الثلاثاء : 16 \ 9 \ 2008
" اللصُّ أعمى ، لأنه لا يرى الفضيلة "
( فيكتور هوجو )
اللهم اني صائم !
ولكنْ ، آه . وآه ، ثم آه ، من هذه الآه ، لان في البال سمبوسة .
سمبوسة هندية ، يا نور عيوني ، من تلك الاصيلة ، حيث الرّيحة تطرّ اليافوخ ، والمذاق حاد مثل عطور اعلانات العقارات والاسهم .
اشتهي سمبوسة ايام زمان ، واسعار ايام زمان ، يوم كان الاكل في خليجنا العربي " غير شكل " ، وطعم الهريس " نكهة غير " ، والنظر الى الانسان بوصفه راس مال راس المال ، " غير شكل " . .
آه ، يا زمان الوصل بالسمبوسة ! ،
حين كان للفلس شنّة ورنّة ، وحيث نذهب الى اقرب بقالة ، وادنى كافيتيريا ... ومعنا اولادنا ، و " نمسك دور " ، او " ناحذ ســره " ، حسب اللغة العراقية المحكيّة ، لشراء ما قسمه الله من حبات تلك اللقمة الشقراء ـ البرونزية ، ثم نعود فكهين ، مرتاحين ، نسابق البعران التي كانت تشاركنا في مخالفات السير على الطرقات الداخلية والخارجية .
آه ، يا زمان السمبوسة ...!
اين انت منا الان ؟ ولماذا اختفيت ؟ بل لماذا هاجرت ، وتركتنا وحدنا ، داخل غرفنا التي تحترق لاستمرا التيار الكهربائي فيها من دون انقطاع ، او بين اسمطة ، وقصع ، وموائد ، و خيام ، وباربكيوات ، بينها وبيننا كالذي بين السماء ما قبل السابعة ، والارض ما بعد ، ما بعد ، الالف ...؟!
كذا ـ بعدما ياتي الدور علينا ـ نمسك بالعملة الورقية التي من خمسة دراهم ، فيستقبلنا الولد الهندي الوسيم ، بشعر راسه المنسول المدهون ، ووجهه المحلوق ، ونعود بكيس لا يقوى على حمله بعير .... من حبات البسبوسة المبسبسة الباسمة لكل الباسمين والمبتسمات من الرفاق والبشكارات والصاحبات ( الصاحبات : جمع صاحبة ، والمفرد صاحب . والصاحب هو البريطاني ) .
أي ، وايم الحق . كيس لا يقوى على حمله بعير اسود ، بخمسة دراهم . يشبع منه الكبار ، ويتبطّر به الصغار ، وتصل رحمته الى ناطور البناية الافغاني .
اما اليوم . بعد ارتفاع اسعار السكر ، والفلفل ، والقرنبيط ، والسمك اللاّبط والمجمد ، والدجاج ، والخراف المحلية الهزيلة ، وسباقات الخيل والثيران ، والحمام والفري ،...... فالنواطير ـ من كل جنسيات الكوكب ـ اخذوا يتصدقون علينا .
" تعال ياعربي ، فيه سمبوسة حارة " هكذا ينادون علينا .
نعم ، في هذه الايام الجميلة عند بعض ، والموحشة عند بعض اخر ، حيث اسواقنا الاسطورية ، ونساؤنا الرجال ، ورجالنا النساء ، وهؤلاء الذين بين بين ، وهن اللاتي بين بين ، ... وحيث الخمسة دراهم لا تنجدنا الا بثلاث حبات سمبوسة ..!
في هذا الطوفان من الالوان والقامات واللغات واللهجات ، والمقاهي ، والمسلسلات والسلاسل ، وافلام الفضيلة الناقصة ، والصحافة السندويتش ، والفضائيات المخصوصة ، والرافعات العملاقة ، وسهرات عارضات الازياء الخاصة ، وعروض ملوك الجمال من الصبيان ، والغرف الفندقية ، والاجنحة الامبراطورية ، والليالي الزرقاء في اعمق اعماق مياهنا الدولية ..!
اي والله ، يا سمبوستي ....!!
في زمن ممارسة الحب على علوٍ شاهق
في زمن رحيل الاسماك من البحار ، وهروب البحار الى ماهو ابعد من الاوقيانوسات ، وهروب هذه الاخيرة الى الفضاء ، وشرود الفضاء الى ما بعد ، بعد ، العماءات ، .....
صرنا نشتهي فتى هندبا ، او شاعرا حداثويا ، ينادي :
ما ارخص ثمن بني آدم ...!!
جمعة اللامي
www.juma-allami.com