كَوَّنت مؤسسة الثقافة الاستعمارية لجنة تشيلكوت "المُسْتَقِلّة" عام 2009 للتحقيق في مشاركة بريطانيا في غزو العراق . وفي هذه اللجنة مَنْ دَعَمَ غزو العراق .
وبعد مرور 13 عاماً على التواصل البَشِع لجريمة غزو العراق، وسَبْع سنوات على عمل لجنة تشيلكوت، تكرّمت اللجنة بتوجيه لَوْم وانتقاد لتوني بلير!.
صدرَ تقرير اللّجنة بعد فوات الأوان، وضاعت فيه الحقائق بين ثنايا الحَذْلَقّة لتغطية عورات النخب الاستعمارية ومُجرمي الغزو. والتقرير لا يسمّي الاشياء بأسمائها؛ مما يُذَكِّر بتعابير الغزاة عندما كانوا يُبيدون العراقيين في مراحل الغزو الأولى بضربهم من الجو والبر والبحر ويطلقون على الضحايا متفجراتهم .
تُرى ما الجديد في هذا التقرير ممّا لايعرفه العالم، والذي بَدّدَ أكثر من عشرة ملايين جنيه استرليني أكثر من كونه مجلّدات ضخمة تُضاف إلى موسوعة تراث الثقافة الاستعماريّة؟. فقد تمخّض تشيلكوت ولجنته سبع سنوات ولم يلدوا لا ثوراً ولا فأراً ولا حتى حجراً .
هل يَذكر التقرير انّ بلير أبو فِرْيَة ال45 دقيقة، كذّاب ومحتال محترف وسفّاح شرّير، ويجب تقديمه الى المحاكمة؟ .
وهل بحث التقرير في مسؤولية الدولة البريطانية عن جريمة غزو العراق ؟ .
وما نفع التقرير للعراقي والعراق ... وماذا عن التخريب الشامل والكوارث والمصائب المتسلسلة التي يعاني منها العراقيون يومياً ... وعن محق وإفناء أحد أقدم مراكز الحضارة الانسانية، وتدمير الهوية الوطنيّة للعراق، وتلويث بيئته، وتخريب عمارهِ، وإزالة الدولة، وقتل وجرح ملايين العراقيين، وتعذيبهم بماركة أبو غريب، وتأجيج فرهود بغداد، وترميل وتيتيم الملايين، ولجوء أكثر من عشرة ملايين عراقي في الخارج والداخل ... ونهب النفط والممتلكات الثقافية ...
وماذا عن الاعتذار للعراقيين وتعويضهم عمّا لحق بهم من كوارث؟. فقد تَناصَرَت القوى الاستعمارية لتدمير العراق، وإبادة شبابه، وإجبار دولته على دفع عشرات بلايين الدولارات تعويضاً عن احتلال الكويت ... ولا تزال تدفع!.
نشرت صحيفة Morning Star بعددها الصادر في 07/07/2016:
Ten things Blair ‘told untruths’ about
1. There was no credible evidence of the existence of weapons of mass destruction – let alone that anything could be deployed in 45 minutes.
2. There was no clear evidence that Saddam Hussein had restarted chemical or biological weapons production, or planned to do so.
3. Iraq had no ability to produce a nuclear bomb while sanctions remained active.
4. The Iraqi government didn’t lie about its capabilities.
5. Blair had been told that Saddam wasn’t a threat to the West.
6. Blair had been told by the Foreign Office that toppling Saddam would probably lead to chaos and aid terror.
7. Military action was not a last resort, there were other options.
8. The legal argument was not airtight when war was declared.
9. Britain was not acting on behalf of the international community — and was acting in defiance of Security Council wishes.
10. Refusing George Bush’s invitation to war would not have ruined the “special relationship” between Britain and the US.
في 15 فبراير من عام 2003 خرج إلى الميادين والشوارع أكثر من مليون ونصف المليون بريطاني في أكبر احتجاج في تاريخ بريطانيا. إضافة إلى تظاهر عشرات الملايين في مختلف مدن العالم ضدّ شنّ الحرب على العراق. وبدلاً من إصغاء بلير لكل هذا، تجاهله وألحَقَ نفسه بالامبراطور تشيني وخادمه بوش، الذي كان يُردّد بأن أميركا قادرة على غزو العراق بدون مشاركة بريطانيا. ممّا جعل بلير يزداد التصاقاً وهوساً وهستيريةً وذيليةً بالاميركان ظناً منه استعادة بعض النفوذ البريطاني الاستعماري العالمي الغارب، ولنهب نفط البصرة كحصّة لبريطانيا من طريدة العراق. فتعهّد بلير نيابة عن الشعب البريطاني، وقبل عام من الغزو، وقبل استشارة البرلمان، بمساندة بوش في جميع الحالات، ... ومهما كلّف الأمر ... ممّا ينطبق عليه قَوْل شقيقة جندي بريطاني قُتل في العراق: "أسوأ إرهابي في العالم."
ويَهْذي كِلا المُجْرِمَيْن المَعْتوهَيْن بوش وبلير بأنّ العالم أصبح أكثر أمناً واستقراراً وسلاماً بعد غزو العراق. بينما يثبت الواقع عكس ذلك تماماً. إذْ لَم يشهد العالم فوضى وبربريّة وتوحّش منذ الحرب العالمية الثانية مثلما شهده ويشهده منذ غزو العراق، الذي فتح الباب للفوضى الخلاقة كمدخل لتنفيذ مؤامرة الشرق الاوسط الكبير وتداعي تطبيقاتها في تدمير البلدان، وإلغاء الدول، وتخريب البنى المعمارية، وتمزيق المجتمعات، ونهب مواردها ...
و بلير وبوش وسواهما من مُجرمي الغزو مُصيبون في انّ العالم أصبح أكثر أمناً واستقراراً، ولكن لهم وليس للشعوب. فقد حقّقوا أرباحاً خياليّة لأنفسهم، ولاقتصاد الغرب، وفتحوا بلاد العرب لمزيد من النهب الاستعماري، وتشييد القواعد العسكرية. كما انّ غرق العراق والوطن العربي بالفوضى تجعل النخب الاستعمارية في حال أفضل.
يجب كشف جرائم النخب الاستعمارية، والتي لا يزال قاموسها مخفياً عن التاريخ، بينما آثار تدميرها يأتي على الأوطان والمجتمعات. ومن ذلك يجب نشر حقائق غزو العراق كاملة وليس بعد مرور ثلاثين عاماً أو يزيد ... أو بعد إبادة ماتبقّى من العراقيين، ووفاة ذوي الجنود والضبّاط البريطانيين والامريكان القتلى، ومحاميهم. رغم انّ الحقائق لن تضيع تماماً، بل ستبقى في مدوّنة التاريخ وذاكرة جميع أمم وشعوب الأرض. فحقائق الظُلم، والمطالبة بالعدالة لا تُنْسى ولا تسقط ولا تتقادم مع الزمن. وفَضْح الجرائم لن يكون متأخراً مهما عطّلت النخب الاستعمارية ماتحجب من حقائق وجرائم. وسيُقاضي العراقيون يوماً الغزاة ليس عن استعمار العراق فحسب، بل لشن حرب غير قانونية تسبّبت في كل هذا الدمار الذي زحف ويزحف على الوطن العربي وعلى العالم أجمع.
لكنّه، و بعد خراب البصرة وبغداد والموصل ... والعراق يُقدِّم المجرم بلير خداعاً جديداً على شكل "أسفه" و "اعتذاره" و " تحمّله المسؤولية" ... مُتحدّثا باستكبار وعجرفة وغطرسة عنصرية استعمارية كريهة، واستفزاز وصفاقة متناهية، من دون إبداء أي ندم، عارفاً بأنّ حُكّام الارض يُغَطّي بعضهم جرائم بعضهم الاخر. فمؤسسة ثقافة الاستعمار لاتسمح بمحاكمة بلير وباقي المجرمين ... و كَمْ مِنْ ألف جريمة ارتكبتها نخب الانجلو سكسون الاستعمارية منذ سايكس – بيكو ووعد بلفور ... فهل تمّ تقديم أي من هؤلاء المجرمين الى المحاكمة؟.
بل على العكس، فقد عيّنت آلهة الأرض بلير مبعوثاً أممياً للشرق الأوسط. كما أنهُ يواصل الإثراء من خلال إقامتهِ لمركز بلير للإستشارات حيث يتقاضى عشرات ملايين الدولارات من حكّام عرب مستبدين.
يجب محاكمة بلير وبوش ومسانديهم في الحكومة والبرلمان والجيش والمخابرات ومؤسسات الخدمة المدنية الذين ركبوا دبّابة الغزو ... وعصابة تشيني ورامسفيلد وباول ورايس والاخرين من المحافظين الجدد ... و زُمْرة تحالف الراغبين ... و شركات القتل الخاصة مثل بلاكووتر ... والعملاء الحكام العرب المشاركين في السرّ والعَلَن في جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية وإبادة جماعية ... وبريمر وعصابته جيش دمى العملاء الخونة العراقيين مساندي غزو بلدهم، ومُسَيّري الفوضى الخلاقة والعمليّة السياسيّة، وخاصة من ذوي الجنسيّات المزدوجة .. وقادة الاعلام الغربي الارهابي الكذاب الذين روّجوا للغزو وظلّلوا البريطانيين والعالم ... ولا يزالون يُخَفّفون من بعض الجرائم الكارثية مثل مقتل 150000عراقي وليس أكثر من مليونين على أقل التقديرات. وأي كان الرقم فهو نتيجة جريمة عظمى بكل المقاييس الارهابية والعنف الدموي.
ويجب تجريد جميع هؤلاء المجرمين من مناصبهم، وحجز أموالهم السُحت الحرام، ودفعها كجزء من التعويضات عمّا لحق بالعراقي والعراق من خسائر نتيجة جرائم الاستعمار والغزو والاحتلال.
إنّ تقديم هؤلاء للعدالة هو مطلب شعبي عالمي، يساعد على منع كوارث مماثلة في المستقبل. وإلا مافائدة المقالات واللجان والاسف والاعتذار وتعلّم الدرس ... إذا كان مجرم كبير مثل توني بلير لا يُحاكَم؟. و ما معنى ووزن كلماته الفارغة الجوفاء المشحونة بالكذب والنفاق والتلفيق والحيلة؟. وإذا كان الماكر بلير مُتأسفاً، فلماذا يصرّ على الجريمة: بأنّه كان مصيباً، وانّه لو عاد إلى منصبه وتلقّى نفس المعلومات لاتخذ نفس القرار!.
وما الدروس التي تعلّمتها النخب الاستعمارية من كوارث غزو العراق عندما نَقَلَت جرائم فوضى العراق ونَشَرَتْها في سورية وليبيا واليمن ونيجريا والصومال؟.
والان ترسل بريطانيا وأمريكا جيوشاً الى سورية وليبيا ... والعراق بحجة محاربة داعش. بالضبط كحجة تخليص الشعب العراقي من صدام. والناس تعرف بأنّ صدام، كما القاعدة و داعش مصنوعات استعمارية لن تفعل شيئا بدون موافقة أسيادهم الغربيين.
بغزو العراق أشْعَلَت النُخب الاستعمارية حرباً لاتزال تَسْتعر ويتصاعد لهيبها ويتّسع، ويتفجّر مُستنقعها القومي والطائفي الفاسد الشرس محلياً وإقليمياً، ولا يظهر معه أفق قريب للإنفراج.
لكنّ هذا لا يعني عدم عودة العراق لمواصلة مجْده التاريخي بإحياء ثقافاته النافعة والجميلة على أسس معاصرة .