الخميس : 8 ـ 1 ـ 2008
"قوام الحرب ثلاثة: المال والمال، والمال"
(نابليون)
كان في قديم الأمكنة، وسالف الأزمنة، أحد الشطار وأصحاب الكدية، أصاب حظاً من مال، ونال مكانة بين ناس العرصة التي يقيم فيها، فادعى انه يعلم بالغيب، ويعرف المستور، لكي يجعل من هذه المعرفة، طريقة حكم تلك العرصة، والهيمنة على رقاب ناسها.
وجاء في "الأثر" الذي في ختام هذه المقالة، ان العامة صدقت بما جاء به ذلك الشاطر، وان بعض الذين يجيدون صناعة الكلام، أي الاعلام في أيامنا هذه، انضموا إلى ذلك الشاطر، بعد أن قام هذا الأخير "بتزييت السير" لهم.
بعبارة أخرى، بعدما رشاهم.
وقد علق أحد صناع الكلام في ذلك الزمان، في حينه قائلاً: "الجميع أمام المال من دين واحد"، وكأنه يريد بهذا القول المنقول عن غيره، أن يوسخ غيره بوسخ عمله، فهذه شيمة الذين يخونون أنفسهم، يريدون الجميع مثلهم، أو يخونون الجميع.
وهذه أيامنا شواهد ناطقة.
ولكن هذا بحث يطول. والحكاية القصيرة المبتغاة من موضوع الشاطر انه بالمال صار بعد عدة سنوات، مفتياً للعرصة، ومحاميها ورئيس رياضييها، وكبير تجارها، حتى لقبه صناع الكلام بلقب "الزعيم الأوحد" من بين ألقاب أخرى، وصلت إلى المائة.
طابت نفس "الزعيم الأوحد" لهذه الألقاب، وطلب إلى أحد صناع الكلام، أن يعمل له استعراضا كبيراً يظهر فيه علمه ومعرفته ومهارته على سكان العرصة، لكي يكون حديث الركبان في الجبال والوديان.
قال ذلك ال "أحدهم"؛ ولنسمه: سجعان الساجع: سمعاً وطاعة يا مولاي.
وهكذا بعد عمل متصل ليلاً نهاراً، وندوات ولقاءات في الأزقة وعلى الأسوار، جمع سجعان الساجع، ناس العرصة في ساحتها الوحيدة وخاطب الناس بأعلى صوته: "أيها الأعزاء ورمز الوفاء، وخلاصة الدواء، ها هو زعيمنا الأوحد الذي يعرف الشرق والغرب والشمال والجنوب، سيؤدي أمامنا امتحاناً خطيراً".
وفي الامتحان يكرم المرء أو يهان، كما في أيامنا هذه.
وقيل للزعيم الأوحد: "ستكتب العدد: ،55 وهو سهل، وأنت أدرى به". ثم أجروا له تمريناً تطبيقياً سريعاً، والزعيم يهز رأسه، كما يفعل بعضنا هذه الأيام.
ثم ظهر على الناس في ساحة العرصة، وهو يهز رأسه، وكتب رقم 5 على الخشبة السوداء، وسجعان الساجع، يكاد يغمى عليه من الفرح ويقول:
- نعم: سيدنا، الرقم الثاني.. الرقم الثاني!
بعد ذلك ساد صمت مطبق على المكان، و"الزعيم الأوحد"، يحرك يده اليمنى في الهواء، وهو يقول: "أين أكتب الرقم 5 الثاني، على يمين الأول، أم فوقه، أم أسفله، أم شماله؟".
بعدما قرأ غريب المتروك هذه السانحة، علق قائلاً: "كيف يستطيع هذا الزعيم، قراءة كلمة كاراكاس، حتى لو قطعناها هكذا: كارا - كاس؟".
اضاءة
لمزيد من الاطلاع والتوثيق، ولقطع دابر الشك باليقين، أشير إلى كتاب "أخبار ملوك البهتان في بلاد الري والبلقان" لمؤلفه الصالح عبد الصدوق المروزي، المتوفى سنة 1200 ه.
جمعة اللامي
www.juma-allami.com
juma_allami@yahoo.com