فيما يلي مُقْتطفات من مقال: ( علي عبد العال، المحافظون الجدد: منظرون لخراب العالم، مجلة أدب ونقد، القاهرة، نوفمبر 2007، ص. 53 – 81 )، الذي يعكس الاستهداف الاستراتيجي للعراق في أجندات النخب الاستعمارية، وخطورة الأفكار الواردة فيها، مثل : "إقامة دولة فلسطينية على أرض العراق"، و"تحويل العراق قاعدة عسكرية دائمة للولايات المتحدة في المنطقة"، و استباحة دماء الشعب العراقي، و"تحقيق أمنية اسرائيل الكبرى"، و "سياسة المواجهة طويلة الأمد ومتعددة الأشكال مع العالمين العربي والاسلامي" ... وغير ذلك من أطروحات شيطانيّة عَوّقَتها المقاومة العراقيّة الوطنيّة الباسلة .
لكنّه، وعوضاً عن سقوط الهجمة الامبريالية القائمة ومشروعها للشرق الأوسط الكبير، فانها تتوسّع بإفرازات مُذْهلة من القتل والتدمير والنهب والحروب المحليّة والاقليميّة، التي تنْقُل العالم من شرّ الى أشرّ، ومن خَطَرٍ الى أخْطر:
" تمثل "الفوضى الخلاقة" نظرية المحافظين الجدد في التعامل مع العالم من حولهم . إذ تعني الفكرة باختصار : إغراق الجماهير بالفوضى كيّ تتمكن الصفوة من ضمان استقرار وضعها ."
"وطبقاً لما يذكره المتخصّصون بفكر ليو شتراوس ــ أحد أساطين المحافظين الجُدد وفيلسوفهم ــ فإن السلطة الحقيقية لا يمكن ممارستها إذا ما بقي المرء في حالة ثبات، أو حافظ على الوضع الراهن، بل على العكس، ينبغي العمل على تدمير كل أشكال المقاومة ."
" ومن بين ما تقوم عليه الفكرة : استبدال الدول القائمة بدويلات أصغر تتسم بأحادية الطابع العرقي، وتحييد هذه الدويلات بجعل كل واحدة منها ضد الأخرى على نحو مستمر. وبعبارة أخرى، فالفكرة تتضمن تدمير الدول القائمة من أجل إنشاء كيانات ضعيفة يسهل توجيهها والتلاعب بثرواتها ومقدراتها ."
" وتبرهن أجندة "لجنة الخطر الداهم" ــ حسب مراقبين ــ على ما أشار إليه ( ليندون لاروش ) المرشح الديمقراطي السابق للرئاسة الذي يرأس "لجنة لاروش" للعمل السياسي . ففي مذكرة إستراتيجية كتبها، يقول لاروش : إن هدف الآفة المسماة إدارة بوش تشيني هو إزالة كل ما يتعلق بوجود الدولة القومية ذات السيادة، وذلك باستخدام أداة "الحروب الأبدية". وكتب لاروش مخاطبا بشكل خاص أولئك الذين يعتقدون في دول العالم وداخل الولايات المتحدة أن بمقدورهم العيش مع فترة رئاسية جديدة لبوش وتشيني، ما يلي : "إن هدفهم هو ليس إخضاع مناطق معينة سياسيا كمستعمرات، بل إزالة جميع المعوقات التي تقف في طريق النهب الحر للكوكب ( الأرض ) ككل . إن نيتهم هي ليست فتح أراضي جديدة، بل تحقيق إزالة كل بقايا السيادة القومية وتقليص عدد سكان العالم من البشر إلى أقل من مليار نسمة… فهدفهم في أفغانستان والعراق على سبيل المثال هو ليس السيطرة على هذين البلدين، بل إزالة أمم قومية عن طريق إطلاق قوى الفوضى والدمار. هكذا سيكون من قبيل خداع النفس بشكل كبير اعتبار فشل العمليات العسكرية في العراق كفشل لنية إدارة بوش . فنيتها هي التدمير الذاتي لآخر بقايا سيادة الدولة القومية، وهذا ما يحققون فيه نجاحات كبيرة في الوقت الراهن"."
" وتحت عنوان : "كسر نظيف : إستراتيجية جديدة لتأمين مملكة ( إسرائيل )" تم صياغة وثيقة في العام 1996، على يد مجموعة من مفكري المحافظين الجدد، تضمنت مشروعاً استعمارياً واسعاً للشرق الأوسط، وقد هُيئت من قبل فريق من الخبراء جمعهم ريتشارد بيرل ثم أعطيت لبنيامين نتنياهو. وباختصار فإنها تمثل أفكار وأطروحات الصهيوني فلاديمير جابوتينسكي، إذ دعت الوثيقة إلى: إلغاء اتفاقيات أوسلو للسلام، والقضاء على الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، وضم الأراضي الفلسطينية، إلى جانب الإطاحة بصدام حسين لزعزعة استقرار سوريا ولبنان في سلسلة من الأحداث . وتفكيك العراق وإقامة دولة فلسطينية على أراضيه . واستخدام إسرائيل كقاعدة تكميلية لبرنامج حرب النجوم الأمريكي ."
" ويعتقد المحافظون الجدد أن العالم الإسلامي عموماً والشرق الأوسط خصوصاً، هما نقطة انطلاق أمريكا في سياستها لإعادة بناء النظام العالمي الجديد . إذ يربط الجدد بين النازية، والشيوعية، والحركات الإسلامية، وهو ما تجلى في خطب جورج بوش، حين يربط بشكل تعسفي ومجرد بين هتلر ولينين وحماس وحزب الله وما يصفه بـ ( الإسلام الفاشي ) في حزمة واحدة ."
" يرى (ايليوت كوهين) أحد أكثر أكاديميي المحافظين الجدد تأثيراً والذي بدأ نجمه يسطع داخل الإدارة الأمريكية بعدما عينته وزيرة الخارجية كوندليزا رايس مستشاراً لها . يرى كوهين أن العالم يعيش الآن حرباً عالمية رابعة ضد العالم الإسلامي ."
"فهم يتهمون ديناً كاملاً بأنه يحرض على العنف ويخلق جواً ثقافياً يقود إلى الإرهاب، ومن ثم يؤمنون بأن الخطر الأساس الذي يهدد أمريكا هو خطر الإرهاب الذي تقوم به جماعات مسلمة بالأساس . يقول ريتشارد بيرل :"إن السياسة الوحيدة الممكنة للغرب وللولايات المتحدة، في كل حال، هي سياسة المواجهة طويلة الأمد ومتعددة الأشكال مع العالمين العربي والإسلامي"."
" من المعروف أن صياغة جزء كبير من كابوس ( الشرق الأوسط ) الحالي، تمت على عين المحافظين الجدد وحسب رغبتهم وتوجهاتهم . إذ تعد المنطقة العربية و( الشرق الأوسط ) عامة، مركز دائرة التفكير الجيوسياسي لدى المحافظين الجدد، الذي يعتقدون أنه يجب أن يتبدل طوعاً أو كرهاً، وأن يأخذ التبدل المنشود ( إسرائيل ) في حسبانه ."
" ويقدم كتاب America Alone لمؤلفيه Stefan Hapler و Jonathan Clarke ــ الخبيران في السياسة الخارجية ــ التفسير وكيف أن مجموعة الجدد اختطفوا السياسة في كل من أمريكا وبريطانيا تحت مزاعم مكافحة الإرهاب ظاهرياً، في حين كان الهدف هو إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط حتى تظل دائرة في فلك السياسة الأمريكية ومستجيبة لإيحاءاتها وتوجهاتها، ومتقبلة لفكرة التدخل الأمريكي في شؤون دولها الداخلية ومتقبلة لفكرة حروب أمريكا الوقائية .
ونشير في هذا الصدد إلى تقرير "إستراتيجية الدفاع لعقد التسعينيات" الذي أعده ديك تشيني وزملاؤه عام 1992 ــ أي قبل ثماني سنوات من وصوله إلى منصبه الحالي كنائب للرئيس ــ واختار هو وزملاؤه من المحافظين الجدد العراق كهدف لتطبيق تلك الفلسفة خدمة لأمن إسرائيل، ولتحويل العراق قاعدة عسكرية دائمة للولايات المتحدة في المنطقة."
" ولكن الأهم من هذا كله، هو تحقيق الحلم التوراتي بالنصر على ملك بابل وتدمير عرشه، ومن ثم قتله واستباحة دماء شعبه، ثم تحقيق المشروع الصهيوني القديم الذي ينص على تفتيت بابل، والدول المجاورة لها لتكون على شكل دويلات وكيانات متناحرة، كي تتحقق أمنية إسرائيل الكبرى . وبهذا تتمكن إسرائيل من تحقيق معظم أحلامها التوراتية والدينية والسياسية والإستراتيجية، من دون أن تهدر قطرة دم يهودية واحدة ."
" أكد هذه الحقيقة الجنرال ( انتوني زيني ) الرئيس السابق للقيادة الوسطى الأمريكية، التي نفذت غزو العراق حين قال : "إن المثقفين اليهود المعروفين بالمحافظين الجدد هم من أشعل حرب العراق خدمة لإسرائيل" وحدد ثلاثة أسماء بارزة هم ( بول وولفوفيتز ) نائب وزير الدفاع الأمريكي لشؤون التخطيط أثناء غزو العراق، وقد سبق أن شارك في صياغة الوثيقة المعروفة باسم "عقيدة بوش" التي تلخص الحروب الاستباقية التي تبناها الرئيس الأمريكي . أما الشخصية اليهودية الثانية فهو ( دوجلاس فيث ) مسؤول السياسة الدفاعية أثناء غزو العراق، والشخصية اليهودية الثالثة من المحافظين الجدد الذين ذكرهم الجنرال زيني، هو ( ريتشارد بيرل ) وقد شغل منصب رئيس مجلس السياسة الدفاعية التابع لوزارة الدفاع الأمريكية من يوليو 2001 وحتى 2003، وقد ابعد من منصبه على خلفية ما نشر عن تورطه بتلقي عمولات من قبل إسرائيل عن صفقات سلاح بمليارات الدولارات من بينها تطوير الطائرة الحربية الإسرائيلية ( لافي ) ."
" وقد كتب ( أري شافيت ) في صحيفة "هارتس" الإسرائيلية متبجحاً في 15 إبريل 2004 : إن "حرب العراق كانت من بنات أفكار خمسة وعشرين شخصاً من المحافظين الجدد أغلبهم من اليهود" وجاء في مقال للكاتب وداعية السلام الإسرائيلي أوري أفنيري تحت عنوان "بعد انقضاء الليل" يحدد فيه المجموعة التي بادرت إلى الحرب وغزو العراق بأنها "خليط من المتدينين المسيحيين المتطرفين والمحافظين الجدد من اليهود"."
" إذ تنادى هؤلاء للحرب على العراق قبل وقت طويل من هجمات سبتمبر 2001، حتى أصبحت مسألة العراق من الأفكار الثابتة لديهم . فقد كتب وليام كريستول ولورانس كابلان وهما مثقفان من صلب التيار الذي يرسم مخططات إدارة بوش كتاباً قبل بدء العمليات ضد العراق بعنوان "طريقنا تبدأ ببغداد" قالا فيه : "تعتبر حرب العراق اختبار تحدٍ لما بعد الحرب الباردة"."
" وكتب «كينيث أدلمان» وهو ناشط من المحافظين الجدد وموظف في البنتاجون عمل مع مجلس السياسة الدفاعية حتى عام 2005، افتتاحية شهيرة في صحيفة "واشنطن بوست" في فبراير 2002، قال فيها : "أؤمن بأن تدمير قوة صدّام حسين العسكرية وتحرير العراق سيكون في غاية السهولة". ولقد رأوا في تبديل نظام بغداد ظرفاً ملائماً للبرهان على صحة منطقهم، فأطلقوا بلاغهم القائل: من الآن وصاعداً أمريكا هي القوة العليا على الكوكب، ولها السلطة، ومن واجبها إعادة رسم خريطة العالم بعد الحرب الباردة ."
" وفي إطار العراق، كانت قناعتهم أن سقوط صدام حسين سيبدل صورة وأوضاع المنطقة العربية، ويمكّن النفوذ الأمريكي فيها بصورة مطلقة . ومن ثم اتخذوا من أكذوبة "أسلحة الدمار الشامل" ذريعة ملهمة رغم أنهم يعلمون أن صدام حسين لا يملك تلك الأسلحة، ولما كان عليهم أن يقنعوا الشارع الأمريكي بأحقية هذه الأكذوبة، أخرجوا حملة إعلامية صاخبة جيشوا لها محطات ومؤسسات ومراكز ."
" وكان روبرت جوزيف المسؤول في الإدارة الأمريكية ــ وهو المعروف بعلاقاته الوثيقة مع مؤسسات الأبحاث الموالية لإسرائيل كمركز "فرانك غافني للسياسة الأمنية" ــ الذي دس في خطاب جورج بوش عام 2003 عن حالة الاتحاد الخبر الكاذب الخاص بشراء العراق لليورانيوم من النيجر، وهي الأكذوبة التي أقنعت الكونغرس والرأي العام الأمريكي بضرورة شن الحرب ضد نظام الرئيس صدام حسين."
" إلا أنه وبعد سنوات الدمار التي أصابت هذا البلد العربي أثبت العراق ــ بفضل سواعد أبنائه في المقاومة الوطنية ــ فشل عقائد المحافظين، كما أثبت أيضاً كم هؤلاء مغرورون ومثاليون وغير قادرين على فهم حدود القوة الأمريكية.. خاصة وأن الحجج المقدمة لتبرئة هذه الحرب قد فُضحت أمام الأشهاد وبات الذين اختلقوها يتبرؤون منها ."
" يقول وليام كريستول ــ الذي يعد الأب الروحي للجيل الحالي من المحافظين الجدد ــ : "إنه لا مفر أمامنا من إثبات قدرتنا على النجاح في العراق لأن فشل المشروع الأمريكي هناك سيشكل انتكاسة كبرى للمحافظين الجدد"."