مدخل :
بداية علينا التنويه بكون مفهوم الكتابة النسويّة هو مفهوم مغلوط ابتدعته الثقافة الذكوريّة المتسلطة بمجتمعاتنا العربيّة للتاكيد على دونية ابداع المرأة العربية، الحقيقة مفاهيم كثيرة وجب مراجعتها كمفهوم المبدع الشّاب او المبدع العصامي : الكتابة لايعنينا جنس صاحبها، ولا عمره ولا علاقة لها ايضا بكرّاس المعلم، الكتابة هي الكتابة والنصّ هو النصّ المحكّ الحقيقي للحكم عليه محكٌّ جماليّ لا يخضع البتّة الى تقسيمات جنسيّة/فئوية –جنس كاتبه - ولا يتأثر بالعمر او المستوى التعليمي ومحمد شكري وجمال الصليعي خير دليل كم من اكاديمي فشل في ان يكون شاعرا وكم ناقد ارعب الكتاب بنصوصه النقديّة تعذّر عليه ان ياتي بربع ما ابدعه الشاعر أو الروائي رغم ما يحمله من تنظيرات وعلم بالمباني والمعاني والمدارس واللغة .
نبوغ نازك الملائكة، تجديدها وفعلها الطلائعي باعتبارها من روّاد الشعر الحديث والمجددين فيه لا علاقة له قطعا بأنوثتها بل احدثت بنصّها " الكوليرا" شرخا في الثقافة العربية زلزل مسلّماتها، كل هذه الزلزلة تعود الى المنجز الابداعي في جماليته وطرافته بعيدا عن جنس صاحبه، لذلك فهذا التقسيم بين كتابة نسوية واخرى ذكورية –حسب اعتقادي – هو تقسيم ملغوم وخاطئ .
في المقابل يرى البعض ان الكتابة النسوية كتابة متفرّدة لها خصوصياتها بل يذهبون الى اعتبار المساواة بين المراة والرجل وهمٌ جاءت به الاشتراكية لتغيّب خصوصية المراة والكتابة النسوية وارباكها، في نفس السياق تقول الدكتورة رشيدة بن مسعود :" منذ الخمسينات من هذا القرن، هيمنت على الساحة الفكرية العربية المنظومة الاشتراكية التي كادت تصير قناعة مشتركة عند الأنتلجنسيا العربية، وفي معالجته للقضية النسائية ربط الفكر الاشتراكي تطور المرأة بالعامل الاقتصادي وأكد على مبدإ المساواة بين الجنسين ( الذكور والإناث ) من خلال شرطهم الاجتماعي وموقعهم الطبقي الذي يحدد سلوكهم الإيديولوجي . وبذلك، تم تغييب الخصوصيات التي تميز الجنسين سواء على مستوى العمل السياسي أو الفعل الثقافي عن طريق إدماج مشاكل المرأة في عموم المشاكل الإجتماعية، وربطها بطريقة ميكانيكية بالنضال الطبقي، نظرا لقناعة الفكر الاشتراكي بأن المجتمع اللاطبقي هو الذي سيحرر المرأة . فمن خلال هذه الرؤية الاشتراكية، تم تغليب الحقوق الاجتماعية على حساب حق المواطنة والاختلاف، فاعتبرت كل دعوة تؤكد على خصوصية التجربة النسائية العربية بأنها دعوة انفصالية مستلبة للنزعة النسوانية الغربية. كما أننا نجد بعض الأديبات أنفسهن رأين في التأكيد على الخصوصية النسائية ثقافيا وسياسيا دعوة إلى الانغلاق في "جيتو" حريمي ينقص من قيمة المرأة .
هذا الانغلاق اراه يخدم الثقافة السلطوية الذكورية ويمعن في استلاب المراة وتاكيد دونيتها ودونية منجزها الابداعي
ولكننا وان استعملنا مفهوم "الكتابة النسوية "، نستعمله باحتراز شديد باعتبار اننا بباب البحث في ظاهرة هيمنة الجسد كمضمون للنص الابداعي لعدد هام من الكاتبات العربيات واستعملنا المفهوم بغاية التاكيد على عينة البحث لا غير ولسنا من المدافعين عن التقسيم في حدّ ذاته .
الكتابة بالجسد لدى المبدعة العربيّة:
ان المتتبع للمنجز الابداعي للمراة العربية – في السنوات الاخيرة - يكتشف انها مسكونة بهاجس الجسد فهي لا تغادر فلكه الا لتعود اليه مجددا في الشعر والرواية ربما يعود هذا الى مغريات النجاح وهاجس الانتشار : الحقيقة مجتمعاتنا العربية مجتمعات مكبوته تميل جدا الى الايحاءات الجنسية والى الجسد كجسد انثوي وتميل الى حضوره ايضا بداخل النصّ، من هذا ستحقق كل كاتبة- في ظلّ مجتمع ذي ثقافة ذكورية- نجاحا قياسيا لا بفضل جمال نصّها او جدّته وطرافته بل بجرأتها والايحاءات الجنسية الواردة فيه، ارى انها تقدم خدمة جليلة للثقافة العربية الذكورية المتسلطة وتمعن في عبودية المرأة بهذا الفعل،
ولكن قد يكون للجسد المكبوت/ المحرّم/ العورة /سلطة ايضا على المراة المبدعة التي لم تتخلص منه فكان حضوره اللافت من خلال النص والمنجز الابداعي النسوي محاولة للانعتاق من هذه الثقافة الذكورية التي تختصر المراة في الجسد، يعني تحاول المراة العربية المبدعة احداث رجة وصدمة بطرح ما لا يطرح، حضور الجسد في النص النسائي هل هو انخراط في مقتضى الضرورة، مقتضى الثقافة العربية الذكورية المتسلطة وهو مواصلة لاستعباد المراة ؟
ام هو محاولة لإحداث الصدمة والرجّة بهدف الانعتاق منها ؟
ـــــــــــــــــــ
• أية بن منصور : باحثة في علم الإجتماع : الواقع السوسيوانثروبولوجي للكتابة النسوية وسلطة الجسد في المجتمع العربي
تعد الحركة النسوية أو ما يعرف تحت إسم "الفيمينزم" أحد أبرز الحركات الإجتماعية التحررية التي أحدثت نوعاً من التغيير الاجتماعي بقيادة جملة من الفاعلين الإجتماعيين الساعين لبناء واقع إجتماعي مغاير لما هم عليه يضمن لهم نمط عيش أفضل في ظل منظومة قانونية وإجتماعية تفعل مبدأ المساواة بين كل من الرجل والمرأة، حيث إنبثقت هذه الحركة من عمق رحم نظام المجتمع البطريكي المكرس للهيمنة الذكورية ولسلطة الجسد على حساب المرأة من خلال اضطهدها، تهميشها، وتشيئها، لتكون مجرد وعاء يتموقع فيه المجتمع وييسره بحسب رغبته، هذا النظام الذي لا يزال يصبغ تقريباً وإلى حدود هذه الساعة جل البنى المجتمعية في العالم ليساهم بذلك في هندسة النظم الإجتماعية القائمة على تقديس الموروث من عادات وتقاليد ومعتقدات . فكانت بذلك الحركة النسوية بمثابة الصرخة التي اطلقت عنانها جملة من الفاعلات الإجتماعيات اللاتي اردن كسر حاجز الصمت والتمرد على العرف الإجتماعي السائد بهدف إيجاد مشترك عالمي يجمع النساء في كل أنحاء الأرض في "مسيرة النضال والمساواة " .
ولقد رافقت هذه الحركة الإجتماعية نشوء نوع من الكتابة الجديدة المختلفة عن بقية أنماط الكتابة الأدبية والشعرية لتكون الكتابة ذات خصوصية علمية حاملة لرسالة وهدف معين ألا وهو إصلاح المجتمع وتغييره والإرتقاء به نحو مجتمع منبني على قيم المساواة وحفظ كرامة الفرد دون ميز أو عنف أو عنصرية . لكن هذه الحركة النسوية وكتاباتها قد جوبهت بالردع والتصدي لها من قبل المحافظين والرافضين لها على بدعوة كونها تدعو للإنحلال الإجتماعي وتساهم في إختلال النسق الوظيفي للمجتمع أو ما يعبر عنه "بالانوميا " عند دوركايم .
فكيف يمكن لنا أن نفهم خصوصية الكتابة النسوية واهدافها منذ نشأتها إلى اليوم ؟
وهل يمكن إعتبار أن قلم الكاتبة النسوية يخضع لسلطة الجسد ؟
في البداية يجب أن نضع المسألة في اطارها وذلك من خلال التطرق إلى كيفية بروز ونشأة هذه الحركة النسوية، حيث جاءت الحركة النسوية في البداية في الولايات المتحدة لمحاربة النظرة الدونية المسلطة تجاه المرأة والمتأتية من جملة العقائد والأعراف الدينية والشرائع السماوية . من ثمة تطورت هذه الحركة أكثر لتدخل ضمن صراع حقوقي يهدف لإنتزاع المرأة لحقوقها التي سلبها اياها الرجل .
فلو نعود لتاريخ هذه الحركة نجدها قد انطلقت في البداية من أصقاع المجتمع الغربي منذ القرن التاسع عشر الذي كان شاهدا على عديد الثورات الصناعية والإقتصادية وخاصة الفكرية، فكانت الحركة النسوية بمثابة الثورة الفكرية على نمط المجتمع التقليدي الأبوي المقدس لسلطة الرجل والمختزل للمرأة في مجرد جسد والحط من شأنها بجعلها "مواطنا من الدرجة الثانية" على اعتبار أنا مكانها الأصلي هو الفضاء الخاص، أي المنزل إذ عملت هذه الحركة للتصدي لجملة المواقف السلبية التي ساقها الفلاسفة الغربيين تجاه المرأة، مثال ذلك أفلاطون الذي عمد في الكثير من كتبه ومحاوراته لتصنيف المرأة ضمن خانة العبيد والأشرار والمخبولين، أيضا ديكارت الذي كان من خلال فلسفته التي تقوم على العقل والمادة بربط العقل بالذكر والمادة بالمرأة . وفي هذا السياق تعد إيما غولدمن من أبرز المناضلات النسويات الرائدات في هذا المجال، ثائرة عما يسميه بيار بورديو بالعنف الرمزي المسلط تجاه المرأة، حيث كانت تطالب " بإستقلالية المرأة وبحقها في أن تعيل نفسها وفي أن تعيش لنفسها، في أن تحب من تشاء أو بقدر ما تشاء، طالبت بالحرية لكلا الجنسين، الحرية في التصرف، حرية في الحب، وحرية في الأمومة " . بالإضافة إلى ذلك نجد ان الكاتبة الفرنسية سيمون دو بوفوار وهي بدورها تعد من أبرز الكاتبات النسويات التي تصدت بقوة للفكر الأبوي، ففي كتابها " الجنس الثاني " إعتبرت أن " المرأة لا تولد إمرأة بل تصير كذلك " .