يرمزُ الغوريلا الشرس في مخطوط “ البيت الأسود “ الى الاعلام الاستعماري اللاأخلاقي . وهذا الاعلام هو أهم جنرالات آلهة الأرض وجزء عضوي من مؤسستها الخفيّة العابرة للدول والقارّات، والساعية لمزيد من السلطة والمال والهيْمنة على العالم وتوجيهه .
يستمدّ الناس معلوماتهم من الاعلام، الذي يشكل الرأي العام . والاعلام الاستعماري هو قاعدة النهج الخاطئ لمسيرة الانسان وحضارته الموسومة بالأنانية المُؤلِّهة للمال والغرائز والاستهلاكية ... وكل ما انسحب وينسحب عنها من انحرافات جَنَتْ على الانسان والحضارة السائران في طريق مسدود .
ومن الاعلام الاستعماري اختلاق الأكاذيب لشن الحروب، وتضليل الرأي العام، وتكريس تخلف المستعمرات، ومنعها من تحقيق أي تراكم وتطوّر نوعي يفضي الى نهضة علمية تقنية معرفية وثقافية .
وبصناعة الاكاذيب مرّ الاستعمار وأقام وأباد وزوّر وخرّب ونهب ... قروناً . وبالاكاذيب سيطرت آلهة الارض على معظمها . وبالاكاذيب تتواصل الهيمنة المُمنهجة للغرب على جنوب الارض .
والاعلام الاستعماري يزيف ويفبرك ويخرب ويضلل ويعتم ويشوه ويشوش ويخادع ويفتري ويلفق ويبالغ ويتحيز ويهمش ويهمل المهم وينفخ في التافه والتفاصيل ويلهي ويثبط ويحاصر ويرهب ويخيف ويقلب الحقائق ويشعل النيران في فرق تسد ... بحيث لم يبق طعما لكذبة نيسان السنوية الفولكلور بعد أن أصبح كل أيام هذا الاعلام أكاذيب .
وأفضع أمثلة الكذب التاريخية كان غزو ومحق وسحق العراق عام 2003 بحجة امتلاكه لأسلحة دمار شامل، التي حَمَلتها وردَّدتها وروّجتها أبرز وسائل الاعلام الارهابي الاستعماري الكذاب، فكان الاجتياح الكارثي المتواصل في الشرق الأوسط .
وللاعلام الاستعماري العنصري دور حاسم في التنميط الحاقد للمسلمين وثقافتهم، الذي بدأ منذ قرون مع استهداف العرب بتنميطهم بالهمج والجهل والشبق والتوحش وأنهم متخلفون وإرهابيون ... لكل شيخ منهم بئر نفط وخيمة وحريم . وفي العقود الثلاثة الاخيرة تواصِل آلهة الارض كماً ونوعاً تصعيد هذا التنميط الشرّير من استهداف العرب الى تزييف وتزوير شامل للاسلام وثقافة المسلمين في صورة وحوش المنظمات الجهادية الأنجلوسكسونية مثل القاعدة وداعش .....
وثقافة الغرب لا إيمانية . ونهجُ بوصلتها تدميري وغرائزي، وتطبيقاته مواصلة الصراع والابادة والتخريب والنهب الحلال المباح المفتوح المفضوح ... عوضاً عن التشارك والتعاون والتضامن والائتلاف .
لذلك فان الاعتماد على الاعلام الاستعماري الكذاب في صدق الاخبار وفهمها وتحليلها أمر خطير لتناقضه مع المصالح الوطنية للشعوب .
غير ان هناك بوادر أمل حقيقي من :
- فقدان الاعلام الغربي مصداقيته عند شعوب العالم، ومنه الغرب نفسه نظرا لتواصل وسرعة افتضاح أكاذيبه المدوية، والتي طالما باعها للناس على أنها حقائق راسخة كتلك التي أعقبت 9 / 11 ، وغزو العراق .
- صعود إعلام آخر، مثل نيكسوس، وويكيليكس، وروسيا اليوم ... وإعلام دول صاعدة كالصين وتركيا وإيران ... الذي يكشف التزوير ويرفع التضليل .
- نور يتطور مع أجيال الشباب الرافض لثقافة الاستعمار والتغريب، والمُنافس في قدرته استخدام التقنية الالكترونية لتعديل البوصلة باتجاه فضح الأكاذيب وكشف الحقائق للعالم مما يجعل المستقبل للشعوب وليس لالهة الارض وإعلامها الشيطاني الشرير .
والاعلام الاستعماري الارهابي الكذاب ليس ظاهرة حديثة ومُعاصرة برزت في القرن العشرين وصعدت مع الاستعمار وهَيْمَنته . وفيما يلي اقتباس من القرن التاسع عشر :
One night, probably in 1880, John Swinton, then the preeminent New York journalist, was the guest of honour at a banquet given him by the leaders of his craft. Someone who knew neither the press nor Swinton offered a toast to the independent press. Swinton outraged his colleagues by replying:
‘There is no such thing, at this date of the world's history, in America, as an independent press. You know it and I know it. There is not one of you who dares to write your honest opinions, and if you did, you know beforehand that it would never appear in print. I am paid weekly for keeping my honest opinion out of the paper I am connected with. Others of you are paid similar salaries for similar things, and any of you who would be so foolish as to write honest opinions would be out on the streets looking for another job. If I allowed my honest opinions to appear in one issue of my paper, before twenty-four hours my occupation would be gone.
The business of the journalists is to destroy the truth, to lie outright, to pervert, to vilify, to fawn at the feet of mammon, and to sell his country and his race for his daily bread.
You know it and I know it, and what folly is this toasting an independent press?
We are the tools and vassals of rich men behind the scenes. We are
the jumping jacks, they pull the strings and we dance. Our talents, our possibilities and our lives are all the property of other men. We are intellectual prostitutes.’ (Source: Labor's Untold Story, by Richard O. Boyer and Herbert M. Morais, published by United Electrical, Radio & Machine Workers of America, NY, 1955/1979.)
والشيء الوحيد الذي تغيّر بعد مرور 138 عاماً على هذا الخطاب أن حال الاعلام الاستعماري الارهابي الكذاب أصبح أسوأ بكثير ! .
“