المصابون بفقر الدم الوطني ..( من وحي 17 يناير.. )

2015-09-22
لماذا تتأسس ألأحزاب في بلد ما ان لم تكن مصلحة البلد وأهله فوق كل أعتبار ؟!
مصلحة الوطن ومصلحة الشعب أولاً وقبل كل شيء وبعدهما تأتي الأعتبارات والأهداف الأخرى والتي لاينبغي لها على الأطلاق ان تتعارض معهما..
كل مايتعارض مع عز وسيادة الوطن وكرامة وسعادة الشعب باطل سواء أتى عن قصد أو دون قصد أونتيجة خلل في الحسابات أو التصورات أوالمعارف أونتيجة نقص في الهمم وتضخم في حب الذات وتفضيل المصلحة الشخصية..
السياسي يأتي ليخدِم لا ليُخدم.. والعبارة واضحة انه يأتي ليخدِم وطنه وشعبه، لاليخدِم الأجنبي أو العدو أو المغرض ويكون مطية لهم، يركبون عليه للوصول الى أهدافهم ثم يصرفونه حين تنتفي الحاجة اليه!! ويستوي بهذا الصدد ساسة الحكومة وساسة المعارضة، فللفريقين يجب أن يكون التفريط بمصلحة الوطن ومصلحة الشعب خطّاً أحمر، فكيف بالخيانة، وخيانة الوطن والشعب أكبر وأبشع أنواع الخيانة، وعليها يعاقب القانون في معظم أنحاء العالم  - وعن حق - بالأعدام!
اتساءل بعض ألأحيان وانا أرى وأشخص المرضى المصابون بفقر الدم الوطني من بعض قادة الأحزاب العراقية : ماالذي يحتاجه وطن ما ليكون حبه والأخلاص له والأستعداد للتضحية في سبيله من مباديء والتزامات بنيه، وعلى الأخص السياسيين منهم؟!!
وهل نحن عارفون بالفعل الى أي وطن ننتمي؟!..
نحن ننتمي الى الوطن الذي يرد في مناهج تلاميذ كل مدارس العالم بأسم مهد البشرية..
في  اسبانيا وأيطاليا والنمسا والمانيا وفرنسا وهولندا واسكندنافيا وبريطانيا وروسيا وفي كل أنحاء أوربا وكذلك في الاميركتين الجنوبية والشمالية وفي افريقيا وآسيا واستراليا يتعلم التلاميذ في المدارس ان ولادة الأنسان المتحضر الأول القاريء والكاتب والمفكر والعارف والمرتفع المترفع عن همجية الحيوان كانت في بلاد النهرين بين دجلة والفرات في المنطقة المركزية من عراق اليوم..
وبهذا تشهد المصادر التاريخية والعلمية وكتب المكتبات، في أي لغة وفي كل أنحاء العالم، ولم تزل تشهد من حسن الحظ لحد الآن، في هذا العالم المعاصر المهوس بالتزوير والذي نتوقع ان  يُزور فيه كل شيء في العقود القادمة حتى الحقائق التاريخية العلمية الراسخة، وذلك لمصلحة القوي المهيمن وصاحب رأس المال!!!
ولم يكن هذا ماضياً فحسب فهناك معطيات وأدلة كثيرة تشير بوضوح ان الطاقة الخلّاقة الكامنة عند الأنسان العراقي كبيرة وهائلة، وهو رغم النزيف  الراعف يستطيع ان يضمد جراحه ويمشي على آلآمه وينافس أبناء شعوب مرفهة ومستقرة ومتطورة منذ عقود وقرون، وأحياناً يختم العراقي المكلوم والمحاصر والجائع هذه المنافسة بتفوق لمصلحته وذلك في ميادين عديدة : علمية، أدبية، فنية، ورياضية!!!
التقيتُ في مسيرة هذه الحياة الصعبة الملأى بالتجارب بأشخاص كثيرين لهم  قديما وحديثا مواقع قيادية في أحزاب عراقية انضوى تحت لوائها - وياللعجب - اكاديميون ومثقفون وادباء وشعراء فهالني مارأيتُ من نقص فادح في الشعور الوطني وانحطاط في مقياس حب الوطن، وحب الوطن هو أسمى أنواع الحب، وهو الأساس في الحب الأنساني فالذي لايحب وطنه لايمكنه ان يحب الأنسان والأنسانية والعالم، وسيكون مخلوقاً انانياً قميئاً ضيّق الأفق وأنتهازياً هارعاً وراء مصلحته الشخصية الحقيرة، في النهاية حتى لو تحول وطنه العريق والجميل الى ركام وبُركة دماء !!
روّج حزبيون من أحزاب تنسب نفسها الى الحركة الوطنية العراقية الى ثقافة احتلال مسمومة وبليدة في نفس الوقت قائلين: العراق بلد حديث أسسته الأمبراطورية البريطانية  بعد الأحتلال البريطاني سنة 1920، محاولين بهذا الغاء تاريخ موغل في القدم، بل هو بداية التاريخ اذ يعود الى عشرة الاف عام، وممهدين بهذا الى رفع الحصانة والقداسة عن بلد عريق بل وموغل في العراقة منحه الغرباء لقب مهد البشرية، فيما بنوه معنيون بتحقيره ومحاربة من يرفع رايته وعلمه وصوته وجبينه، فهل هناك أكثر من هذا الجبن وهذه الوضاعة ؟!!
ومثل هذه الآراء السقيمة كانت تقال وياللمفارقة في مراكز ومنتديات ثقافية عراقية تتخذ من اسم الرافدين والعراق اسماً لها، وربما كان المتفوه بها قيادياً في هذا النادي والحزب الذي يشرف عليه!!
وهكذا يتم تجاهل ابسط حقائق التاريخ  في ان أسم وكذلك كيان العراق كانا موجودين في العصر العباسي حيث كان العراق كله وعاصمته بغداد مركز هذا الحكم وذلك بما يسبق الأمبراطورية البريطانية في ارهاصات تأسيسها بعدة قرون!!
يفيض القيادي السياسي العراقي ويستفيض في مدح حزبه محاطاً بالصغار المصفقين من أنصاره، وينسى أويتناسى مدح وطنه وشعبه!!
اما مثله الأعلى فيجده دائماً في دولة أجنبية  تأخذ منه ولاءه، وربما أخذت منه والى الأبد شرفه وعفته، يفعل هذا وهو ابن النهرين وابن العراق سليل سومر وأكد وبابل وآشور والعباسيين اسماً وتاريخاً ومعارف وكتباً وألواح طين!!!
عمر أقدم أحزابنا العراقية لايتجاوز الثمانين سنة وعمر العراق أكثر من ثمانية آلاف عام ..هذا يعني في عملية حسابية بسيطة ان عمر العراق أكثر من عمر أقدم حزب سياسي عراقي بما يزيد عن مئة مرّة !
لكن من ناحية الأهمية لاتُقاس الأمور بمثل هذا الحساب!! انما في كثافة المعطى العلمي والأدبي والفني والمعرفي والحضاري والثقافي والأنساني!!!!!!!
العراق أعطى للانسانية كلها وللعالم أجمع الحرف الأول فقسم بهذا العصور برمتها الى عصور ماقبل التاريخ والعصور نصف التاريخية  وعصور مابعد التاريخ أي:
Historical time and semi historical time and prehistorical time...
وهذا الأنجاز رغم عظمته الجسيمة واحد من مئات الأنجازات الرافدينية العراقية، فماذا أعطتنا الأحزاب العراقية الحالية سوى الخلاف  والتناحر والثارات وكل ماتبع هذا من حروب ودمار وتمزق..
وتأسيساً على هذا يمكن القول ان العراق أهم وأكبروأنبل مليون مرّة من أي حزب عراقي ومن كل الأحزاب العراقية مجتمعة واذا كانت الأحزاب العراقية لاتجتمع على حب الوطن والحرص على حياة وكرامة الشعب فلتجتمع في هذه المقارنة..
والذي يعرف العراق حقاً يرى ان ماأقوله هو عين العدل والأنصاف!!

كريم الاسدي

كاتب وشاعر عراقي يعيش في برلين

karim.asadi777@yahoo.com

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2025 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2025 Copyright, All Rights Reserved