إنّ أخَسّ ما يمكن أن يتسم به بشر هي الخيانة . وأفضع الخيانات هي خيانة الوطن والشعب والثقافة . وأنذل الساسة من لا يجد مدخلاً لعمله إلا من خلال العمالة والخيانة . وأغرب الخيانات اتخاذها واجهة للوطنيّة: عميل وطني ! .
وقد تعاملتْ الشعوب مع مَنْ خانها باشكال مختلفة يحفظها التاريخ عِظَة للسير في طريق الوطنية والتقدم والازدهار .
وتفيض عواطف المظلومين فينفلتوا أحيانا من إنسانيتهم فيعاقبوا الخائن باشكال صارخة، كما حصل مع نوري السعيد، وعبد الاله ... وقبل ذلك فقد استعان سلطان المغرب محمد المتوكل السعدي ( 1574 - 1576 ) بالبرتغاليين لمساندته في الحرب ضد المغاربة . فمثله كمثل صدام، والقراقوزات عملاء العراق الحاليين . اذ ليس للخيانة دين ولا وطن . وبعد نضال مرير دحر الجيش المغربي حاكمه الخائن، الذي عُثر عليه غريقاً، فسلخوه وحشوه بالتبن وطافوا به في أرجاء المغرب . ونال على إثر ذلك لقب “ السلطان المسلوخ “.
لكن كل خيانات هؤلاء، وغيرهم، لم تبلغ عُشر معشار خيانات صدام، الذي دمّر العراق وترك في كل بيت غصّة .
وكان من مهام صدام تمزيق المجتمع، وإذلال الشعب، وتدمير إنسانية العراقي بنظام فتاك حَوّل نموذج العائلة العراقية من الحب ... والرعاية ... والوطنية ... إلى تشريع العمالة والخيانة : تجسّس الأبناء على العائلة، وينسحب ذلك على الجيران، والمحلة، والمدينة ... وعموم العراق. أي الاستبداد والارهاب المطلق ... برداء: الوحدة والحرية والاشتراكية ! .
وكان حُلم العراقيين القبض عليه سالماً ووضعه في قفص المحكمة الشعبية المتنقل على سيّارة مكشوفة تجوب شوارع العراق ليتهيأ للعراقيين التُفال عليه . غير أن سادة صدام كانوا ينقذون صنمهم الذهبي كلّ مرّة، فهو حسب عبارتهم المشهورة
He may be a son of a bitch, but he's our son of a bitch ...
هكذا كان الأمر في عدد من محاولات اغتياله ... وفي أعقاب حرب “ تحرير الكويت “ ... وعندما “ قبضوا “ عليه بعد غزو العراق واحتلال بغداد في 2003 ... بالكذب السريالي الهزيل: العثور عليه في حُفرة الجرذان ... وإشغال الناس ب “تقديمه الى المحاكمة “ قِرداً مسرحياً، حيث كان سادته الغزاة يأتون به الى المحكمة للعب دوره في التمثيلية، وبعدها يأخذونه معهم دون أن يمسّه عراقي حتى من الخونة أعوان الغزاة . حتى ساعة إعدامه المزوّرة، ثم تهريبه خارج العراق، كما ذكرت عدة مصادر منها :
Saddam Hussein flown out of Baghdad by USAF: Nexus, October-November, 2003, p. 9
لذلك فان تقديم مِبْصَقَة صدام هو درس تاريخي محلي - إقليمي - عالمي . وبمثابة تعويض عن حُلم العراقيين، وكلّ مَنْ لاحه رذاذ غدْرِه من العرب والمسلمين .
والمِبْصَقَة بدورها نوع من العلاج النفسي والطبيعي للعراقيين من المرض العضال الذي لا يزال مستوطناً بالارهاب الاستعماري والتخلف والتبعية ... وخيانة عراقيين لوطنهم، وشعبهم، وثقافتهم .
يتكوّن التركيب الفني للمِبْصَقة من : آلهة الارض المُعْتِمة، التي سيطرت على الكوكب، وهي مُتخفيّة داخل قوالب الأحذية الساندة للمِبْصَقة، التي تستندُ على أربعة قوالب مُدبّبة تتجه نحو أربع أركان الارض لاخبار العالم بالارهاب الاستعماري في العراق : بقاموسه التاريخي : الغزو، والاحتلال، والعمالة، والقتل، والتدمير، والنهْب. ويقوم على هذه القوالب لوح تتوسطه جَزْمَة تعلوها صورة لوجه الخائن وتحتها مرحاض كمجرى لبصاق الناس عليه . وتخرج من الجَزْمَة خمسة أذرع ملونة يحمل كلاً منها واحدة من أفضع جرائم الاستعمار وصدام : حرب عامة ضد العراقيين، وأخرى خاصة ضد الأكراد، وثالثة ضد إيران، وغزو الكويت، والعدوان على السعودية ... ثم تسليم العراق للغزاة . وفي خلفية المِبْصَقَة مَقْطَع زاهي من الفضّة الموشحة بالمينا الملونة رمزاً للمستقبل الزاهر للعراق .
تُوضَع المِبْصَقَة في الاستخدام تماماً كالمَبْوَلَة، وتماماً كما يرمي الناس القاذورات في المزابل للتخلّص من الاوساخ والحفاظ على نقاوة البيئة . ف “ النظافة من الايمان “ . وكأنّ صدام نفسه يتلَقى تُفال الناس، الحالمين بأنه ربما يَتنقى بالبُصاق .
ويمتدّ البُصاق على هذا الخائن الى التفال على كلّ مَن جَندهُ، وساعدهُ . وعلى من يقود الحكم العالمي والاقليمي والمحلي بشريعة الغابة، وبثلاثي : القوّة، والكذب، والتخويف .