الفن في إمارات الخليج ( الحلقة الأولى )

2014-03-06
مع الطفرة المالية الناجمة عن العوائد الضخمة لبيع النفط والغاز الخليجي، ظهرت وصعدت بسرعة قياسية، ظاهرة اقتناء التحف والأنتيك واللوحات الحديثة والمعاصرة وأعمال فنية متنوعة. 

تتعدَّد دوافع الاقتناء:  بناء مجموعة  شخصية، إقامة متحف، للاستثمار، للاهداء، لتزيين منزل أو مؤسسة، للوجاهة الاجتماعية الخ.. . إذ يتّسع عالم الفن لكل مهتم بالثقافة والفنون، وخاصة الأثرياء منهم.  وبينما لايُقدّر العمل الفني بالمال نظراً  لنفاسته وفرادته وندرته، فان المال أساس تكوين المجموعات الفنية وانشاء المتاحف. فقد ازدهرت الفنون في مختلف ثقافات الشعوب في ظل التطور الاقتصادي / الحضاري  ووفرة المال. 

ونتيجة لهذين العاملين، تشهد إمارات الخليج نشاطاً ثقافيا ًمكثفا ًأفرز حركة فنيّة فعاّلة، منها ظهور مهتمين بجمع الاعمال الفنية. فانبرت الدول والأسر الحاكمة  والثرية والافراد في سباق ومنافسة لاقتنائها، وإقامة المتاحف  في بلدانهم وتكوين مجموعات شخصية لهم؛ وهؤلاء كُثّر على قلّتهم. وقد نشَرَت  The Art Newspaper No.     178, March, 2007, p. 30قائمة بأسماء أهم جامعي التحف الاسلامية في بلدان الخليج: الكويت والبحرين وقطر والسعودية والامارات وعُمان.

ورغم تحقيق بعض الجامعين في الخليج أهدافا جيّدة بحيث أصبحت بعض مجموعاتهم تزاحم مالدى نظرائهم الغربيين؛ غير ان حداثة ظاهرة تكوين المجموعات الفنية في الخليج تجعل التجربة معرّضة لبعض الأخطاء.

كَتَبَت  ( زينات بيطار، بورصة الفنون بين عالم المال وعلم الجمال، مجلة النقطة، شباط/ آذار، 1996 ): " ان جامع اللوحات الغربي بنى أسسا علمية لهوايته وتجارته في الفن على مدار قرنين من الزمن ( من القرن الثامن عشر حتى العشرين ). وبات مستندا الى مراجع ومتخصصين ومتاحف ودوريات ونقاد ومؤرخي فنون لبلورة السوق الفني والبورصة الفنية. بينما نحن مازلنا نفتقر الى هذه العناصر مجتمعة. عدا هاجس شراء وتجميع اللوحات والتحف. ان غالبية مقتني اللوحات وجامعي التحف عندنا، لاتستطيع تقدير القيمة الفنية بالنسبة للقيمة النقدية للاعمال التي يشترونها. "..." لذلك يفترض الموزائيك الثقافي اللبناني والعربي في عملية تقييم الفنون ( أي القيمة النقدية ) للقيمة الفنية مقاييس وأسس أهمها:
العلاقة بين الريادي والتقليدي – التمييز بين العمل الفني الاصيل والاستهلاكي السريع.
العلاقة بين الابتكار والتكرار.
العلاقة بين المعاصرة والتراث – الحاضر والتاريخ الفني الشرقي والغربي.
العلاقة بين المحلي والعالمي.
العلاقة بين الاجيال الفنية.
      فهناك شخصيات فنية أساسية رائدة وشخصيات ثانوية مقلدة في البنيان الفني. "...
" فقد سجلت الحركة التشكيلية المعاصرة ظواهر فنية عابرة وظواهر مترسخة كما عرفت هذه الحركة شخصيات فنية ظهورا سريعا وانطفاء سريعا. واكتشاف شخصيات مهمة عاشت مغمورة ومحرومة من بريق المجد في كيانها، وأعيد الاعتبار لها في الشيخوخة أو بعد الموت. وقد لعبت العوامل الايديولوجية والطائفية والمذهبية والمناطقية والعشائرية دورا بارزا لاعلاء شأن بعض الفنانين أنصاف الموهوبين على حساب الفنانين الموهوبين قبل الحرب وأثنائها. فالقيمة الفنية الاصيلة يجب أن تبقى فوق كل هذه العوامل العابرة أو الطارئة والمظللة. لان الفن الحقيقي هو فن انساني يعبر عن روح الشعب وروح العصر والحضارة ولا يمكن حصره في ايديولوجيا أو طائفة أو منطقة. انه فن لكل الناس ولكل العصور والتاريخ. "  

وبهذا الصدد كتب ( أمين الباشا، الناس والمتاحف، مجلة العربي، الكويت، العدد 605، أبريل 2009 ): " اليوم أصبح الفن – مع الاسف – سلعة ككل السلع، كالسيارة أو الطيارة أو أي بضاعة. "
" صار سلعة لها مروجوها، كتّاب وصحافيون وأصحاب صالات ومدراء متاحف وغيرهم، شهرة الفنان تعود الى مايكتب عنه وما يعرض له بواسطة اختصاصيين لهذه " البضاعة " الجديدة التي هي " الفن "، بعدما كان العمل الفني يختاره مثقفون فنيون كبار وفريق من المستشارين الملمّين بالفنون والثقافة، أصبح من يختار الان هو " الناقد " غير النزيه و " الصحافي " المأجور ورجل الاعمال الذي يزحف اليوم – مع الاسف – إلى حيث الربح المادي، إذ أصبح " الفن " حالة مادية يتعامل بها أصحاب المال كما يتعاملون مع أي بضاعة بعيدة عن الفن الصحيح. "
" جميل أن نبني المتاحف وضروري أيضا، لكن الأهم هو بناء الناس الذين سوف يدخلون هذه المتاحف. الأبنية التي تحوي أعمالا فنية، أعني المتاحف إذا لم يهتم بها إنسان ولا تعني له شيئا أو حاجة لا تفيد بل تصبح المتاحف سجونا للأعمال الفنية التي مع مرور الوقت تصبح فنا لانفحة روحية فيه، إذ ان العمل الفني يتحاور مع الانسان المؤهل لرؤية هذا العمل، فهو يحاور من يحاوره، ويذبل عندما يكون الناظر إليه لايرى فيه ما يمثله من روحانية تحمل البهجة والسرور لمن هو أهل لذلك." 

فتح فروع لدور المزاد الغربية في الخليج

دَرَجَت دور مزاد كرستيز وسوذبيز وبونامز سنويا على اقامة مزادين للفنون الإسلامية والآسيوية في مقرّاتها في لندن: أحدهما في أبريل والاخر في أكتوبر. وبموازاة ذلك يزدهر سوق الفن اللندني بفضل حضور أثرياء الجامعين " للتسوّق ".  ثم وسّعت كرستيز نشاطها ليشمل الخليج بافتتاح فرع لها في دبي عام 2006 ، وعندما حققت مبيعاتها مداخيل وأرباح عالية تشجّعت دور المزاد الاخرى لفتح فروع لها في الخليج، فلحقتها بونامز وسوذبيز عام 2008 ، حتى صارت المزادات تتوالى وتتنوّع سنويا بعرض أعمال فنية من الغرب والشرق، ومن الاثار والتحف، ومن الفنون التشكيلية الحديثة والمعاصرة...  وقد أدى تقريب بضاعة الفن للمستهلك الى تشجيع فئات شابّة جديدة من الاثرياء بمستويات ثقافية وفنية وذوقية متفاوتة الى جمع الاعمال الفنية. وقد ذكرت The Art Newspaper, No. 171, July – August, 2006 

ان أول مزاد لكرستيز في الشرق الاوسط حقق نجاحا باهرا في دبي يوم 24/05/2006 . وقد حضر قاعة المزاد أكثر من 500 شخص، وتوقع المدير الاقليمي لكرستيز في أوربا والشرق الاوسط تحقيق خمسة ملايين دولار، بينما ارتفعت النتائج النهائية الى 8.5 مليون دولار. وان 63% من المضاربين كانوا جدداً تماما، وان أحدهم كان في العشرينات من عمره. 

وتتواصل فعاليات دور المزاد هذه في بعض عواصم الخليج، الى جانب استمرار إقامة مَزاديْن لفنون العرب والمسلمين سنويا في لندن.   

ويُعلّق على أعمال دور المزاد ( أمين الباشا، ثمن العمل الفني، مجلة العربي، العدد 616 ، مارس 2010 ): " المال قبل الفن، الفن سلعة تشترى وتباع، الشاري أو الشارون أو أكثرهم ليس لهم المام بالفن، او فهم او حب او تعلق بالفن. اهتمامهم الاول والاخير بما يجنيه العمل الفني المعروض للبيع، لهذا فكثيرون منهم، يشترون بواسطة الهاتف، دون حتى أن يروا اللوحة أو التمثال. "
" هذا ماتفعله وتشجعه المؤسسات الكبرى للمزاد العلني مثل " كريستيس  Christies أو   سوثبيسSotheby’s  اللتين ما ان تريا فورة مالية في أي منطقة من العالم أو في بلد حتى تستقرّان فيه وتقيمان " مهرجاناتها " للمزاد العلني" ... " هذه الايام، ومنذ سنوات عدة، اختارت المؤسستان الخليج العربي لبيع " بضاعتهما " والخليج، لهما كالكنز الغوّار بالمال والبترول. "
" بلاد الخليج العربي، تتدفق عليها الاعمال الفنية المعاصرة والحديثة، الآتية من باريس ولندن ونيويورك وطهران وأكثر البلاد العربية، بواسطة أصحاب صالات عرض Galeries ، تختار " الفنان المشهور عالميا " وثمن أعماله الفنية يفوق التصور، هذا في العواصم الغربية، أما في البلاد العربية، فان صاحب الصالة يقدم أعمالا لفنانين " يبيعون " كما يقال، ولهم " صلاتهم "، وطرق دعاياتهم الصحفية وغير الصحفية، والربح لصاحب الصالة وللفنان، هذا هو المقصد. "
" اليوم، صالات العرض. همّها ليس فنيا. همّها دعائيا ل " فنانيها " من ذوي الصلات " الاجتماعية " وذوي " الانتاج الفني العملي " الذي كثيرا وغالبا مايفتقر الى صفة " الانتاج الفني "، المهم هو المال. "
" ...نعم الفن اليوم أصبح بضاعة، بورصة، لابد من القول " ان ليس كل مايباع من هذه البضاعة " فنا " وليس كل من ملا لوحة ألوانا، خلق عملا فنيا، لكن هذا حاصل، وحاصل بكثرة، كحصول التقليد والتزوير، تزوير امضاء فنان ما، أو تزوير لوحات. "
"...الفن اليوم في فوضى، هناك مؤسسات عالمية تعمل لها، هي التي تقرر منهجا ما للفن، وتعطيه اسما وتروج له، وتنشر كتبا ثمينة الطباعة وتملا صفحات الصحف، وتوجد مجلات مختصة لذلك. أعطي مثالا بما يحدث اليوم، الحركة العالمية التي أسموها " الفن المعاصر " Art Contemporair  لاتعترف بالرسم ولا بالتلوين ولا بالقواعد الاولية، ولا بأي صلة للفن والفنون السابقة! أعتقد أن هذه الموجة التي تجتاح العالم وكأنها برهان على قلّة الفنانين " الاصحاء " وكثرة " المزعبرين " التجّار القادرين على نشر الفوضى في الفن وادخالها في عقول أناس بعيدين عن الفن وروحانيته. هؤلاء التجّار الذين يتعاملون يدا بيد مع " الفنان المزعبر " وأصحاب الصالات الذين أبعدوا إله الفن ليعبدوا الدولار الآتي من فن لافن فيه. "


  www.al-jadir-collect.org.uk    

                  jadir959@yahoo.co.uk


 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2025 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2025 Copyright, All Rights Reserved