يُظْهِرُ الاقتباس التالي موقع المستعمرات في الاستراتيجية الأمريكية:
When Tony Blair’s foreign policy advisor, Robert Cooper, called for a “new imperialism” that allows “well-governed” western nations to impose order and stability on the world, it was seen as a prescription to re-order the post-9/11 world, although the essay had been written earlier.
Stating the “need for colonisation”, Mr Cooper argues that active intervention is sometimes necessary. “Among ourselves we operate on the basis of laws” but when dealing “with more old-fashioned kinds of states outside the post-modern continent of Europe, we need to revert to the rougher methods of an earlier era — force, pre-emptive attack, deception, whatever is necessary to deal with those who still live in the 19th-century world...”
(http://www.globalresearch.ca/articles/RAM207A.html, Shastri Ramachandran, New Imperialism: Future lies in the past, Times of India, 16 July 2002)
وتعكسُ الجرائم الراسخة والمتواصلة للنخب الاستعمارية على الأرض صِدق هذه الفلسفة الشرّيرة التي يقودها الاتحاد الأنجلوسكسوني من ضفتي الأطلسي .
- في 19 ديسمبر 1971 غادَرت آخر قوّة استعمارية بريطانية قواعدها العسكرية في الخليج الاسلامي . وفي نفس اليوم أخذت مكانها قطع حربية من الأسطول الأمريكي . أي تمّت مقايضة سرّية بين الاستعمارين بما لايمتلكان: بريطاني يُغادِر، وأمريكي يحتلّ مكانه، وعيونه على بلاد العرب التي أطلق عليها: الشرق الأوسط، الموقع الأول في اقتصاد العالم .
وتبعَ ذلك خطوات حثيثة للزحف الدموي التدميري خلّفَ جروحاً غائرة لتنفيذ سيطرة الامبراطورية الأمريكية على الشرق الأوسط ... طريقها للهيمنة "الأبدية" على العالم .
- في عام 1973 استبدلت الولايات المتحدة الغطاء الذهبي للدولار بالنفط : البترودولار؛ وأصبح الآخرون يدفعون ثمن الرقم الذي يَنْقُشه الصهاينة على الدولار .
- في يناير 1980 ألقى جيمي كارتر خطاباً عن حالة الاتحاد ذكر فيه : "ليكن موقفنا واضحا تماما : محاولة أي قوة خارجية للسيطرة على منطقة الخليج ستعتبر هجوما على المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية، ومثل هذا الهجوم سيتم صده بأي وسيلة ضرورية، بما في ذلك القوة العسكرية"؛
- في سبتمبر 1981 شنّ عميل الغرب الاستراتيجي صدام حسين، وبأمر من أسياده، حرباً إجراميّة ضدّ إيران استمرّت ثماني سنوات صبّت فوائدها أرباحاً عظيمة للغرب . وخَسرَ الجاران المُسلمان ملايين الشهداء والمعطوبين، ومئات مليارات الدولارات، ودماراً كبيرأً في البنى المعمارية .
- في أثناء الغزو السوفيتي لأفغانستان (1979-1989)، الخاطئ إنسانيا وثقافياً واقتصادياً وسياسياً وعسكرياً وتاريخياً ... صاغَت آلهة الأرض "القاعدة" وغيرها من منظمات الجهاد الاستخباراتي الأمريكي لاسقاط الاتحاد السوفيتي، أرقى إنجاز ثقافي للانسان في القرن العشرين رغم ما شابهُ من شوائب، وبعد تحقيق ذلك اشتغلت آلهة الأرض، ولا تزال، بمنظمات الجهاد هذه لضرب العرب والمسلمين ببعض، ونَهب مواردهم بأكاذيب الديموقراطية وحقوق الانسان وتحرير الشعوب من حكامهم المستبدين القتلة الفاشست ... الذين هم عُملاء وصنائع أمريكا وذيولها في الأطلسي؛
فمنذ النصف الثاني من القرن العشرين استحدثت النخب الاستعمارية أسلوب العملاء الذين يقودون مُنظمات إرهابية تُستخدم لتحقيق أهداف محدّدة ثم القضاء عليها، مثل حزب البعث، والقاعدة، وداعش ... ومِنْ مهام هذه المُنظمات تخريب بلدان العرب والمسلمين. وتدمير تراكم قرون من البناء الاقتصادي والاجتماعي والعمراني والفكري والثقافي . واقتلاع ثقافة المسلمين من ذاكرة الانسان وخاصة شعوب المنطقة لتسهيل برمجة تغريب الاجيال الجديدة، وتحويل فضائهم الجغرافي إلى مجرّد سوق لمنتجات الغرب ومجالاً عالمياً للسياحة والترفيه .
لذلك فان الهَجْمَة الغربية الصهيونية الشرسة الحالية فاصلة تاريخياً في حياة ومصير المسلمين وثقافتهم ومواردهم .
- في عام 1991، وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي وتَيَقُّن الغرب من موت الشيوعية، استبدلتها أمريكا بمؤامرة "الارهاب الاسلامي"، وكأنّ الارهاب يُنسبُ للدين، وأن قروناً من الاستعمار لم تكن إرهاباً . وبأكاذيب مُحاربة الارهاب دمّرت العدوانية الأطلسية حتى الآن سبع بلدان ودول مسلمة . ولولا هزيمة الغزاة في العراق لتعرّضت بلدان أخرى للغزو بدليل تواصُل المشروع الامبراطوري الامريكي في الشرق الاوسط رغم تعثّره ؛
- في 9/11 نفّذت آلهة الأرض مؤامرتها الاستراتيجية لتثبيت الخطّ العام الامريكي للهيمنة على العالم، والشروع في التنفيذ؛
للولايات المتحدة، كما لغيرها من الدول العظمى، مؤسسات بحوث ودراسات اقتصادية ومالية وسياسية واجتماعية وثقافية وعلمية وتقنية وعسكرية وأمنية ... يعمل فيها جيوش من المُختّصين والخبراء الذين يُقَدمون المَشْوَرة للسياسيين لاتخاذ قراراتهم . تُساعدهم في ذلك طوابير من عملائهم من مواطني المستعمرات وخونة شعوبهم وثقافاتهم ممن يُزَوِّد النخب الاستعمارية بأسرار المستعمرات، ويديرها نيابة عن الغرب لتحقيق مصالحه .
ومن قلب هذه المنظومة المدروسة علمياً يحتلّ العراق أهمية إستثنائية في الامن الاستراتيجي الامريكي، الذي مَثَله كمَثل إسرائيل والخليج الاسلامي. وتبعاً لذلك فقد كان تخريب العراق بالحروب والمقاطعة ... ثم بالغزو والاحتلال. ولا يهمّ في هذه المسيرة الشرّيرة نوع واتجاه الادارات المتعاقبة على البيت الابيض . فجميعها يُطَبِّق الخط العام لمؤسسة وإستراتيجية الدولة الاستعمارية .
وهذا الخط ليس للدعاية والكذب واللهو والالهاء في مهرجانات وكرنفالات الانتخابات الأمريكية . بل هو مشروع الدولة للتطبيق بالتنفيذ والمتابعة والتطوير والابادة والتدمير ... والقرصنة: فهناك ثلاثة مواقع كبرى للنهب الاستعماري في بلاد العرب تدرّ أرباحاً خيالية: الموارد الطبيعية، تدمير العمار لاعادة تشييده، وصفقات التسلح وإثارة الحروب .
صرّح هنري كيسنجر في سبعينات القرن العشرين، أنّه لايجوز لثلاث قوى التدخل في شؤون المنطقة العربية: اوروبا الغربية، واليابان، و.. العرب. أي أنّ التخلّف والظلم والاستبداد والفساد والافساد هي سياسة أطلسية إستراتيجية جعلت بلاد العرب في حالة استقطاب مخزي بين ثراء بلدانها، وفقر شعوبها المروَّعة، وبين قراصنة من غزاة وعملاء يحتكرون القوّة والثروة .
هذه هي دولة أمريكا الشيطانيّة العظمى التي تَحْكُمها وتُوجهها آلهة الأرض الصهيونية .
قال بوش الابن عام 2004 بأنه حتى لو كان يعرف قبل الحرب بعدم وجود أسلحة دمار شامل في العراق فانه كان سيجتاح العراق . ويؤيد هذا استمرار أمريكا بتنفيذ مشروع الشرق الاوسط الكبير من خلال مزيد من محق وتدمير الصومال وأفغانستان و العراق وسورية وليبيا واليمن وزحف داعش على سيناء، وبوكوحرام في نيجيريا، والشباب في الصومال وكينيا ... واستهداف إيران وتركيا والسعودية ومصر وبلاد المغرب ...
ولا بدّ من استمرار نهب نفط العراق لتمويل هذا المشروع ومدِّهِ بطاقة التنفيذ والمتابعة .
عانى العراق ولا يزال من استعمار مباشر، واستقلال كاذب، وحروب مُتّصلة وغزو بأدوات متجددة ... وكل هذا يمرّ دون انجاز شئ يذكر في مجالات الاستقلال والديموقراطية والامن والبناء . فالهة الارض لايعنيها إصلاح وتنمية لا في العراق ولا في غيره من المستعمرات . بل تعنيها القرصنة فقط : الابادة والنهب والهَيْمنة .
والفساد قائم ويستشري ويتطور ويتنوع ويتعمق على مهاد من تكتيكات وحرباوات الفوضى الخلاقة والعملية السياسية والمصالحة والمحاصصة والفتنة والطائفية والتغيير والاصلاح وإعادة تشكيل أوهام الحرية والديموقراطية والتكنوقراطية وفرق تسد والفدرلة وخروج الغازي وبقائه وعودته ... واشاعة شبكات من النظم الدونية كالخرافات والسحر والكفر والالحاد والعدمية والجهل والبطالة والافقار والتجويع ... وبثّ سرابات الاماني والامال الخيالية الكاذبة والشائعات ونشر المظاهر السلبية والبشعة لثقافة الغرب كالمخدرات، وزواج المثليين ... والاستهلاك العالي ... والمكارثية الجديدة . .. وخلق الازمات والكوارث لاشغال الناس بالتفاصيل وردود الافعال اليومية والصغائر والفروع ... التي تستهلك الطاقات الابداعية للعراقيين ... وتلغيم مسارات الحلول وكل ما يُعَوِّق العراقي والعراق ... والعرب والمسلمين من النهضة المعاصرة .
ويجري ذلك على خلفية ناس غافلين ومتخلفين، انتاجيتهم ضعيفة، ومنقادون للساسة العملاء حتى الموت ! إنْ لم يتغيّروا فلن يتغيّر شيئاً: لا تقدّم ولا تطوير ولا تنمية، بل استمرار التراجع الشامل سنة بعد أخرى .
ويموِّل هذا الخراب ميزانيات ضخمة لتطوير مؤسسة التخلف، وضمان مسيرة الفوضى الخلاقة، وشراء الاسلحة التي لاتستخدم ضد الاستعمار والاحتلال واسرائيل، بل للابادة المتبادلة، حتى بات الناس يقارنون مابين ظلم صدام بمن أعقبه من عملاء، أو بين الاستعمار المباشر والاخر الذي لم يُغادر . وأصبح العراق مختبراً لتنفيذ مؤامرات الاستعمار؛ والعراقيين فئران تجارب في هذا المختبر .
فالعراقي والعراق هما الخاسران دائماً في أتون جحيم الاستعمار وعملائه . وعلاوة على استهداف العراقي والعراق لذاتهما، فهما مُسْتَهْدَفان كبوّابة ومفتاح . وفي ذلك تقول كونداليسا رايس صاحبة الفوضى الخلاقة : " إنّ تغيير العقل العراقي هو مفتاح تغيير المنطقة" .
إنَّ تواصل الاستعمار خارج عن الحق والعدالة والمنطق والحكمة ... وينحى لمزيد من الشرّ والهمجيّة والظلم والوحشيّة. وقد آن لهذا الواقع الظالم أن يتغيّر . وستفرض الشعوب تغييره عاجلاً أم آجلاً .
لم تتأبّد قوّة أو إمبراطورية عبر التاريخ . بل تَصْعد وتَشيخ وتَعْطب وتتفكّك وتتفسّخ . وبالنسبة لامبراطورية الغرب القائمة، فانها تُجابِه ظواهر نوعية كبرى في مقدمتها التغيّر المناخي الذي لايفرِّق بين فقير وغني، ولا مُرفَّه ومُتخلف . وصعود وعي شعوب المستعمرات. وظهور تيارات ثقافية في الغرب ترفض الهيمنة الاستعمارية، وتطالب بالاستقلال الحقيقي الضامن للحرية والديموقراطية والتطور . ومَيْل الميزان الديموغرافي الحاضر والمستقبلي في صالح بلدان الجنوب . كما ان الراسمالية المرفهة لاتعني فقط الاحياء الراقية في لندن وباريس ونيويورك ... بل تشمل كذلك عار الفقر وأحياء الصفيح في مدارات المدن الغربية الكبرى وغيرها في مختلف أرجاء العالم الراسمالي . وهو عامل ضاغط من داخل مجتمعات الغرب . إضافة الى تحوُّل بعض الارهابيين المصنوعين في الغرب، مثل داعش، من ضرب المسلمين، كما تعاقدوا مع الأنجلوسكسون، الى ضرب الغرب . وكذلك إضعاف سطوة الدولار بظهور اليورو، وصعود اليوان والروبل. الى جانب أفول احتكار الهيمنة الغربية على القوّة والاعلام بنهوض بلدان بريكس وغيرها من قوى لاتدافع عن نفسها ضد الغرب فحسب، بل تزاحمه. حتى ان جون كيري اشتكى من خسارة أمريكا للحرب الاعلامية أمام مؤسسة واحدة هي "روسيا اليوم"، بينما يعمل الغرب بعشرات المؤسسات الاعلامية الارهابية الكذابة منذ قرون.
وقد نجم عن ذلك وغيره انتشار وشيوع استنكار وازدراء واحتقار وكراهية الانسان في كل مكان للاستعمار وللسياسة الامريكية والغربية ولالهة الارض والنخب الاستعمارية الارهابية والعدوانية العفنة .
لذلك يعمل ساسة الغرب، على صياغة وتنفيذ مؤامرات متلاحقة لتوسيع وتعميق الفجوة الرهيبة سياسياً واقتصادياً وثقافياً وحضارياً وديموغرافياً بين الشمال المُرَفّه والجنوب المتخلف . ومن ذلك القضاء على أكثر مايمكن من سكان العالم ( مشروع المليار الذهبي ) ونهب كل مايمكن من ثروات الارض كحقوق طبيعيّة للقراصنة . تماماً كما ينهبون نفط العراق وينقلون مخزونه الاحتياطي الى الولايات المتحدة .
ولولا التوازن المعرفي والعسكري والاقتصادي بين الغرب من جهة وروسيا والصين والهند والبرازيل وإيران من جهة أخرى لما كان هناك حاجزاً من تنفيذ مشروع الشرق الاوسط الكبير باقوى شراسة وبربريّة . والانطلاق لضرب روسيا والصين وايران . وفي ذلك يقول كيسنجر: "الحرب العالمية الثالثة على حافة الاشتعال وستسيطر اسرائيل على نصف المنطقة العربية ... إن أجراس حرب عالمية ثالثة قد بدت تدق في الأفق وطرفاها هم الولايات المتحدة من جهة والصين وروسيا وايران من جهة أخرى".
فهل سيهرب الغرب الى الامام بافتعال حروب أخرى قد تقود الى كارثة شاملة ؟. أم انْ يكون باستطاعة مثقفي وحكماء الغرب الانسانيين الشرفاء النزيهين، وبدعم من المظلومين في كل مكان، فرض طريق آخر يدحر البربرية والهمجية والانانية الاستعمارية، ويقدّم للعالم مشروعا قابلا للحياة يقوم على أساس انّ الارض وما فيها وعليها مُلك إنساني مشاع، وانّ من مصلحة الجميع صيانة الكوكب، الذي اذا تهدّم فسيقع على رؤوس الجميع، وانّ الحرية حق إجتماعي في حياة كريمة ينعم خلالها الانسان بالعمل والانتاج والرفاه والراحة والاستمتاع بالحب والفن والجمال ... من خلال توزيع عادل وظيفياً للثروة وفائض قيمة العمل المنتج .
فبدون التعايش السلمي سيبقى الشدّ والارهاب والترصّد والخوف قائماً في العالم بين الاثرياء والفقراء . وإنها لمعجزة ان يخرج الغزاة من الفخ الذي نصبه لهم طغيانهم وهيمنتهم واستكبارهم وظلمهم وجهلهم وعنصريتهم وأنانيتهم .
وربما لن يبقَ هناك أملا بخلاص الانسان وانتزاعه لحريته والعيش بسلام فيما تبقّى من هذه الدورة الحضارية على سطح الكوكب الا بالمقاومة الشعبية المسلحة، أو الغرق جميعاً في جنون الربا والارباح والإحتكار والجشع والكَنْز .
وفي ذلك نقتبس:
If we continue to use our might to destroy and intimidate others, the day will come when we'll pay a price. The events of Sept. 11 might be considered a down payment. We simply cannot beat up on others indefinitely and get away with it. The pendulum swings in both directions. http://www.sfgate.com/politics/article/Oil-Instead-Of-Blood-2787090.php, Harley Sorensen, Oil Instead Of Blood, Monday, August 5, 2002).