لماذا لم تنجح د.أسيل العوضي التي انضمت الى قائمة وطنية ليبرالية، ولا د.رولا دشتي الاقتصادية والناشطة النسائية المستقلة، ولا د.سلوى الجسار التي عقدت الكثير من الندوات واللقاءات وعبرت بكفاءة عن افكارها وبرنامجها، ولا د.فاطمة العبدلي الشخصية المعروفة في مجالات العمل النسائي وحقوق المرأة، بل ولا المحامية المتميزة ابنة القبيلة وذات الافق الوطني السيدة ذكرى الرشيدي؟ لقد نالت د.دشتي عددا كبيرا من الاصوات وكانت د.العوضي على ابواب المجلس بعد ان كادت ان تتغلب على احد الاسلاميين البارزين في دائرتها، ولكن الاخفاق كان للاسف نصيب المرشحتين.
كانت هذه المحاولة الثانية للمرأة الكويتية في مجال انتخابات المجلس،ولاشك انها احتوت ـ كتجربة عام 2006ـ على العديد من الدروس الثمينة، بل وتضمنت هذه المرة بعض المؤشرات الايجابية الواضحة على الرغم من النتائج المخيبة للامال. امتلأت الصحف الكويتية بعد ظهور النتائج، وعلى امتداد ايام بالمقالات والمقابلات وتحدث الرجال والنساء والمرشحات والاكاديميون عن اسباب الاخفاق، وسنحاول فيما يلي ان نلتقط بعض ما قيل وكُتب!
د.عبدالله الغانم استاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت قال ملخصا العقبات: «كان من المتوقع عدم وصول المرأة الى البرلمان وذلك لعدة امور يمكن تحديدها بثلاثة: أولا: البعد الاجتماعي، وثانيا: البعد الديني، وثالثا: البعد التاريخي»، وقد ظهر تأثير الاول متمثلا بالقبيلة، والقبائل لا تحبذ وصول المرأة الى البرلمان، كما ان العلاقات الاجتماعية قائمة على الذكور. هذا في المناطق القبلية. اما البعد الديني فظهر اثره في الدوائر الداخلية متمثلا بالاعتبارات الخاصة عند الشيعة وعند التيارات الاسلامية المؤثرة التي لا تؤيد دخول المرأة البرلمان. ويبقى أخيرا البعد التاريخي متمثلا في حداثة عهد المرأة الكويتية بالعمل البرلماني. (الوطن 2008/5/27) بعد هذا الاجمال النظري نتأمل بعض التفاصيل.
فالشخصية النسائية المعروفة «عادلة الساير» عبرت بصراحة عن خيبة املها واضافت: «لقد توقعنا ان تستطيع سيدتان أو واحدة على الاقل الوصول الى المجلس، ولكن هذا لم يحدث. سبب هذا الاخفاق سلبية النساء، اذ تخلفت الكثير من السيدات عن الذهاب للاقتراع». واعتبرت ذلك نوعا من الكسل وقلة اهتمام بالدولة وما يجري فيها، وعدم تفهم للاوضاع. واكدت الساير ان المرأة «تحتاج الى الكثير من التوعية بحقوقها السياسية، خصوصا في المناطق التي تحكمها القبيلة اذ لم تفهم معنى الديموقراطية حتى الآن». وقالت د.ليلى السبعان: «السبب الاهم ان بعض النساء الاكثر قدرة وايجابية على النجاح في خوض التجربة الديموقراطية لم ينزلن الى الميدان ولم يرشحن انفسهن، اما لعدم رغبتهن في ذلك او خوفا من النتائج السلبية.. إن المرأة بحاجة الى دعم الرجال للوصول الى المجلس، كما انها بحاجة الى تنظيم عملها الانتخابي ضمن احزاب او تجمعات». (الوسط 2008/5/19).
الرائدة النسائية السيدة نورية السداني لم تخف غضبها على الجمعيات النسائية «التي كانت في غيبوبة» ولم تهيئ الكوادر القادرة على استيعاب العملية الديموقرطية. الآلة الاعلامية لم تُستخدم بشكل جيد لمصلحة الحملات النسائية باستثناء واحدة. القوى السياسية التي تستخدم المرأة في ايصالها للساحة البرلمانية لا تريد للمرأة نفسها ان تصل. الجماعات الضاغطة والطلابية والنقابات العمالية كانت غائبة. الصراع النسائي ـ النسائي كان له اثره على مسيرة المرأة السياسية: «كل تلك العوامل السابقة خلقت نزيفاً حال دون وصول المرأة للبرلمان في عامي 2006 و2008». (القبس 2008/5/19).
من أبرز نماذج استفادة الاسلاميين المعارضين لدخول المرأة المجلس من صوتها الانتخابي، كما ظهر من احصائية نشرت في صحيفة «الوطن»، 2008/5/25، النائب السلفي د.وليد الطبطبائي، الحاصل على المركز الثالث في الدائرة الثالثة، والذي حصد 9753 صوتاً، شكلت اصوات النساء فيها ما يقرب من النصف!! وما يقرب من النسبة نفسها للنائب الاسلامي فيصل المسلم!.
يوم 2008/5/19، نشرت القبس تحليلاً لصحافية بحرينية، بتول السيد، عن واقع الانتخابات وما جرى خلالها، فقالت: «أرجع مراقبون تراجع حظوظ المرأة الى عدة عوامل من ابرزها: نزولها مستقلة، حرب الإشاعات، خذلان المرأة لها، وضعف مشاركة النساء، إضافة الى نظام الدوائر الخمس».
واستشهدت الصحافية برأي الاعلامية الكويتية والناشطة السيدة عائشة الرشيد التي قالت مؤكدة ان المرأة خذلت المرأة في هذه الانتخابات: «أنا أبصم على ذلك بالعشرة، خاصة اذا عرفنا ان المرأة وجهت الاصوات الاربعة للرجال وليس للنساء، ولو كان الصوت الرابع للمرأة لنجحت على الاقل ست مترشحات من الكفاءات في هذه الانتخابات، ولكن مازالت المرأة لا تثق بالمرأة وبإمكاناتها داخل قبة البرلمان، ومازالت الهيمنة الذكورية مسيطرة على النساء، ومازالت النساء تابعات للرجال ولن يستطعن ان يخرجن من جلباب الرجل».
وهذا ما اكدته كذلك الكاتبة والمترشحة السابقة في الانتخابات البلدية في دولة قطر، د.موزة المالكي، وارتأت ان نظام الكوتا هو الحل، «ومن دونه لن تدخل المرأة البرلمان في اي دولة خليجية».
المحامية المرشحة السيدة فاطمة النهام قالت في حوار بصحيفة السياسة 2008/5/27: «السؤال المهم الذي نطرحه، هل الـ 200 ألف ناخبة في الكويت عموماً جميع اصواتهن حرة، ام انها اصوات تقع تحت ضغط العائلة (الأب أو الزوج أو الأخ أو الابن؟).
وسواء كانت المرأة قبلية او حضرية، فإن السياسة ليست من اولويات اهتمامها، ولذلك توافق على رأي أحد افراد اسرتها، ولذا فإن الـ 200 الف ليسوا جميعهم على وعي سياسي تام، ولذلك لا أريد ان اظلم المرأة واقول بأنها خذلت المرأة، وماحصل ان المنتمي للطائفة صوت للطائفة والمنتمي لقبيلة صوت لقبيلته والمنتمي لعائلة صوت لعائلته وهذه الافرازات التي حصدناها في تشكيلة مجلس الامة الجديد.. لقد لاحظت اثناء التصويت ان المرأة القبلية بيدها ورقة تحمل اسماء المرشحين الذين نجحوا في الانتخابات الفرعية سواء من العوازم او العجمان، وتدخل وكأن بيدها ريموت كنترول لا تستطيع الحديث معها، وهذا يعني ان بعض النساء القبليات لازلن تابعات واصواتهن غير حرة».
د.رولا دشتي تحدثت عن تحديات الدائرة الانتخابية ومصاعب الوصول للجمهور: «العدد الكبير للناخبين والناخبات يتطلب تنظيماً كبيراً وجهداً اكبر وتحدياً اكبر، حيث ان من لا يمتلك امكانية للوصول الى وسائل الاعلام، لن يستطيع الوصول الى هذه الاعداد الكبيرة، وانا متأكدة انني لم اصل الى 58 الف ناخب في دائرتي، والتحدي هو ان الناس اصبحت ترى المرشح على ابعد نطاق، ومن تجربتي فإن كم الناس الذي كان في انتخابات عام 2006 يأتون للسؤال عن نوع الخدمات التي اقدمها، قلّ بنسبة كبيرة في هذه الانتخابات، ولا اقول اختفى تماماً، وهذا يعطي مؤشراً ايجابياً على ان الشخص يصل الى الناس من خلال فكره وتبنيه للقضايا والافكار المجتمعة المهمة».
وقد نوهت د.دشتي بالدعم الذي حصلت عليه «من شخصيات عامة ومن مؤسسات اعلامية.. فبعض المؤسسات الاعلامية وضعت اعلاني ببلاش».
واضافت د.دشتي، مقرة بفضل من ساعدها في هذا المجال المهم والمكلف: «أشكر الاخت فجر السعيد.. فكل ما شاهدتموه في محطة «سكوب»، رولا دشتي لم تدفع فيه فلساً.. وهناك مؤسسات اخرى اعطتني خصومات كبيرة جداً.. وهناك من تبرعوا بالأكل وغيرها.. عندما ذهبت للأخت فجر السعيد قلت لها اريد ان اضع الاعلان التلفزيوني ولكن طلبوا مني مبلغاً عالياً، فانظري ماذا يمكن ان تقري من خصم.. فقالت لي كلمة واحدة.. تستاهلون، احضري «السي دي» واتركي الباقي علينا».
البعض حاول استغلال الدين لعرقلة فوز المرأة، عن طريق استخدام «المسجات» التلفونية، التي نقلت فتوى تحرم التصويت للمرأة وتقول بأن صلاة الشخص الذي يصوت للمرأة غير مقبولة، حيث تم توزيع هذه الرسالة التلفونية على «البيوت»، والكثير من السيدات، تقول د.العوضي، «استجبن وخفن ان يذهبن الى النار ان هن صوتن للمرأة».