قبل عشرة أيام نشرتُ نصا، متنبئا فيه باحتمالية حدوث تغيرات ومواقف جديدة سياسية وإحتماعية ستحصل للمجتمع البشري وكان النص كالآتي :
((الكورونا تؤشر أن عصرا جديدا قد بدأ في تاريخ البشرية ...
ما أسرع حركة التاريخ بل وتسارع الأحداث التي تمر على المجتمع البشري، حين يمكن الجزم أنّ العالم الراهن، عرف منذ أوّل ظهور لفيروس كورونا إلى يوم الناس هذا، تغيّرات ما كان أحد يتخيّلها وكذلك يعجز الجميع على توحيد القراءآت لمنتهاها .
ما إلا تغيّرات بل هي انقلابات تجعل من سابع المستحيلات العود إلى نقطة البدء، حيث سيكون «عصر كورونا» (مهما طال) فاصلا بين، قبل هذا العصر وبعده .
يمكن الجزم أنّ فيروس كورونا قد أحدث تغيّرات جذريّة تشكّل مدخلا إلى عالم جديد، بمعنى أشبه بما كان دخول التتّار إلى الشرق العربي، كذلك يمكن الجزم أنّ المفردات التي مكّنت من كتابة التاريخ ما قبل كورونا عاجزة عن فكّ طلاسم ما بعده .
مفهوم القوّة في أبعادها الجامعة تغيّرت، فدولة مثل تايوان وسنغافورة، دون نسيان الصين ذاك العملاق الإقتصادي، استطاعت تجاوز أزمة كورونا، ممّا يعني أنّ مدى النجاح/الفشل في التعامل مع هذا الفيروس سيصبح أو هو كذلك، يأتي دليلا على مدة تماسك المجتمعات، وثانيا (وهذا الأهمّ) نمط العلاقة القائمة بين الحاكم والمحكوم .))
وفي خضم هذا الحدث الكارثي الخطير الذي اجتاح الكرة الأرضية، حيث إختلطت إعلاميا الشائعات والحقائق والواقع بشكل كبير . وأمست مساحة للعلم والجهل في نفس الوقت، تستقي منها الشعوب أخبارها ومعلوماتها في ظل ثقافة وفكر هشين . حيث تتسم الثقافة العامة ب " الآستغلالية البشعة" التي لا تكاد تميز من معطيات الواقع إلّا مقولات المعيش اليومي من أكل وشرب وجنس ولباس، وكسب للمال بكل الوسائل التي تتصف بكل الصفات الإيجابية وحتى السلبية، والتي تدخل بعضها في سديم الغش والإحتكار والاستغناء على حساب عذاب وآلام الآخرين وأحزانهم، ولو كانوا في أزمة شديدة مثل هذه الأزمة الوبائية التي تعيشها .
الشعوب في يومنا هذا، عملا بالمثل الخبيث والورم القائل : " مصائب قوم عند قوم فوائد ؟! " والقاعدة التي بلورها السياسي المفكر والفيلسوف الإيطالي نيكولو مياكافيلي في القرن 16، القائمة على إمكانية استخدام أي وسيلة؛ أيا كانت وكيفما كانت دون قيد أو شرط أو قيم لتحقيق الهدف، فالهدف مقدس وأي سبيل إليه مباح ومطلوب، مؤسسا بهذه القاعدة أو قل هذه النظرية أول مقولة في سياقه : " الغاية تبرر الوسيلة " !؟ . لذلك وجد فيها بعض ضعيفي الضمير باباً للربح المريح والسريع، خاصة في ظل تحرير الأسعار، حيث ارتفاع الأسعار يبين ثقافة السوق في مجتمع لم تعد بعض مكوناته تعير لمنظومة القيم والأخلاق قيمة، إلّا لماما وإن كانت لصالحهم. ثقافة يطبعها فكر ساذج لا يفكر إلّا في نفسه دون الآخر . فكر خاص أزاح عنه فكرة سعادة المجتمع الإنساني " اللغوية ومعانيها الجليلة، وقيمها المجيدة . فما معنى تخزين السلع والمنتوجات والمشتريات بكميات تفوق استهلاك الفرد، واليوم أتفاجأ حين يتصل بي أصدقاء من مختلف الولايات الأمريكية، يشكون من فراغ الرفوف في الأسواق التجارية من البضائع الغذائية وغيرها بشكل كامل ؟..
نعم لا يسعنا هنا إلّا أن نقول بأنّ فيروس كورونا قد أحدث تغيّرات جذريّة تشكّل مدخلا إلى عالم جديد وإلى علاقات دولية جديدة .