب ان يؤكد، حتى لا يلتبس المعنى على قليلي العقل، انه يقصد بالقرن مائة سنة وليس تلك الموزة الصلبة التي تنمو في أعلى رأس وحيد القرن.
من سيصدح صوته صباحاً مجلجلاً بشعر ثوري وممانعة للاستعمار تعادل قوة القصيدة فيه ما يتجاوز حتى قوة الصواريخ البلاستية عابرة القارات؟ مَن قادرٌ مثله ان يُخضع أكثر الدجاجات استعلاءً وتمختراً بجمالهن لأوامره ورغباته؟ من يروي شبق هذا الجيش الدجاجي قليل العقل والدين..؟
المسؤوليات جسام. هو خُلق لتحمل هذه المسؤوليات الأرضية وإيجاد الحلول لمسائل الأمن الحارقة في جمهوريتة الدجاجية، الأفلاطونية بتنظيمها، حيث الحكماء والفلاسفة في رأس السلطة، وهذا الأهم.
حقاً، هل تتصورون ما قيمة المملكة اذا نفق ديكُها، والى ما يمكن أن تؤول اليه التطورات من إشكاليات تنظيمية وإنتاجية؟.. وتأثير ذلك السلبي على استقرار الاقتصاد العالمي؟ وهل ستصمد البورصات أمام أزمة غير متوقعة مثل نفوق الديك ووقف التكاثر الدجاجي في المملكة الخمية؟!
مضطراً، قام الديك بخطوات أمنية حاسمة مستوعباً درس ما جرى مع ديوك الجيران الأشقاء. عين بعض الدجاجات ليعملن عيوناً في مملكته، أسوة بممالك الأشقاء السابقين له في الخبرة، أطلق على هذه المجموعة اسم "ثقافة الأمر بالحسنى". هذا الأمر نُفّذ حسب إرشادات ديك أم حسين الإيرانيّ الأصل، لكنه أمنيا يبقى ناقصاً ويحتمل نسبة تجاوزات خطيرة من العملاء. الحل تعيين عيون من دجاجات أخرى يعملن كعيون على العيون من المجموعة الأولى، سُمِّيت المجموعة الثانية "هيئة النهوض بشؤون الشعر الفصيح" ليعطي انطباعاً ان خمَّه يعنى بشؤون الثقافة والتربية والتعليم، كيف لا ورجل الدولة الأبرز في الخمّ، هو الديك الفصيح؟
رغم ان نسبة الأمية في الخمّ تكاد تكون مطلقة، لكن المعطيات التي توزع على الاعلام تصاغ في إدارة الخمّ حسب رغبات الديك، وهذا لا يعتبر تزويراً انما تيمّناً بما سيكون عليه المستقبل.
يبدو ان هذا الهرم الأمني يبقى ناقصاً في فاعليته وقدراته التجسسية، كما أشار الأشقاء في آخر مؤتمر قمة جمعهم في خمّ أبي العلاء. حيث أكد الأشقاء على ضرورة إقامة مكتب أمني سري لا يعلم به الا الديك نفسه ويسمى بـ"أرشيف الديك الثقافي"، تكون مهمته مراقبة المقربين والمتحذلقين حوله ومكتب آخر صلته غير مؤكدة بأعمال الأمن، يسمى "مكتب الاستثمارات التنموية" يتخذ شكلاً دولياً للمشاريع العمرانية مما يسهّل تجنيد الدعم الخارجي، ولكنه عملياً ينفّذ سياسة أمنية مشدّدة جداً، ويموّل سائر أجهزة الأمن.
ليذهب العمران الى الجحيم بعد أمن الديك وسلامته، يقول بعض العالمين بلغة الديوك وتصرفاتها انه أقيمت مع الوقت فئة عيون أخرى لم ينشر اسمٌ رسمي لها مما جعل الهيئات المشتغلة بالأمن الشخصي للديك والتجسّس على سكان الخمّ تزداد الى أربعة تنظيمات أو خمسة، والعلم بالعدد الحقيقي عند الله جل جلاله، لكن تسربت معلومات ذكرتها "الجزيرة" دون أن تفضح مصادرها، ان الديك أنشأ هيئة أخرى هي "المكتبة القومية" حيت يحتفظ بملف عن كل طير دجاج داخل خمّه، منذ خرج من قشرة البيضة وحتى لحظته الأخيرة داخل الخمّ.
باتت مملكة الديك مكتظة بالعيون المختلفة، ثلاثٌ منها (وربما أربع؟) معروفة بأسمائها، وواحدة سرية (وربما اثنتان؟) قائمة بالتأكيد، أخرى سرية معروف وجودها ومجهول اختصاصها، غير ملموس نشاطها في مجال العمران إطلاقاً رغم اسمها، ورغم تدفق الأموال النفطية اليها. بذلك وصل عدد العيون على العيون على العيون الى نصف سكان الخمّ والبعض يقول ربما أكثر ولكن الحقيقة سرٌّ من أسرار الدولة العسكرية الخطيرة، يمكن كشف بناء مصنع نووي، وان يسمى مصنعاً لتعليب البندورة اذا قصفته اسرائيل، وبذلك يبقى المواطن مطمئنّاً لنظام الخمّ الوطني الممانع للاستعمار والصهيونية، لكن ممنوع كشف التنظيمات الأمنية والتجسسية وعدد العاملين بكل مؤسسة حتى يبقى المواطن مليئاً بمشاعر الحب للديك القائد.
تقول تقديرات استعمارية معادية انه اذا أنزلنا من حسابنا الفراخ الصغيرة التي لتوّها قد خرجت من قشرة البيضة، يكون قد عيّن عيناً لكل دجاجتين أو ثلاث وعليهن عين أخرى تراقبهن وتراقب كل همسة او حركة غير واردة في الحركات المسموح بها للدجاجات، بما في ذلك تسجيل عدد المرات التي تحرك فيها الدجاجة أجنحتها، عدد المرات التي تقترب من وعاء الماء، عدد المرات التي تعملها فوق الارض بلا حياء، بالحساب الأخير يمكن ان نفترض بدون خطأ كبير انه يوجد عين لكل دجاجة ونصف الدجاجة تقريبا، حسب معلومات تؤكدها أيضا معاهد الدراسات العسكرية.
الهدف طبعاً، أن يبقى أمن الديك مضموناً، حتى ينام نومته السلطانية بعد تأدية واجباته العائلية والأمنية وقضاء شهوته اليومية من دجاجاته.
المستهجن ان هذه المملكة تسمى خمّا في لغة الضاد. يا لها من لغة قاصرة، وأول المتضررين منها هم شعراء الخمّ وقادته وعلى رأسهم الديك.. لأن كلمة خمّ تفتقد للوزن الشعري وتعني الرائحة النتنة، فهل يستقيم الشعر مع هذا الوضع؟!
بالطبع، ان لدور العيون المميز في المملكة الخمّية تبريره المنطقي. اذ ان الخطر الداهم على مكانة الديك ورفعته وعدم المساس به، هي من ضرورات بقاء الديك الزعيم الأوحد في مملكته. صاحب الصوت الأقوى في الخمّ. صاحب الفراع الأحمر الوحيد النابت مثل التاج الملكي عل قمة رأسه، الناصع الريش بألوانه التي تسحر أجمل طير خلقة الله..
من وظائف العيون في مملكة الديك الإبلاغ عن كل فقْس جديد وعدد الديوك المتوقع في الفقس الجديد، تنمية خبرة العيون في التمييز بين البيضة التي سيخرج منها ديك والبيضة التي ستسفر عن دجاجة.. والانتباه الى ضرورة سحب البيضات الديكية من تحت الدجاجات ليلتهمها أو يبيعها صاحب الخمّ، حتى لا يبلغن مرحلة التفقيس وتبتلي المملكة بمنافسين من فصيلة الديكة، فتعمّ الفوضى نظام الخمّ وقد ينهار النظام أو ويسوء وينهار أمن الدجاجات وفراخهن.
غني عن القول انه لولا هذا التنظيم العبقري لسادت الفوضى ولشكلت كل دجاجتين حزباً مستقلاً ولقامت المظاهرات التي تطالب بحصص أكبر من معاشرة الديك، الأمر الذي سيربك النظام ويستنزف قدرات الديك ولعمّت الفوضى الاجتماعية داخل الخمّ، ربما تقام النقابات الهدّامة، تتعطل مشاريع الإنتاج البيضي والفراخي، وقد يُصدر كل فرخ دجاجي مجلة ثقافية لينشر فيها شعراً مقاوماً لسلطة الديك، قد يكون أحد الديكة الناشئين جنّي فيقوم العراك ويسيل الدم، وتصبح حال ديكنا مثل حال الدجاجات، مجرد وجبة دسمة على مائدة في أحد المطاعم.. ويصبح المرحوم، أو السابق، بعد ان يحلّ محله فحلٌ جديد!!
الحقيقة انه وقعت أخطاء عدة في الاستدلال على البيضات الديكية، أخرجت بيضات بريئة وظلت بيضات تـآمرية، مع كل ذلك بقي الديك صاحياً، متيقظاً لعملاء الاستعمار والصهيونية، الذين جندوا عملاءهم من فقس بعض الفراخ وحرضوهم على المنكر وطريق الشر، وأصبحت حياة الخمّ قتالاً وصراعاً ونتف ريش ودماً.
الديك رئيس الخمّ كان بالمرصاد لمنع ما حدث مع الديك الشقيق الذي نفق في القتال، كان الديك على قناعة انه لا يمكن ان يكون في الخمّ ديك زعيم سابق. بل ديك زعيم أوحد، الزعيم السابق مرحوم او نافق.
حسناً، سيجيء اليوم الذي يختار الديك وريثه في التتويج على الخمّ من أحدى أجمل الدجاجات، لكن الآن كل شيء سابق لأوانه.. فها هو بقوة الفحل، يحرث بلا كلل وبمتعة ولا يقصر بواجباته.. متنبه بواسطة العيون على كل ما يجري تحت الفراخ من فقس جديد، يعرف كل التحركات، حتى يعرف الوقت الدقيق بالثواني، الذي تقضي فيه كل دجاجة حاجتها فوق أرض الخمّ.. ويسحل كل من يثير شكوكه وكل طامع بمركز الديك. وخطط العمران الخماسية استبدلت كلها بخطة واحدة حضارية عظيمة لبناء سجون تعلّم الشعب حب ديكهم العظيم.
غير ان الرياح لا تجري كما تشتهي السَّفَن.
أطلّ صاحب الخمّ فجر أحد الأيام، ليعلف دجاجاته، أدخل للخمّ ديكاً جديداً جمال ريشه يأخذ العيون، فتوته بارزة مما جعل الدجاجات يتضاحكن ويهرولن لملامسته وإثارته دون حياء ودون أخلاق كأن الزعيم الأوحد لم يرو شبقهن ليلة أمس.
وقف الديك الفتي يتأمّل الديك الملك ببعض النظرات التي تثير الغضب، دون أن يكلف خاطره لتقديم صكوك الطاعة. كان من المتوقع ان يفهم هذا الغبي انه لم يدخل للخمّ لينصب ملكا او وريثا وأن القرار بالتنصيب يعود لمجلس الدجاج البرلماني المشكل بأكثريته المطلقة من الدجاجات العيون على اختلاف هيئاتهم الثقافية (الجاسوسية)، والدجاجات أصحاب الحظوة في أمسيات الديك اللاهبة.
قرر الديك ان يكلف دجاجة بملاحقة هذا الوافد الجديد، الذي دخل ليستملك الأرض والبيت والعرض.. بينما صاحب الشأن حي يرزق.
ولكنه لاحظ ان المعلومات التي تصله من الدجاجة العين لا تشمل الكثير من التفاصيل، هل تظن ابنة الزنا انه غافلٌ عما يدور في خمه..؟ هل تظن انها الوحيدة التي تراقب الوافد الجديد؟ الا تعرف ان كل الحركات تصله من عدة مصادر على الأقل، حيث تقارن المعلومات وتصنف في الأرشيف الثقافي؟
في ليلة قمراء، قرر ان يفرض حظر التجول، ليقبض على الوافد والخائنة بالجرم المشهود. أعلن الأحكام العرفية التي أقرت بلا مشاكل في مجلس الدجاج البرلماني. أبلغ الديك الدجاجات بان يلزمن مواقعهن لأنه يعتقد ان مؤامرة كبرى تحاك ضد أمن الدجاجات ورفاهيتهن وحبهن المطلق لزعيمهن الأوحد ديك الديوك.
خمدت الدجاجات فوق بيضاتهن بوجل ينتظرن ما قد تسفر عنه حالة الطوارئ. مضت الساعات متوترة ثقيلة. وفجأة سمع صوتاً يتأوه.. وصوتاً يأمر بأن "اصمتي.. لا تفضحينا"!!
أطلّ على الزاوية التي تسرّب منها الصوت ويا لهول ما اكتشف. كانت الدجاجة العين التي كلفت بمراقبة الديك الجديد تتأوه تحته بلا حياء وهو يطلب منها الصمت.
صاح الديك غاضبا: انها خيانة!!
جفل الديك الفتي وقال بحياء: انا أمارس حقوقي.
- لا حقوق في خمّنا الا باذن مني
- لكنك مثلنا كلنا.. انت عابر أيضا.
- ما هذه الوقاحة.. انا الملك أيها الحقير!
صاح بقوة وغضب متفجر، متحفزاً للانقضاض بمنقاره على رأس هذا المعتوه المغرور.
تريّث اذ فكّر بأن غضب صاحب الخمّ أشدُّ بأساً من نظامه الديكي، اذ انه يملك وسائل قمع وقتل رهيبة لا يمكن تجاهلها في إقرار النهج الديكي. قال:
- في خمّنا لا يوجد ملكان.. بل ملك واحد.. وكل ملك آخر هو مرحوم أو لم يخلق بعد.
- يا سيدي أحضروني الى هنا لأقوم بواجبي القومي.. الاكثار من الدجاج والبيض.
- اخرس انت عميل استعماري وستجري محاكمتك. يا عيون، القوا القبض عليه.
بعد تفكير قال:
- وعليها ايضا التي باعت كرامتها وتنازلت عن ثقتنا بها مقابل شهوتها.
انتفض الديك الفتي وانقضّ بمنقاره على رأس دجاجة من العيون حاولت تقييد جناحيه، فتزعفلت ألما بالتراب وما هي الا لحظات حتى نفقت. ما هي الا لحظة أخرى او بعضها واذا الديك الملك ينقض على الديك الدخيل بمنقاره وينتف ريش رقبته وبعضا من جلد رقبته ليزعق الغبي بألم ويتأوه من نزيف دمه، ليفهم مرة والى الأبد، من هو الملك هنا. قال الديك بلهجة التهديد:
- بقصد لم الحقك بالدجاجة الميتة.. اعتبر هذا إنذاراً!!
في فجر اليوم التالي تفاجأ صاحب الخمّ بالدجاجة الميتة. شاهد ضربة المنقار في أعلى رأسها.
قذف الدجاجة لكلب الحراسة الذي سارع يقطعها بأنيابه الحادة ويلتهمها. تأمل الديكين بغضب، شاهد آثار المعركة بينهما، لكنه أيقن ان العقاب لن يكون لصالح ازدياد انتاجية الخمّ وان التضحية بدجاجة ربما كانت ضرورية لتنظيم العمل الديكي داخل الخمّ، المهم ما ستكون عليه النتائج خلال الشهر كله. ان ديكين أفضل للخمّ من ديك واحد، سيفهم الغبيان هذا الأمر او ينفق أحدهما، هذا يقاس لمن لا يعلم بعدد البيضات، طبعا الديك معفي من البيض.. لكن تقول الأساطير ان بعض الديكة تضع بيضة واحدة نادرة تسمى "بيضة الديك"، يرزق ربنا من يجدها بأحلى أمانيه!!
ترى هل ديكنا من أصحاب البيضة النادرة؟
ربما لسد العجز في البيض قد يصير ديكُنا بيّاضاً!!
*- (قصة ديكية سابقة معدلة جينيا)
nabiloudeh@gmail.com