يرى البعض من النساء ان الانتحار عملية هروب من عالم يعجز الفرد عن التعامل والتفاعل معه، وتزداد هذه الظاهرة في الحروب والكوارث حيث يحرم الفرد من الحاجات الضرورية كالمسكن والمأكل والملبس ولم تكن المرأة العراقية بمنأى عن هذا كله فقد تعرضت إلى الاستلاب والسحق لتشكل مجتمعا يتميز بالفقر والجهل والمرض ويعيش من ممارسة التجارة الطفيلية. لقد حرمت الحروب المرأة من التعليم والعمل والصحة وجعلتها تبحث عن لقمة العيش ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد فقد فقدت نتيجة العنف الطائفي أعزاءها وممتلكاتها وعالمها لتعيش في عالم آخر لا تمت له بصله وان مبادءها وقيمها التي نشأت وتربت عليها لم تعد تلبى طموحاتها وآمالها، واخذ العجز واليأس والإحباط يدفع بها لتتلمس ذاتها في ارتداء الأحزمة الناسفة لتواجه المجتمع الذي وقف منها موقف المتفرج .
فقضية النساء الانتحاريان تتطلب منا البحث عن المقدمات فالقضية ليست قضيه أمنيه وإنما هناك ظروف جعلت القاعدة تستغلها لتتغلغل إلى المرأة التي تخلى عنها زوجها وقتل أطفالها وفقدت ذويها ولا تملك القدرات الكافية لتعيش حياة حرة كريمه . عانت المرأة المهجرة من إشكالية العودة إلى دارها وقدمت اقتراحا بان تعطى للعائلة التي لاترغب بالعودة إلى دارها قطعة ارض وسلفة بناء حتى لا تجبر المرأة على رؤية قاتل ابنها وزوجها وأبيها ومن نهب ممتلكاتها .
وسائل الاعلام اوردت العديد من حالات الانتحار التي وقعت في محافظة ديالى حيث تجد القاعدة موطن لها مستغلة الفقر نتيجة إتلاف المحاصيل الزراعية واليأس نتيجة عمليات النزوح والانتقام من عالم لم يقدم سوى الموت والقتل المرعب والدمار.
فضلاً عن تفاقم أعداد الأرامل والمطلقات والوضع المزري للمرأة العراقية يجعلها تقدم على أعمال لا تقدر خطورتها فيجب الاهتمام بقطاع المرآة والطفولة حتى لا يقعون ضحية الإرهاب .
احصائياً فقد بلغت نسبة النساء المنتحرات 90% من اصل 240 محاولة انتحار في منطقة الفرات الاوسط خلال الفترة الماضية لأسباب اقتصادية واجتماعية ونفسية . كما سجلت منظمة الصحة العالمية اكثر من مليون ومائتي الف محاولة انتحار مؤدية للوفاة واكثر من خمسة ملايين حالة انتحار فاشلة . وتتعدد وسائل الانتحار لدى النساء لكن اصعبها واكثرها شيوعا هي عملية حرق النفس بسكب البنزين او النفط على اجسادهن . في محافظة ذي قار انتشلت خلال عام 2010، 14 جثة، وإنقاذ 4 من حالة الانتحار وفي عام 2011 تم انتشال 24 جثة وإنقاذ 6 من حالة الانتحار أما في عام 2012 تم انتشال 10 جثث وإنقاذ 3 أشخاص من حالة الانتحار وأكثر حالات الانتحار كانت من النساء بسبب الأوضاع الاجتماعية .
وبحسب بعض منظمات المجتمع المدني فإن كثيرا من جرائم الشرف ضد النساء تسجل في مراكز الشرطة على أنها حالات انتحار. بينما ينفي القضاء في المحافظة تسجيل أي حالات من هذا النوع . أما منظمة حقوق الانسان في مدينة الزبير، أحد أقضية محافظة البصرة، فأشارت في تقرير لها إلى زيادة في معدلات الانتحار في قضاء الزبير ( 20 كم غرب البصرة ) الى تكرار هذه الحوادث المؤلمة ناجمة عن قلة الوعي الأسري وغياب القوانين الكفيلة بحماية حقوق المرأة . وفي كردستان العراق، تتزايد ظاهرة الانتحار بشكل مخيف – ففي آخر احصائية تبين ان عدد النساء اللواتي تعرضن للعنف بلغ ( 2658 ) امرأة منهن ( 414 ) امرأة انتحرن حرقا او تم حرقهن، وحسب هذه الاحصائية فإن ( 70% ) من النساء المنتحرات كانت اعمارهن تتراوح بين ( 14-30 ) سنة .
وتعزو اسباب هذا التزايد في الانتحار الى هيمنة العقل العشائري المتخلف حتى على رجال الدولة انفسهم، فالمرأة الكردية حصلت على حقوقها السياسية بينما تقبع اختها القروية تحت سيطرة الاهل القاسية وفي ظل اعراف وتقاليد تدفعها الى الوقوع في الخطأ او الانتحار، فالتوعية الثقافية ضعيفة والقاتل (غسلا للعار) يجد التبرير والحماية الكافية له بينما لا تجد المرأة المعنفة مكانا تلجأ اليه الا في حالات نادرة، بعد ان اصبح الانتحار حرقا احد الخيارات الُمرة للمرأة في اقليم كوردستان في ظل العادات والتقاليد البالية والعشائرية المتخلفة التي تكبل المجتمع الكردستاني والتي تمارس فيها جميع أنواع العنف الأسري والنفسي والجنسي وشتى أنواع الضغوطات التي تقيد حرية المرأة وتهين كرامتها وتقلل من قيمتها وإنسانيتها…… يرى الكثير من الخبراء والباحثين المهتمين بهذه الظاهرة الخطيرة في الاقليم، بان من الممكن ان تكون حالات الانتحار حرقأ بين الفتيات والنساء اكثر بكثير من الحالات والارقام المعلنة من قبل مديرية مواجهة العنف ضد المرأة في الاقليم، ولكن بسبب العادات والتقاليد الموروثة والاعراف العشائرية المتخلفة التي تكبل ارادة المرأة الكردستانية وتعطل طاقاتها بجملة من القيود البالية التي لا تعترف بدور المرأة خارج إطار الإنجاب وتربية الأطفال ومسئولية البيت، والتي تؤدي بدورها الى عدم وصول قضايا كثيرة إلى المحاكم والجهات المعنية في الاقليم … بالاضافة الى التفسيرات الدينية المتشددة للقرآن والتي تبرز كتحديات حقيقية أمام تمكين المرأة من التقدم وكسر القيود …… وعليه فإن المطلوب ليس فقط الادانة وكشف المزيد من حالات العنف ضد المرأة، بل واتخاذ كافة الوسائل من اجل ردع المعتدي وانقاذ حياة المئات من البريئات من الموت والحروقات والتشوهات وخاصة بعد ان اصبحت ظاهرة الانتحار حرقا من الظواهر المخيفة في الاقليم تهدد مجتمعنا الكردستاني رغم وجود المحاولات للحد من هذه الظاهرة المخيفة إلا أن عدد النساء اللواتي يقدمن على الانتحار او يتم ( حرقهن ) من قبل اسرهن في تزايد مستمر . . وتؤكد السجلات حالات انتحار حرقا من قبل بعض النساء المتزوجات بين عامي 2012 ـ 2013، ومن خلال إفادات النساء المنتحرات قبل الوفاة، كانت الاسباب تتباين بين الخيانة الزوجية والوضع المعيشي أو زواج الرجل سراً بامرأة أخرى . تبقى الدوافع الحقيقية لانتحار المرأة في العراق تتركز وتتمحور وتدور حول جملة أسباب في مقدمتها اليأس والإحباط والظلم والحرمان والجوع والضياع الذي يتأتى من فقدان المعيل والمسكن، أو فقدان أفراد العائلة كلهم نتيجة تفجير أو جريمة . امام هذه الظاهرة المؤلمة التي تواصل تزايدها، تحاول منظمة الصحة العالمية دراسة الاسباب ووضع المعالجات والحلول اللازمة لها ومحاولة وضع الستراتيجيات اللازمة فضلا عن الاحتفال بيوم عالمي لمكافحة الانتحار بالتوعية ونشر ثقافة حماية النفس .. من اجل عالم خال من الانتحار ,