جمعة اللامي
تاريخ النشر 13/09/2012 06:00 AM
مرآة المرايا
منذ ساعة ، منذ أيام ، منذ سنوات ، منذ ثقب اسود ،
او منذ "لا أدري" ،
تفرست في بركتي ،
فرأيت رجلاً يقابلني يحثو ترابا على الجهات كلها ،
بينما كانت نفسي تصور لنفسي ان الرجل ينثر صنوبرا وأرزا على راسي .
سمعت صدي ابتسامته تتردد :ع ـ
ل ـ
ــــي ،
ـــــــي ،
ــــــــــــــــــي ......
أمسكت بالوقت ، مثل منديل ورقي ، وأدنيته من أنفي : ثمة سعوط ورائحة شواء ،
وصوت بشري ،
ربما يكون صوت "الشاعر" في شعب " بوان".
هكذا أتيت، من دون أن ادري، مخفوراً بعزلتي،
محروساً بوحدتي،
حيث الليل انتهى ، ثم جاء النهار،
ومر الصيف، فالربيع ، فالخريف، فالشتاء ،
فاللافصل ،
مر الوقت ،
انقضى العماء ،
حتى الماموثات نفقت ، والأباعر فتحت رجليها وأهرقت ماءها ،
بينما هدهدي لا يزال يبحث عن رأس جبل يؤويه.
أيها الوعد ،
كل الذين أحبهم رحلوا ،
وفي هذا الصباح ، لا وقت ولا عماء ثمة ،
بل لا يوجد ما يمكن أن أسميه ملموساً ،
أو محسوساً .
كل ما يحيط بالأشياء " شيء ما " يجعلها خارج تسميتها.
لم ألتق أحداً ،
كأنني الشجرة الوحيدة الاولى قبل أن تصير غابة .
ماهو ماضي الشجرة ؟
ساعات .
نعم لا شيء سوى الساعات الأكثر اكتراثاً بزمنها.
ساعات ،
ساعات .
زمــــن.
آه لو تعرف أيها الزمن ، أنك ـ الآن ـ عجينة فوق خنصر كفي اليمنى ،
وإنني ألهو بذاك الذي لهوتَ به ، وأتقاذفه أنا وذلك الذي يشبهني ولا يشبهني في عمق المرآة .
لكنه يظل يعيط اً أمام وحدته :
ماذا بعد الوحشة ؟!
الرجل الذي يواجهني في المرآة ، تجاوز إطار الزجاجة العمياء ، ثم نزل إلى الشارع ، بعد أن مر بطوابق المبنى الشاهق ، طابقاً طابقاً ، لكنه لم يجدني .
هو كان يبحث عني ، ممسكاً بورقة بيضاء صغيرة ويتهجى أوصافي.
هو أسمر ، وأنا كذلك .
نحن متشابهان تماماً .
هو يفكر ، وانا كذلك .
بيد أنه لا يعرفني ، أو لا يريد ذلك .
هذا من شأنه .
أما شأني انا ، فهو العروج في خطوط كفي اليمنى ،
حتى يترصدني شبيهي ـ مرة أخرى ـ فألتجيء إلى ذلك الكهف الذي وجد نفسه فيه.
الكهف ، اكتشاف " السهر وردي الشهيد " .
" ما دمت فيها ، فلن تعرف شيئاً " قال لي .
وقال لمريده : "يا فتى ... إبْنِ عليَ.".
وهكذا كان عليّ ايضا .
لقد بنيتُ على نفسي بنفسي .
الكهف ، أيضاً ، كان ممر " التستري القتيل " إلى كهف آخر .
كان يجدف في الأسواق نهاراً .
وفي جوف الليل حين يخلو إلى مرآته ، يخلع طيلسانه الحرير ،
ويقول للناس
: "هذا لكم" .
ثم تظهر على جلده قماشة من " ليف " نخيل اليشن .
رأيت (عين) الأسم و(لاءه) و(ياءه)" ، فيما كنت أجري خلف شبيهي في مفازات طفولتي ،
يناجي نفسه :| " يا دنيا غريِ غيري !".
"أفبعد هذه الوحدة ، تسأل عن الوحدة؟". سألته.
" لم يبق أمامي إلا نقلة الوحشة".
" يا علي ؟!".
"لا تلعب ، يا جمعة ، من هو الشبيه ، أنت أم أنا ؟".
رأيت إلى المرآة ، فرأيت ، ( نقطة باء البسملة) والتستري ، والسهروردي ، والحسين بن منصور ، والجنيد ، وبوذا ، ونيتشه ، وزيد بن عمر بن نفيل و ... و... و..
والقادم الموعود.
ولم يكن ثمة ( في ) المرآة ، الا انا وهو.
جمعة اللامي
www.juma-allami.com