رؤيا اليشن ـ 12
سَرتْ زينب الى سطح ضريح الحسين . ومن هناك عَرجتْ الى ذروة سنام القبة الذهبية ، والقت بجسدها على الراية الحمراء . قال الناس : ارتفعت زينب على عمود من نور ، وبين يديها سباع ميسان واور وبابل واشور . وعند امتداد قدميها ، على الارض الرملية ، تكدس البدو والحضر ، وهي تنادي :
جاحد من ينكرني ،
انا زينب ،
بقية الله ،
وسيفه والغضب .
انادي على جميع الامم
هذه رايتنا الحمراء
صوت الكون ، ونداء الله .
انا زينب ،
سفيرة الحُسين ، ربة الظهور الاخير ،
أَمَةُ الرحمة ،
وزيارة المهدي .
انا زينب
انتظر مجيء شعوب العرب
والترك والديلم .
السود والبيض
من اقاصي الدُّون ، حتى اقاصي الأنكا .
انا زينب ،
مكتوب عليّ ، اليوم ، تحويل الوقت الى لامنتهى ، بينما حبيبي ينادي :
اين المفر ،
يا خونة العراق ،
اين المفر .
انا زينب ،
انا هذا الشعب .
وشيلتي راية الحسين ،
والمقاومة !
استوت زينب عند قمة القبة ، على عمودها النوراني . خلفها وحولها رجال القبائل ، ونسوة الفيالق . العباءات السود ، والسيوف العربية. اسماك النهرين ، وورد البساتين . اكف قتلى كربلاء وشهداء الحروب الثلاثة . رائحة شاي العصر ، وخبز العباس . رغاء الفصائل المسبية ، وذوالفقار . باب حصن خيبر ، ورمل العرب . نفط العرب ، ومناجاة ليلة النصف من شعبان ، ...
.... وزينب تنادي :
ـ ايها العرب ، ايها الناس ، اليوم سيعود راس الحسين ،
والحسين ،
الى دار السلام !
ثم خيم علينا صمت ثقيل، صمت كأنه الدهور. كنا نرنو الى زينب ، التي استندت الى غصن شجرة رمان كربلائية ، منكسة راسها الى الارض ، ولا نسمع منها حركة سوى وجيب قلبها
هيمن علينا صمت زينب تماما .
افتكرت مع نفسي : في اي يوم نحن ؟
سمعت زينب تقول لي :
ـ انه يوم الجمعة ، يا اخي جمعة .
ما ان عادت زينب الى صمتها ، حتى عرفت انني سوف اشهد اليوم الذي انتظرته منذ قرون ، والذي من اجله بريت قلمي وذاكرتي مرات ومرات . فحمدت الله على هذه النعمة الفضيلة وقلت لزينب :
ـ أفي حلم انا ، سيدتي ؟
ـ لا وحقك يا اخي ، انما هي رؤيااك الصادقة .
لزمت ادبي ، ولم اعد الى استئناف اسئلتي . رايت الى السماء من فوقنا وقد انشقت ، فغمرتنا انوار شموس اليفة ، وثمة منادي ينادي من قبة السماء التاسعة عشرة :
ـ ايتها الامم : الشفيعة ، الصابرة ، المقاتلة ، الحيية ، المستجاب لكل كلمة منها ، تتحدث الى رب العزة .
استلَّ ابناء القبائل والامم على الارضين ، وفي السموات العلى ، سيوفهم وخناجرهم وبلطاتهم وقاماتهم ، فردا فردا ، وقبيلة قبيلة ، وامة بعد امة، فعاد المنادي ينادي :
ـ والانبياء والرسل.
هبط الالوف ، يتقدمهم سيد الخلق .
ثم اعاد المنادي نداءه :
ـ وكل امهات الشهداء .
فهبطت فاطمة .
رجع الينا بعض صوابنا . عرفت الان انني في اهاب يوم الفزع الاكبر . فعاد المنادي ينادي ـ سيدتي ، الوالدة لثأر الله .
راينا سيد الخلق ، وخلفه الانبياء والرسل ، يهرعون الى كرسي نصب لفاطمة ، التي ابت ان تجلس على الكرسي . بقيت واقفة رافعة يديها نحو عرش الله ، وهي تناجي رب العزة :
ـ اي ربي ، الحسين ذبيحة العراق .
لم اسمع نأمة خفيفة واحدة من البشر والحجر ، من الطير والوحش . الكل شخصت ابصارهم الى عرش الله ، وصوت فاطمة لا يزال يخاطب رب العالمين :
ـ انت يارب ، خلقت الحسين . وانت يارب ، تعرف قدر الحسن .
كان الصمت هو المرئي تحت عرش الله .
ولكن صوتا نسائيا شق ذلك الصمت :
ـ الحسين ذبيحة العراق ، يا رب .
واخذت زينب تهبط ، رويدا رويدا ، على عمودها النوراني ، حتى صارت قبالة والدتها ، فنهضت اليها فاطمة واعتنقتها ، ثم تبعها سيد الخلق ، وبعده جاء الرجال الاثنا عشر ، في المقدمة والدهم ، علي ، وفي الاخير محمد المهدي .
انفرد الحسين ، حاملا راسه فوق راحة كقه اليمنى ، وهو يقول :
ـ هذا من اجل العراق .
ولم نشعر الا وصوت فاطمة ينطلق جليا :
ـ اين حفيدي ، اين ابن طورسينين ؟
تقدم شاب بهي الطلعة ووقف بين يدي فاطمة ، وهو يقول :
ـ لبيك جدتي .
نادت زينب ، وهي قبالة والدنها :
ـ اين امير الامم ؟
فتوجه الشاب البهي الطلعة نحو زينب ، وهو يقول :
ـ بين يديك ، سيدتي .
لم اسمع بعد ذلك اي نداء ، او صوت ، او حركة . اللهم الا نور سرى في بدني ، فوجدت كفي اليمنى تمسك بقلمي ، والحشود تلوح باسلحتها ، بينما كان سيد الخلق ومن حولة الانيبياء والرسل ، يتوجه نحو دار السلام ، والجموع خلفه وحوله ، وصوت ينادي في السموات البعيدة والقريبة:
ـ هيهات ، من اهل العراق الذلّة
ونادى سيد الخلق :
ـ هيهات ، منا الذلة .
وعلا صوت زينب :
هيهات منا الذلّة .
هيهات ،
هبهات !
** ــــــ **
من ( عيون زينب ـ 2010 )