رغم أن العنف ضد المرأة موضوع قديم ورغم انه ذو صفة عالمية إلا أن الاهتمام به تأخر ولم يسلط عليه الضوء إلا مؤخرا، ولم يصل هذا الاهتمام إلى العالم الثالث إلا منذ فترات قريبة.
إن العنف ضد المرأة يمثل عقبة أمام تحقيق المساواة والتنمية والسلم، ويشكل انتهاكا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية، ويعيق ويلغي تمتع المرأة بهذه الحقوق ويساعد على إبقائها في ادوار تابعة وخفض مستوى مشاركتها السياسية وانخفاض مستوى تعليمها ومهاراتها وفرص عملها.
ما المقصود بالعنف ضد المرأة:
في التعريف الذي يقرره "الإعلان بشان القضاء على العنف ضد المرأة" الصادر عن الأمم المتحدة والمعتمد في كانون الاول1993 ورد إن العنف ضد المرأة هو:
(أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس-أي بسبب كونها امرأة- ويترتب عليه أو يرجح أن يترتب عليه أذى ومعاناة للمرأة سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة).
ليس ثمة شك إن العنف الممارس في العالم ليس ضد النساء فقط إلا أن المقصود هنا العنف الموجه ضد ملايين النساء لأنهن نساء.
وتؤكد التعريفات التقدمية للتعرف الوارد في إعلان الأمم المتحدة أن أفعال الإغفال، مثل الإهمال والحرمان، يمكن أن تمثل أشكالا من العنف ضد المرأة كما تذهب بعض التفسيرات إلى أن العنف الهيكلي (وهو الأذى الناجم عن تأثير تنظيم الاقتصاد على حياة النساء) يندرج ضمن أشكال العنف ضد المرأة.
وقد يتخذ العنف ضد المرأة طابعا جسديا أو نفسيا أو جنسيا ومن أشكاله العنف الذي يحدث في الأسرة أو في إطار المجتمع العام والعنف الذي ترتكبه الدولة أو تتغاضى عنه أينما وقع.
يعتبر العنف الأسري من أشد أشكال العنف ضد المرأة خبثا وهو يسود في جميع المجتمعات. ففي إطار العلاقات الأسرية تتعرض النساء من جميع الأعمار للعنف بجميع أنواعه بما في ذلك الضرب والاغتصاب والعنف النفسي وغيره من أشكال العنف التي ترسخها العادات والتقاليد والقوانين.
ففي العالم الثالث لا تتقاعس الحكومات عن إصدار القوانين اللازمة لحماية المرأة فحسب بل تعمد إلى تطبيق تشريعات تنطوي على الإجحاف بحقوق المرأة والتحيز ضدها.
العلاقة بين العنف والتمييز على أساس الجنس:
إن كل عنف ضد المرأة يتضمن بالضرورة تمييزا وكل تمييز هو بالتالي شكل من أشكال العنف النفسي, فالمرأة تستهدف بالعنف باعتبارها أنثى لا باعتبارها إنسانا أو مواطنة أو غير ذلك, ويتم التعنيف على أساس أنها كائن من نوع خاص أو كائن مؤذ ومصدر فتنة, وليس العنف الذي تتعرض له أمرا طبيعيا أو حتميا وليس لبقائه من سبب سوى أن المجتمع يسمح به أو يغض الطرف عنه ولا تكاد توجد ثقافة في العالم إلا وتنطوي على أشكال من العنف لا تكاد تبصرها العين لأنها باتت تعد أمرا طبيعيا أو مقبولا.
إن عقد الصلة بين العنف والتمييز يكشف ما في التمييز من عنف يتم باسم مبادئ رمزية. وهو عنف بنيوي لا ينبع من الأفراد بل من بنى اجتماعية وقانونية يتبناها الأفراد والمجموعات. وهو عنف هادئ يعمل في صمت، ولكنه يعمل باستمرار، فهو كالطاحونة التي تسحق الأفراد وتحد من آفاق حريتهم, وهو ليس فعلا اجتماعيا منافيا للأخلاق السائدة بل قد يكون فعلا مغرقا في الاجتماعية والانسجام مع الأخلاق السائدة.
العنف والمجتمعات والعنف الرمزي:
لا شك أن المجتمعات تشترك في هذه الظاهرة، ولكن الاختلاف يكمن في حجمها ومدى وعي المجتمعات والحكومات لها. إلا أن الخلاف الأساسي هو في كيفية التعاطي مع هذه الظاهرة اجتماعيا وقانونيا وفي كيفية التعامل مع ضحايا العنف. كما أن المجتمعات تختلف أيضا في نقطة أساسية هي مدى إدانتها العنف أو تبريرها إياه باسم مبادئ رمزية مستمدة من الدين أو العادات والتقاليد, كما تختلف في الأشكال الثقافية التي يتخذها هذا العنف,فالعنف يشتد عندما يمارس باسم مبدأ رمزي يعتبر أسمى من ممارس العنف والضحية معا.
هذا هو العنف الرمزي الذي يتحدث عنه عالم الاجتماع الفرنسي بيار بورديو، ويقول عنه إنه عنف هادئ لا مرئي ولا محسوس حتى بالنسبة إلى ضحاياه, ويتمثل في أن تشترك الضحية وجلادها في التصورات نفسها عن العالم والمقولات التصنيفية نفسها, وأن يعتبرا معا بنى الهيمنة من المسلمات والثوابت. فالعنف الرمزي هو ذلك العنف الذي يبدو بديهيا ويفرض نفسه على الضحية والجلاد والقاضي ويقول عن نفسه أنه ليس عنفا.
هذا العنف الثقافي هو الذي نجد له صدى في المادة الرابعة من الإعلان العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة المتبنى عام 1993 والتي تنص :(على الدول إدانة العنف ضد المرأة ولا يجوز الاستشهاد بأي عادات أو تقاليد دينية لتجنب التزاماتها,فيما يتعلق بالقضاء على العنف).
تتوقع هذه المادة العنف الذي يتم باسم مبدأ رمزي ما, وتدرك عنف هذا العنف ورسوخه ولذلك فإنها تؤسس مبدأ عدم إمكان التحفظ عن إدانة العنف, ومع ذلك فان مبدأ عدم التحفظ هذا هناك دول أطراف تتحفظ عليه!
العنف في العالم:
بينت إحصائيات دولية أن واحدة من بين كل ثلاث نساء في العالم تتعرض على الأقل مرة في حياتها للضرب أو لصنوف أخرى من الاعتداء أو الإيذاء, وأن أكثر من ستين مليون أنثى حُرمن من الحياة جراء عمليات الإجهاض الانتقائية الرامية إلى التخلص من البنات.
ولا يمر عام دون تعرض آلاف النساء للاغتصاب وخاصة في النزاعات المسلحة والنزاعات العرقية, بهدف تجريد المرأة من آدميتها واضطهاد الفئة التي تنتمي إليها حتى بات الاعتداء على النساء يصنف كجريمة حرب.
ففي الهند العنف مسؤول عن اختفاء نصف مليون فتاة سنويا.
بينما 130 ألف امرأة في أفريقيا يعانين من التشوهات والأمراض بسبب عملية الختان، والعدد مرشح للزيادة بسبب استمرار هذه العادة.
كما يتم سنويا تهريب الفتيات من البلدان الفقيرة بحجة العمل ويتم إجبارهن على الدعارة.
العنف في المجتمع السوري:
تختلف المجتمعات الشرقية في نسبة العنف فيها ولكنها تتشابه في أشكاله وآلياته ولعلنا من خلال إلقاء الضوء على هذه الظاهرة في المجتمع السوري نستطيع إلقاء نظرة على المجتمعات المشابهة.
في الدستور السوري "كل المواطنين متساوين في الحقوق والواجبات"، لكن الواقع الماثل يؤكد أن العديد من الممارسات العنفية تستمد شرعيتها من القانون. كما أن العنف والتمييز لا زالا واقعا قائما يستمد شرعيته من المجتمع ومن القانون الذي يغض الطرف.
ولنتابع بعض ظواهره:
• العديد من النساء يحرمن من الحياة بحجة "جرائم الشرف" تحت حماية القانون عبر المادة 548 من قانون العقوبات التي تمنح الحق للرجل في أن يصدر الأحكام وينفذها عبر منحه العذر المحل منا لعقوبة "دفاعا عن الشرف"! والمادة 192 من القانون نفسه. مما يتعارض مع الدستور وحقوق الإنسان والشرائع السماوية التي لا تبيح قتل النفس.
• وتغيب المساواة أمام القانون بما في ذلك قانون الجنسية حيث تحرم المرأة من منح جنسيتها لأطفالها.
• الإجحاف في قوانين الأحوال الشخصية التي تمنح للرجل حقوقا تمييزية تسبب للمرأة أذى نفسي واقتصادي.
• جرائم الاغتصاب من قبل الغرباء أو ذكور العائلة والتي غالبا ما تعاني الضحية نتائجها وحدها خوفا من المجتمع وفي حال الادعاء فان زواج المعتدي من ضحيته يسقط الحق في مقاضاته.
• لا يزال الضرب يمارس من قبل ذكور العائلة كوسيلة للإهانة والعقاب.
أما التحرش المادي أو اللفظي فلا يزال دون روادع جدية مما يحد من حريات المرأة الأساسية, وغالبا ما يجرم المجتمع المرأة ويجرم سلوكها بدلا من تجريم المتحرش.
ويلاحظ أن المرأة في الريف والمجتمعات الفقيرة تعاني من أشكال إضافية من العنف مثل الحرمان من الإرث، العمل المرهق غير المأجور، زواج البدل والزواج المبكر، الحرمان من التعليم وخصوصا العالي منه,هذا بالإضافة للأشكال السابقة.
يترافق كل هذا مع غياب المؤسسات والمنظمات التي تساعد ضحايا العنف وتعيد تأهيلهم, والتجاهل شبه التام من قبل المجتمع ووسائل الإعلام.
ربما تختلف درجة العنف الممارس ضد النساء وأسبابه من مجتمع لآخر إلا انه واقع يجب العمل على تغييره كخطوة أولى على طريق تمكين المرأة من ممارسة حقوقها وتأكيد مكانتها كانسان له الحق في التمتع بكافة الحقوق.
وذلك لن يكون إلا من خلال فك جدار الصمت حول هذه المشكلة واتخاذ التدابير المناسبة لحماية النساء المعنفات قانونيا,وتعديل القوانين التي تجحف بالمرأة وتشجع على العنف.