الجامعة التي تُفرِّق !!*

2016-01-01
ماأكثر أسماء المؤسسات والمنظمات والهيئات في عالمنا هذا؟! وما أكثر أسماء هذه المؤسسات والمنظمات والهيئات في عالمنا العربي وما أقل العمل فيها والعطاء ؟!
بل ان بعض المؤسسات تضر أكثر مما تنفع ومضرتها انها توهم الناس ان هناك مؤسسة أو منظمة أو هيئة تحت هذا الأسم تقوم بالعمل الذي يرتبط باسمها فتنتفي في رأي الغالبية الحاجة لأيجاد مؤسسة أو منظمة أوهيئة مماثلة باعتبار انهم يملكون مثل هذا الكيان!
من هذه المنظمات  - المؤسسات منظمة الجامعة العربية التي تحولت من زمان الى جثة هامدة ينفخ فيها بعض الأرباب الحياة بين حين وحين لكي يكلفها بمهمة فتؤديها وواجب فتقضيه وهي صاغرة ممتنة ثم تعود الى سباتها الطويل مُخَدَرةً ومُخدِرة !!
علماً ان هذه الواجبات التي تؤديها هذه الجامعة  قبل ان تعود الى الفترة التخديرية لاعلاقة لها بأسم ورسالة الجامعة العربية مثلما تأسست ورفعت الشعار كوعاء عربي جامع يخدم القضايا العربية المصيرية الكبرى لما فيه مصلحة الأمة العربية كلها والوطن العربي كله  ، يوم كان هناك بعض المشروعية في تسمية البلاد العربية ب ـ الوطن العربي ـ .
أي انها جامعة عربية ميتة يبعثها غير العرب من اصحاب السلطة والنفوذ في هذا العالم عندما يريدون .
هكذا تحول السلاح العربي الى سلاح بيد الأجنبي ضد العرب مثلما تحول قبل هذا أو بالتزامن معه المال العربي الى رأسمال ضد العرب ولخدمة المشاريع والأجندات الغريبة والغربية على وجه الخصوص في الشرق الأوسط ، في العالم العربي ، وفي العالم الأسلامي كله !!!
وها نحن نرى الأنجاز الفذ الأخير لهؤلاء الأفذاذ في خدمة ساداتهم !!
لقد أفاقوا من سباتهم الطويل لتأسيس قوة عسكرية موحدة أو جيش عربي موحد ليتدخل ضد الفقراء المحرومين المهمشين من أبناء الشعب اليمني لصالح ما يسمى بالشرعية اليمنية... سبق ذلك مبادرة مماثلة في اسناد القوات الغربية التي قررت التدخل لأخراج، أو بالأحرى بحجة أخراج  قوات الجيش العراقي التي زج بها  في الكويت، مدللُ الجامعة العربية القديم صدام حسين  في مغامرة من مغامراته الطائشة من قِبله كما يبدو والمحسوبة جيداً من قِبل الآخرين الذين هم الأرباب الحقيقيون لهذه الجامعة !!
ومابين ليلة وضحاها اصبح العراق في زمن صدام حسين وزمن مابعد غزو الكويت عدواً لدوداً للجامعة العربية تجيش ضده الجيوش هي التي لم تبخل عليه بكل انواع الدعم اثناء حربه مع ايران، وكان الأولى بها ان تبذل كل الجهود لأجل ايقاف هذه الحرب قبل ان تنشب وبعد المراحل الأولى من نشوبها ومن ثم عبر فترة الأحتراب الشرس الطويل الذي تجاوز فترة حرب عالمية بضعفين !!
في هذه الفترة المشؤومة على العالمين العربي والأسلامي، والسعيدة عند تجار السلاح وأعداء المنطقة العربية الأسلامية، اتبعت الجامعة العربية سياسة أُمراء آلسعود تجاه هذه الحرب والذين يتناقل الناس عنهم قولهم  اثناء هذه الحرب لصدام حسين : من عندنا المال ومن عندك الرجال !!
فما كان في النهاية الّا ان عصفت هذه الحرب بالعراق رجالاً ومالاً ومستقبلاً وأينعت حروباً اخرى توالدت منها حروب وحصارات ومقاطعات جائرة فرضتها هيئة الأمم المتحدة بقيادة احدى رائدات النظام العالمي الجديد الأستاذة مادلين اولبرايت ، واشتركت الجامعة العربية في تنفيذها ليهلك نتيجتها مايقرب مليون طفل عراقي بريء مابين نقص للغذاء وشحة في الدواء مابين  السنوات 1991 الى 2002!!
وأحصائيات المنظمات المتفرعة عن الأمم المتحدة تؤكد هذا وتتحدث عن عدد تسعمئة الف طفل عراقي فقيد نتيجة ما أحدثه الحصار في هذه الفترة فقط !!
أختفت فكرة الجيش العربي الموحد أو القوة العربية الموحدة لسنين ولم تظهر لنصرة الفلسطينيين العزل وهم يواجهون أقسى حالات القمع واستهتار القوي المُسند بالضعيف الذي لاسند له !
اختفت هذه الفكرة في اسناد اللبنانيين الأبرياء الذين يدافعون عن أرضهم ومزارعهم وقراهم أو الذين لايريدون ترك تلك الأرض والمزارع والقرى !!
اختفت هذه الفكرة في كل وقت صعب وعسير تعرض له شعب عربي كان بحاجة حقيقية الى اسناد اخوته من بطش لاطاقة له برده !!
وهاهي تظهر الآن لمساندة فئة ما، من شعب عربي ما، ضد فئة اخرى من نفس الشعب !!
وكل هذا تحت اشراف هذه الدمية المتحركة في مسرح العرائس الكبير : الجامعة العربية !!!


للجامعة العربية مكاتب منتشرة في كل أنحاء العالم تقريباً وفي كل عاصمة مهمة من عواصم هذا العالم !
تُعامل بعثة الجامعة العربية في هذه العواصم معاملة السفارة سواء من قبل حكومات البلدان المضيفة  وجانبها الدبلوماسي أو من قبل السفارات العربية في البلد الغريب !
وهكذا مع بعثة الجامعة العربية في برلين التي تمتلك مقراً لها في العاصمة الألمانية وتُعامل كسفارة !!
وكان لابد ان تعامل هذه السفارة الجامعة، سفارة جامعة الدول العربية أبناء البلدان العربية  الأعضاء في الجامعة على قدم المساواة، وتكون سنداً لمن لا يمتلك السند !
واذا كان لابد من التفريق بين عربي وعربي فيجب ان يكون التفريق على أساس الكفاءة والأنجاز والأبداع !

كما ان العربي الذي انقطع عن سفارته لسبب أو لآخر من الممكن ـ  بل من المفروض ـ ان يجد في بعثة الجامعة العربية بديلاً وعوضاً لأنه عربي وهذه جامعة دول عربية!
واذا كان هذا العربي ناشطاً في الحقول المعرفية أوالفكرية أوالعلمية أوالأدبية أوالأكاديمية أو بأكثر من حقل في هذه الحقول فمن الواجب على الجامعة العربية اسناد نشاطه ومتابعة جهده واسناد تفوقه وهذا ماتنص عليه مواثيق وأعراف هذه الجامعة نفسها ومايؤكده المسؤولون عن عملها في داخل البلاد العربية  وفي المقر الرئيس في القاهرة أو في الخارج !!!
في برلين تعرفتُ على مكتب جامعتنا الموقرة هذه بحكم نشاطي الأدبي والثقافي وحتى السياسي في المدينة طالما ان الشأن السياسي اليوم لايمكن فصله عن الشؤون الحياتية الأخرى !
لم اكن أملك علاقة بسفارة بلدي العراق في زمن صدام حسين وانّى لي هذا وأنا اللاجيء السياسي في المانيا والطامح الى أخذ فسحتي من حرية القول والتفكير والكتابة، وقد خبرتُ جيداً ماجرى لبلدي في عهد صدام حسين!!!
وحتى في علاقتي مع الجامعة العربية كان عندي بعض التوجس والحذر ولكن كان عندي ايضاً الفضول الأيجابي وحب استكشاف الأمور بنفسي دون وسيط مثلما كنتُ املك روح المغامرة في استكناه اسرار الأشياء وخبايا الأمور والأمكنة والأزمنة !!!
ولابد من التسليم أيضاً انني كنتُ اتصور رغم كل شيء ان الجامعة العربية في الشأن الثقافي يمكن ان تكون للعربي المغترب نافذة على البلاد العربية، على الثقافة العربية والأدب العربي، وامكانية للتواصل مع المثقفين والأدباء العرب من داخل العالم العربي!! وفكرتُ ربما يكون الشأن الثقافي شأناً مختلفاً بعض الشيء !!
كل هذه الأفكار والتصورات ذهبت أدراج الرياح مع تجلي الحقيقة : ان هذه الجامعة ليست للعرب ولا للمثقفين العرب وهي هنا وهناك عندما يحتاجها اصحاب رؤوس الأموال وراسمو سياسة هذا العالم كله والعالم العربي بضمنه، انها اذاً مطية للركوب!!
عندما أتيتُ الى برلين لمواصلة الدراسة التي كنتُ بدأتها في جامعة مدينة فرايبورغ والتحقتُ بجامعة برلين الحرة بدأتُ نشاطاً ثقافياً وأدبياً موازياً له علاقة بتخصصي الجامعي في الأدب المقارن فتعرفتُ على بعض ادباء المدينة من المان ومختلف الجنسيات  وشرعتُ ازور الأماسي الأدبية والفكرية والصالونات الشعرية في المدينة ثم انتميتُ الى تجمع الأدب الحديث ـ  Neue Gesellschaft für Literatur ـ  وكان هذا التجمع أكبر تجمع في المدينة ويحتوي في عضويته على حوالي ثمنمئة أديب من كل أنحاء العالم بالأضافة الى أهل البلد واللغة الألمان. وفي يوم من الأيام اقترح هذا التجمع اصدار كتاب ـ أ نتولوجيا في اللغة الألمانية يضم نصوصاً من كتّاب المان وكتّاب أجانب يكتبون في الألمانية اساساً أوكلغة ثانية الى جنب اللغة الأم.
قام الكثير من الأدباء بتسليم نصوصهم وشُكلتْ لجنة لفحص واختيار النصوص التي ستنشر ومتابعة المشروع الى ان تم اختيار نصوص ثمانية واربعين كاتباً كنتُ لحسن الحظ من ضمنهم ثم خرج الكتاب الى النور في العام 1997 بطبعة فاخرة انيقة مع تعريف بالكتاب المشاركين مع نصوصهم المنتقاة وصورهم الشخصية وكان الكتاب يحمل عنوان : فواصل وجسور بين الثقافات - Brüche  und Übergänge zwischen den Kulturen
وكان ذلك الى جنب عنوان جانبي آخر يقول : نصوص من 48 كاتباً من 23 بلد !
كان الكتاب جهداً مشتركاً رائعاً بين كتّاب المان سبق لبعضهم ان عاش فترة اغتراب أوعمل خارج المانيا وكتّاب اجانب مقيمين في المانيا..
بعد فترة حاول التجمع التعريف بالكتاب اعلامياً فقرروا اقامة أمسية أدبية في أحدى صالات المدينة المعروفة وتقديم لقاء اذاعي مع بعض ألأدباء المشاركين على ان يتم اختيار اربعة أدباء فقط للمشاركة في الفعاليتين : الأمسية الأدبية واللقاء الأذاعي ..كان اسمي ونصوصي من ضمن المنتخبين الأربعة وبالفعل شاركتُ وبنجاح كبير بالفعاليتين مثلما اكد لي الجمهور والمسؤولون على فعاليات التجمع !
أخبرتُ الجامعة العربية بأمر الكتاب والفعاليات ودعوتهم لحضور الأمسية الأدبية التي كانت ستقام في أحدى أروع جالريات المدينة في منطقة راقية من برلين اسمها شارلوتنبورغ     Charlottenburg  اما الجاليري فكان اسمه :Kommunale Galerie                                     
قبل بداْ القراءات بقليل جاء المسؤول الثقافي للجامعة العربية .. كانت القاعة عامرة بالبشر وقد حضر أدباء وأديبات من معارفي وزميلات وزملاء لي من الجامعة وجمهور برليني لا أعرفه . جال المسؤول الثقافي لجامعتنا العربية في الصالة مستكشفاً وقبل ان نبتدأ القراءة بدقائق ويقدمنا الى الجمهور بروفسور الأدب رئيس التجمع الأدبي الحديث في برلين اعتذر مني المسؤول الثقافي للجامعة العربية بأن لديه في هذا المساء بعض الأشغال المهمة ، وانصرف !

بعد فترة اقام لي جاليري آخر في برلين اسمه Galerie 100  امسية أدبية فدعوت الجامعة العربية أيضاً وكنتُ ادعوهم الى الفعاليات التي أقيمها باستمرار وبدون الحاح . اتى زميلنا المسؤول  عينه مع زميل له من تونس قريب في النسب من أحد المسؤولين الكبار في الجامعة العربية  ، وحينما انتهت مديرة الجالري من تقديمي للجمهور وطلبت مني ان أتقدم لألقاء نصوصي على الجمهور اعترضني الأثنان وأنا في الطريق الى المنصة وأخبرني الأخ المسؤول الثقافي بأن لاوقت لديهم لحضور الأمسية بسبب اجتماع!!
بعد نهاية الأمسية هاتفته وأوضحتُ له قلة ذوقه وذوق الجامعة وبأنه ماكان ينبغي له الحضور أصلاً..
وبالفعل كان حضوره مع زميله ارباكاً لي ولاسيما وانا اقوم بألقاء نصوصي دائماً في اللغتين العربية والألمانية بدون ورقة أوكتاب وعن ظهر قلب ، وهذا يعني ان للذاكرة والتركيز دوراً كبيراً في انجاح القراءة ، ومافعله المسؤول الثقافي كان ازعاجاً وتشويشاً قبل أقل من دقيقة على بدء القراءة !!
وأنا اتطرق الآن لبعض المسائل التي تحمل طابعاً شخصياً كما يبدو فأنني اتحدث ايضاً عن علاقة الخاص بالعام وأقول :
هذه علاقة الجامعة العربية بالمواطن العربي وبالمبدع العربي الذي يتوجب عليها البحث عنه والتعهد برعايته في الخارج .. وهذه علاقة الجامعة العربية بالعراقي على وجه الخصوص!
هل كانت الجامعة ستتصرف بهذا الشكل وهذا الأسلوب لو كان صاحب الموهبة الذي فرض نفسه على تجمع أدبي كبير وبلغة ليست لغته الأم هو أبن السفير السعودي؟!
أم انهم سيمنحون اسمه  وأنجازه وتفوقه الى الفضائيات العربية لتشدو به ويبعثونه الى القاهرة بالتنسيق مع معهد غوته والسفارة الألمانية ليقيم عدداً من القراءات هناك!!
وما ينطبق على الأفراد نظرةً ومعاملةً ينطبق أيضاً على الشعوب ، وللخاص علاقة وثيقة بالعام !!
لذا فأن ماحدث من الجامعة العربية أزاء اليمن ليس غريباً في اعتقادي على الجامعة وهي أُم السوابق!!
في كل المسائل العربية المهمة والمصيرية بقيت الجامعة العربية ومواثيقها وأهدافها المعلنة حبراً على ورق وينطبق عليها بهذا الخصوص التشبيه العامي العراقي المحبب والمعبر والذي يقول ـ أِحديدة عن الطنطل ـ!
والطنطل ـ لمن لايعرفه ـ كائن خرافي في الحكايا الشعبية العراقية يظهر في الليالي الدامسة ويستهدف عابر طرق الليل لأرعابه وتخويفه والضحك عليه ، وللطنطل هذا امكانية التحول والتشكل بمختلف الأشكال والصور فمرّة يظهر ككلب ومرّة كذئب ومرّة كحذاء أو خرقة والى آخره .. لكن الطنطل يخاف من الحديد ولايظهر أو انه  ينهزم اذا كانت هناك قطعة من الحديد في مكان . لذا ينصح الناصحون مَن يتعرض لأحتمال ظهور الطنطل باصطحاب حديدة معه أوحتى أِحديدة أي مصغر حديدة !!
ويضرب هذا المثل خصوصاً عندما لاتكون هناك اي وظيفة للحديدة باستثناء تخويف الطنطل!!
وجامعتنا العربية هذه مجرد حديدة عن الطنطل مع استثناء وحيد ان طنطل الجامعة العربية لايخاف من حديدتها وقد لعب وضحك عليها من زمان!!
وأن بين الأثنين اتفاق مبرم وصداقة سرية وجلسات انس وسمر ومنادمة!!!
وهذا مايجعل هذه الحديدة غير ضرورية لنا على الأطلاق!
لكنها ضرورية للآخر الذي يريد النيل منا ويبتغي تشتيتنا  وتفرقتنا !!
انها الجامعة التي تفرِّق!!

كريم الاسدي

كاتب وشاعر عراقي يعيش في برلين

karim.asadi777@yahoo.com

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2025 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2025 Copyright, All Rights Reserved