الغيرة بين شارلوت وياسمين/أوزجان يشار

2008-01-10

قبضت //api.maakom.link/uploads/maakom/originals/7a13cc69-e0b8-4c11-a7ec-cb4af650f0ec.jpeg شرطة نيويورك في احدى عمارات مانهاتن على ضابط من المحاربين القدماء في الحرب العالمية الأولى وهو في الخامسة والتسعين من العمر بتهمة قتل عشيقته وهي في الثامنة والثمانين . وقالت الشرطة أن مشادة وقعت بين القاتل (( اوليفر بار )) وعشيقته (( نورما )) لأنها اتهمته بهجرها من أجل امرأة )) كذا ...

 

في مثل هذه السن المتقدمة الباردة , الغيرة المرعبة القاتلة وحدها تجعلنا نواجه حقيقة أشد هولا الا نكون متسلطين , ومتملكين , ومستأثرين ,و ألا نثير الشبهات ونخضع للمراقبة ونتدخل بحياة الشريك الآخر .

لقد قامت محاولات وتجارب عديدة لخنق الغيرة , ولكن , في النتيجة , لم يتمكن أحد من اخفاء هذه (( الرعشة السيئة )) في الإنسان و وأدها إلى الأبد .

فالغيرة المتأججة ,كامنة في كل فرد , وهي تسمم وجوده , وقد زال كل أمل بالقضاء عليها كمرض مزمن .

وعلى الرغم من ملايين الصيحات التي تعلو مرددة بشكل جهوري : (( لسنا غيورين )) و (( الغيرة لا تعنينا )) و(( الغيرة وهم )) فلا بد من التأكيد أنهم يكذبون ويحاولون المستحيل , وليس باستطاعة أحد منهم التخلص من هذا الوهم !

فما من أحد قادر اليوم على أن يدعي أنه لا يغار و ما من أحد ينكر أنه يسمم الآخر أو يسمم نفسه .

فمن وحي (( اوليفر )) و (( نورما )) اللذين دفعا ثمن الغيرة غاليا في هذا السن , أحل ضيفا على هذا المنبر وأرجو ألا أكون ضيفا ثقيلا , لأعرض حالتين مختلفتين من الاعترافات عن الغيرة مقطوفتين من دفتري (( شارلوت ...))و (( ياسمين ...)) .

 

ـ 1 ـ

(مقطوفة من دفتر "شارلوت")

أنا غيورة بشكل مخيف , وعشت مع زوجي حالة مشتركة هي نوع من الجنون . كنت أشعر بالغيرة عندما كان يذهب إلى القاء محاضراته , وعندما يخرج ليشتري علبة سكاير , وعندما يتحدث عن فتاة , وعندما يذهب لتناول العشاء عند والديه فقد كان معرضا في كل لحظة لأن يلتقي احداهن , وهذا الأمر كان يرعبني !

و لا أنكر أنه بدوره , كان عنيفا جدا في تصرفاته معي . كنت إذا سمعته يتبادل الكلام مع احداهن , وخصوصا إذا كانت شابة , اقيم الدنيا على رأسه عدة ايام , وأتصرف معه بسخف غير مقبول وأبكي . وأتلفظ بكلمات نابية وقاسية , وأعنفه واستعمل أحيانا لغة سوقية .

ومن المؤسف , أنه هو أيضا كان يعاني تجاهي من الغيرة . فلم يكن يتحمل أن أوجه الكلام لأي انسان , وإذا حصل ذلك اساء معاملتي عند عودتنا إلى البيت وأتهمني بأنني امرأة ساقطة . وقد جعلتني هذه الحالة أشعر بالانطفاء و الذبول .

كنت عندما آتي اليه في مكتبه , اقلب اوراقه و أعبث بمحتويات المكتب ... افتش دفاتره , ولا اتورع احيانا عن استعمال بعض ارقام الهاتف التي كنت اجدها في مفكرته .

فمن يدري , قد يكون رواء أسم جمال أو سهام وغيرهما من الأسماء المشتركة امرأة لا رجل . وكنت أحيانا امثل أدوارا رهيبة اذا ما اعارته احدى الصديقات اهتماما او لفته , وإذا ما رأيت شعرة على سترته أو خرج قبل الوقت بدقائق !

وكان هو يعاملني بالمثل فيعبث برسائلي و أوراقي , وكانت مفكراتي تختفي دون أن أدري سببا لهذا الاختفاء . وكان يحرص على مرافقتي إلى السوق كلما وددت ذلك , وإذا لم يستطيع اصر على أن اتصل به بالهاتف لأبلغه بمكان وجودي .

هذه الغيرة التي كانت ضربا من الجنون , لم تكن مبنية على أساس , ولم يخن احدنا الآخر ابدا .

في السنة الفائتة , غاب لمدة شهر , حيث أمضى عطلة آب بعيدا عني . في غيابي التقيت بأحد الشبان وتعرضت معه إلى مغامرة صغيرة وعندما عاد زوجي من عطلته اعترفت له بما حصل لي , فاعترف هو لي بدوره أنه تبادل الاعجاب مع احدى الفتيات و أنه استحم و أياها عند منتصف الليل , في ضوء القمر , و أنهما شوهدا معا طوال الوقت , ولكنه لم يمارس الحب معها !

وسقط الخبر علي سقوط الصاعقة , وانتهى بيني وبينه كل شيء و لم يعد باستطاعتي أن أمارس الحب معه , تحت تأثير الصدمة . يكفي أنه رآها عارية ! ونمت في داخلي , تحت تأثير الأوقات التي امضاها معها , موجة من الرفض .

ووقعت القطيعة , فلم تقم بيننا اية علاقة لمدة سنة . كنت ارفض دائما أي اتصال . وصار هو حزينا حتى الشفقة . لم يكن باستطاعتي أن أدعه يلمسني . كان ذلك ضربا من المستحيل . وباتت كل حركات التودد التي تصدر عنه لا تحتمل , وكل ما بيننا يقززني و لم أعد احتمل أي شيء منه : لا الطريقة التي يمشي بها و لا كيف يتكلم , ولا كيف يأكل , و لا كيف يتحرك ويقود سيارته .

العلاقة بالنسبة لي انتهت . صار باستطاعته ان يفعل ما يشاء مع من يشاء . لم يعد الأمر يهمني ولم ابذل أي جهد كي ارضية وصرت اخرج وحدي وأتأنق وأتجمل بينما كنت معه مهملة وسخيفة . ولم أعد اتحفظ في ما يتعلق بحميمياتي وصرت أتصرف كما لو أنني أعيش وحدي في الشقة . وإذا كنت قد قبلت بأن استمر في مقاسمته المنزل فلأنه كان صعبا علي أن أعيش وحدي !

أما هو فلم يتركني لحظة , وكان يبحث عني في كل مكان و يحاول أن يضاجعني كل ليلة . والتزمت الصمت معه . لم أعد أوجه اليه أيه كلمة .

... وانتهى الأمر بيننا عندما وجدت شخصا آخر بدلا منه فتركته ‍!

 

ـ2ـ

(مقطوفة من دفتر "ياسمين")

 

الغيرة عندي تصل إلى حد الجنون, وغيرتي تقوم على ظاهرتين :

الظاهرة الأولى , مراقبة الشريك الآخر بشكل مستمر ... والظاهرة الثانية , الرغبة في أن اجعله غيورا ... كان متزوجا وقد اقسم لي بأنه لايقيم اية علاقة مع زوجته . لم اصدقه وكان علي أن اتحقق من ذلك ! فكنت اعمد إلى الاتصال به بالهاتف اما بعد منتصف الليل أو في الصباح الباكر كي انغص عليه لذته إذا كان يطارحها الغرام وكان من الطبيعي الا اكشف له عن اسمي . كنت اكتفي بان اطلق اليه همهمة جنسية وهتافا مثيرا وحمحمة , مع انني كنت اعتقد جازمة أن من شأن هذه الحركات والتصرفات أن تسيء إلى علاقتنا وتبعده عني !

و مع علمي الأكيد أن زوجته وحدها هي التي تثير غيرتي كنت اتهمه بأنه يخونني مع امرأة اخرى , ولا مانع لديه من أن يفعل ذلك !

و كنت ادفع احدى صديقاتي لأن تحدثه على الهاتف و أتنصت لأعرف إذا كان سيحاول مغازلتها .

كنت اترصد خروجه عند طرف الشارع قريبا من بيته , عند الساعة السابعة صباحا و أراقبه و ألاحقه وأحصي عليه تصرفاته .

و كنت احيانا اتخفى , اغير شعري , اضع شعراً مستعاراً، وأخفي عيني تحت نظارات سوداء كبيرة وارتدي ثيابا لايعرفها ومن شأنها أن تخفي قامتي الحقيقية , ولو كنت في وضع مادي مريح لكلفت شرطيا خاصا يتعقبه .

وكنت اعمد احيانا إلى سحب رسائله من علبة البريد , وعندما لاأجد فيها ما يثير الشبهة اعيدها إلى مكانها .

كنت أراقبه ليل نهار الاحقه وأبحث عن دليل و كنت مقتنعة بأنني لابد واصلة إلى مثل هذا الدليل !

كان همي أن اجعله غيورا .

أنا لا اعتبر الغيرة دليل حب بل دليل اخلاص .

كانت لدي طريقة خاصة بي . من الصعب جدا اثارة غيرة الشريك الآخر إذا كنا مخلصين له .

أنا هنا لا ابتدع اسباب لعدم الاخلاص , ولكنني اضع نفسي في جلد امرأة غير مخلصة , وأتبني ردود الفعل عندها , أي أنني اعمد إلى اعطاء تفاصيل دقيقة عن كل ما افعل , وهذا يعطي الانطباع بأنني في صدد بناء علاقة جديدة .

ذات مساء ظهرت فرحة جدا دون ما سبب معين , ثم اخذت , في عدة عطلات اسبوعية ادعي له بأنني سأذهب لمشاهدة اهلي , بينما ابقى قابعة في بيتي لا اغادره . وكان يجد هذه العاطفة نحو اهلي في غير محلها , خصوصا وأنني لم ارهم منذ سنوات , مما اثار لديه الشك بأنني اعد له مقلبا .

وذات يوم اهدى لي أخي ساعة يد , فسألني إذا كانت هدية فنفيت وأدعيت له أنني اشتريتها . فظهر له الأمر تافها باعتبار انه يعرف أنني لاأملك فلسا . وفجأة ظن أنني اكذب عليه وأن هناك رجلا قدمها إلي وظهرت غيرته في اللحظة ذاتها , بشكل باهت , ثم ما لبث الأمر أن عاد إلى طبيعته .

كان الرجل الوحيد الذي حولني إلى امرأة غيورة لأنه الوحيد الذي احببته بشغف !

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2025 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2025 Copyright, All Rights Reserved