
أمس، وأنا اكاتب أحد أبناء مدينتي، تذكَّرتُ نهرَ الغرّاف، النهرَ الأكبرَ في مدينتنا والذي كنتُ أطل عليه من شبّاك غرفة الأستقبال في بيتنا، والذي كنّا نسبح فيه في أيام الصيف، ونقرأ ونحضِّر دروسَنا في بساتين نخيله وعلى ضفافه طوال العام الدراسي... الغّراف الكريم الجميل الرحب العذب الغزير المهيب الوضّاء الذي كان ـ قادماً من القلعة والشطرة ـ يغذي مدينة الفهود وأهوار الجبايش التي تستضيف اسراب الطيور المائية المقيمة والمهاجرة من بحيرات سيبيريا واسكندنافيا طالبةً الدفء، هذا الغرّاف قد جفَّ تماماً الآن مثلما اسمع ولا استطيع أن أتصور، بعد ان كثرت حوله السجون والسدود والحواجز وهو ابن دجلة والفرات!!
ينعي ولا يُنعى هو الغرّافُ
والضفتان ِبجانبيِهِ ضفافُ
مَنَحَ الضفافَ خصوبةً فتألقتْ
في الخِصبِ حتى أثمرَ الصفصافُ !
راوٍ وما يروي فصولُ عجائبٍ
وجنائنٍ رمّانُها أصنافُ !!
تأتي الطيورُ لدفءِ مائِهِ حُرَّةً
والشوقُ فيها غالبٌ هَتّافُ
البدرُ فوقَ مياهِهِ متألقٌ
والبدرُ تحتَ مياهِهِ يستافُ
عبقَ الوجودِ وسرَّ أرضٍ أنجبتْ
ابنَ الوجودِ، ليغرفَ الغرّافُ !!!
هذي الكواكبُ كلّها من حولِهِ
حتى يكونَ بكونِهِ العرّافُ
كريم الأسدي
برلين في 07.12.2015