أولى إشارات تصلب الشرايين التاجية المغذية للقلب
اذا أنت ترتقي درجات السلم ثم ينتابك شعور بضيق في الصدر. أو إنك قد انتهيت للتو من تناول وجبة طعام كبيرة ولذيذة، وتبدأ بالشعور بإحساس غريب جدا، وكأن شيئا ما يضغط على فكّك. أو كنت مستغرقا في النوم منتصف الليل ثم تشعر وكأن شيئا يجثم فوق صدرك. في كل تلك المشاهد الثلاثة، فإن واحدا من الأفكار المخيفة الأولى التي تراود ذهنك هي: «هل أنا تعرضت لنوبة قلبية»؟
ربما تكون بالفعل، ولذا فعليك التوجه لاستشارة الطبيب فورا. إلا أن هناك احتمالا آخر؛ أنك قد تعرضت لنوبة من الذبحة الصدرية. النوبة القلبية heart attack والذبحة الصدرية angina لهما السبب الرئيسي نفسه، وهو أن عضلة القلب التي تقوم بضخ الدم إلى الجسم، لا تحصل نفسها على الدم اللازم لها. وفي النوبة القلبية، فإن نقص الأكسجين يتسبب في موت أنسجة القلب. والمصطلح الطبي اللاتيني هنا هو «الذبحة القلبية» myocardial infraction، ويرتبط الجزء الأول منه باسم عضلة القلب، فيما يرتبط الجزء الثاني منها بموت الأنسجة بسبب قلة تدفق الدم، ولذلك فإن المصطلح اللاتيني يعني «موت أنسجة عضلة القلب». أما الذبحة الصدرية، فإنها ليست سوى نقص تدفق الدم (التروية الدموية) في عضلة القلب، أو في المصطلح الطبي اللاتيني myocardial ischemia (وهو المصطلح الذي يستخدم عند نقص التروية الدموية في أي عضو في الجسم).
ولكن ذلك لا يعني أن الذبحة الصدرية تخلو من الخطورة، بل العكس، لأنها تمثل عاملا خطرا كبيرا في حدوث النوبة القلبية في المستقبل، كما أنها غالبا ما تعتبر الإشارة الأولى إلى أن مرض تصلب الشرايين قد أصاب الشرايين التاجية التي تحمل الدم إلى القلب. ويقسم الأطباء الذبحة الصدرية إلى نوعين: الذبحة الصدرية المستقرة وغير المستقرة. وتظهر الذبحة المستقرة عند مزاولة الإنسان المصاب بها نشاطه أو يكون متعرضا للإثارة. أما النوع غير المستقر منها فقد يحدث عند الراحة والاسترخاء. وقد يجتاح كثيرا من الناس شعور بعدم الراحة، إلا أن الأمر يظهر بسرعة وهو شيء مختلف تماما ليس له علاقة بالقلب. وكثير من، المصابين بالذبحة الصدرية، لا يشعرون بالأعراض التقليدية لها مثل آلام الصدر الضاغطة أو الشعور بعدم الراحة في الصدر. وفي تلك الحالات فإنهم يشعرون بصعوبات في التنفس، والغثيان، والإجهاد، والتعرق، والدوران. ويشعر بتلك الأعراض أكثر، النساء، وكذلك الرجال المرضى بداء السكري، والآخرون من كبار السن. أولى الجرعات يوجد القلب في موضع يبتعد قليلا إلى اليسار من وسط الصدر، ويقع خلف عظام الصدر. وللشخص البالغ الذي يتمتع بلياقة بدنية، فإن القلب يدق 70 مرة في الدقيقة ويضخ إلى خارجه نحو 3 أونصات (89 مليلترا تقريبا) من الدم مع كل نبضة، أي ما يقابل أكثر من 2000 غالون (7.57 متر مكعب) من الدم يوميا. ولكي ينفذ كل أعماله هذه، فإن القلب يحتاج ـ هو نفسه ـ إلى مصدر دائم من الدم، ولذلك فإنه ليس من المصادفة أن تكون الأوعية الدموية التي تغذيه، أي الشريانان التاجيان الأيمن والأيسر، متفرعين من الشريان الأورطي فور خروجه من حجيرة القلب الرئيسية التي تضخ الدم، وهي البطين الأيسر. وعلى الرغم من أن القلب يحصل على جرعات الدم الطازجة الأولى المشبعة بالأكسجين، فإنه ليس شرها، فالقلب المنبسط يحتاج إلى نحو كوب من الدم في الدقيقة. ويتدفق الدم في الشرايين التاجية على هيئة أطوار، إذ يكون التدفق في أعلاه عندما يكون القلب منبسطا وعندما يأخذ البطينان الأيمن والأيسر في الامتلاء بالدم. عرض وطلب إن نقص التروية الدموية لعضلة القلب الذي يسبب الذبحة الصدرية، يحدث عندما لا تستلم عضلة القلب كمية الدم التي تحتاجها كي تنفذ مهماتها المطلوبة . فالتمارين الرياضية، والغضب، أو الخوف، تتسبب في إفراز كميات متزايدة من هرموني «إيبينيفرين» epinephine (الذي كان يسمى سابقا الأدرينالين)، و«نوريبينيفرين» norepinephrine. ويدفع هذان الهرمونان القلب إلى الضخ بقوة وسرعة. ولكي يتمكن القلب من سرعة التكيف فإنه يحتاج إلى طاقة أكثر من إمدادات الأكسجين، والسكر، والدهون، وهي عناصر يحتوي عليها الدم المغذي له. وفي العادة، فإن هذا الأمر يتم بشكل جيد التنسيق: فإن احتاج القلب إلى طاقة أكثر، فإنه يرسل إشاراته، ولذا تتوسع الشرايين لكي يتدفق الدم أكثر. إلا أن الأمور لا تكون كذلك عندما تتعرض الشرايين إلى التصلب، وهي عملية تتراكم فيها الترسبات على البطانة الناعمة لجدرانها. ولذلك فإن كمية أقل من الدم تتدفق، وعندها تبدأ عضلة القلب بالاستنجاد طالبة كميات أكثر من الأكسجين والمغذيات الأخرى. وفي هذه الأثناءتتراكم النواتج المتخلفة، مثل حمض اللاكتيك، ، لأن الدم الجاري لا يتمكن من كسحها. وتكون النتيجة ظهور الذبحة الصدرية، أو ما يقابلها من الأعراض المصاحبة لها. إلا أن المشكلة تبدأ حقا، عندما تأخذ تلك الترسبات، التي تحمل في داخلها مواد غنية بالكولسترول، بالتفكك والانجراف مع مجرى الدم. ثم تتكون الخثرات، وعندها يتحول الوعاء الدموي الذي كان ضيقا إلى وعاء مسدود. والنتيجة: حالة ذبحة صدرية أكثر خطورة ـ من النوع غير المستقر ـ أو، ومن المحتمل جدا، حدوث نوبة قلبية كاملة الأعراض. يمكنها أن تقود إلى نقص التروية الدموية لعضلة القلب. فعندما يجبر القلب على العمل بقوة وبشكل دائم، نتيجة ارتفاع ضغط الدم أو أمراض في صمامات القلب، فإن عضلة القلب تزداد سمكا. ولهذه الحالة تأثيران. الأول أن عضلة أكبر تحتاج إلى كميات أكثر من الدم ولذلك يزداد طلبها له. والثاني، هو أن القلب المتضخم قد يبطئ من سرعة تدفق الدم عبر الشرايين التاجية، ولذا، فإن تجهيزات الدم تقل. والسبب هنا هو أنه ما أن يزداد سمك عضلة القلب، حتى يجب أن يمر حجم الدم نفسه عبر كل الأوعية الدموية الصغيرة الكثيرة. وهذا ما يشابه ما يحدث عندما تستحم في الحمام تحت الدوش فيما يكون واحدا من أفراد العائلة يستخدم ماء الصنبور في موقع آخر. كما تتعرض الشرايين التاجية إلى تقلصات تؤدي إلى ضيقها، حتى إن لم تحدث فيها عملية تصلب الشرايين. وقد يقود تزايد إفراز هرمون «إيبينيفرين» إلى حدوث مثل هذه التقلصات.
الأعراض
الثقل، والضغط، والعصر، هي الأوصاف المعتادة للشعور بأعراض الذبحة الصدرية. ويبدأ الشعور بعدم الراحة في بدايته وكأنه قادم من وراء عظام الصدر. كما يمكن له الامتداد إلى أحد الكتفين، والرقبة، والفك، وحتى الأسنان. والسبب في انتشار إشعاعات هذا الشعور يكمن في أن الأعصاب الحسّية لهذه المناطق ترتبط بالمنطقة نفسها الموجودة في النخاع الشوكي التي ترتبط بها أعصاب القلب. «مستقرة» و«غير مستقرة» يمكن توصيف الذبحة الصدرية المستقرة بأنها الذبحة «التي يمكن التنبؤ بها»، لأن من خصائصها أن بذل مقدار معين من الجهد، أو حدوث مستوى معين من المشاعر المحتدمة، يقود إلى حدوث نوبتها. ولبعض الناس، فإن الذبحة الصدرية المستقرة لا تعني سوى تحديد ضئيل لنشاطهم البدني فقط، فعليهم ألا يهرولوا مثلا على درجات السلالم كما كانوا يفعلون سابقا. إلا أن التحديدات للبعض الآخر، قد تطال أي نوع من النشاط البدني الذي يصبح متعبا. كما أن الذبحة الصدرية المستقرة قد تتغير وفقا لأوقات اليوم، ربما بسبب التغيرات في عمل الأوعية الدموية، أي سهولة توسع وانقباض الأوعية. وفي العادة، فإن الذبحة الصدرية المستقرة تحدث بسبب تصلب الشرايين الذي يؤدي إلى ضيقها، وتكون أعراضها مستقرة، لأن الترسبات الناجمة عن تصلب الشرايين تكون مستقرة. ويمكن للأفراد التعايش مع الذبحة الصدرية المستقرة لسنوات. والراحة، وهدوء المشاعر، أو تناول حبوب النتروغليسرين، تحسن نوباتها عادة. أما الذبحة الصدرية غير المستقرة، فإنها تحدث فجأة ومن دون أي إنذار. فقد تتفكك الترسبات الناجمة عن تصلب الشرايين فجأة مسببة انسدادا كاملا في الأوعية. كما أن أحد الشرايين التاجية قد يتقلص ويحدث الانسداد. وأعراضها هي الأعراض نفسها للذبحة الصدرية المستقرة، إلا أنها قد تحدث من دون بذل أي مجهود، كما أنها تحدث بتكرار أكثر، وتكون أشد، ولذلك فإن الشعور بالثقل والضغط يكون مؤلما أكثر. وإن كانت الذبحة الصدرية المستقرة حالة يمكن إدارتها ومراقبتها، فإن الذبحة الصدرية غير المستقرة هي حالة إسعافية تتطلب التدخل السريع والذهاب إلى المستشفى لإجراء جملة من الفحوصات. وفي الواقع فإنه يطلق على الذبحة الصدرية غير المستقرة اسم «الذبحة الصدرية ما قبل احتشاء القلب» preinfarction angina، وذلك للتأكيد على أن مخاطر النوبة القلبية تكون عالية أثناء وقوعها.
التشخيص
يبدأ الأطباء تشخيصهم بالسؤال عادة عن عوامل خطر الإصابة بتصلب الشرايين (التدخين، ومرض السكري، ارتفاع ضغط الدم، والتاريخ العائلي للنوبة القلبية). كما ينصتون إلى تلك الأصوات في القلب التي تشير إلى وجود مشكلات في صماماته، أو إلى عجزه. ويخضع كل مصاب بالذبحة الصدرية تقريبا إلى تخطيط كهربائي للقلب electrocardiogram (ECG)، الذي يسجل النشاط الكهربائي للقلب. ويمكن لهذا التخطيط رصد نقص التروية لعضلة القلب حتى إن كانت لا تسبب الذبحة الصدرية. كما يمكنه أيضا مساعدة الطبيب في اكتشاف عدم انتظام عمل القلب بسبب نقص التروية أو زيادة سمك عضلة القلب الناجمة عن ازدياد مجهوده. وغالبا ما يجري تخطيط القلب أثناء مشي المريض على دواسة للمشي الكهربائي، أو ركوبه لدراجة ثابتة. واختبارات الجهد هذه هي وسيلة للتعرف على استجابات القلب لدى بذل جهد، في ظروف آمنة ومسيطر عليها. أما حالات نقص التروية التي لم تظهر في تخطيط القلب المرتاح، فقد تظهر في تخطيط القلب المعرّض للجهد. ويلجأ بعض المرضى إلى إجراء تخطيط القلب بواسطة الصدى echocardiogram الذي يوظف الموجات فوق الصوتية لتصوير القلب. كما قد يتوجه آخرون لإجراء فحوصات مخصصة للكشف عن انسداد الشرايين التاجية. وتستخدم بكثرة أجهزة المسح الطبقي المحوري السريعة في هذا الأمر. إلا أن صور عملية إزالة ضيق الشرايين التي تحتاج إلى حقن نوع من الصبغة فيها إضافة إلى استخدام القسطرة تظهر أفضل لدى استخدام الأشعة السينية (أشعة إكس)، وهو الاختبار الفصل لحالات انسداد الشرايين التاجية. وقد قدم الخبراء وسائل متعددة لتشخيص الذبحة الصدرية، لا مجال لتعدادها. إلا أنه يكفي القول إنه إن كانت الذبحة الصدرية غير مستقرة، فإن الأطباء يطلبون إجراء عدد من الفحوصات بهدف معرفة إن كانت هناك مؤشرات على حدوث نوبة قلبية، أو أنها على وشك أن تحدث. وفي كلتا هاتين الحالتين ينبغي طلب العلاج فورا.