ألمسني حتى أراك ..

2017-03-04
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/98f6896d-f688-4318-ab35-9534f4182000.jpeg
 
التمويل الذاتي في رواية محمود عبد الوهاب ( سيرة بحجم الكف )
الورقة المشاركة في جلسة أتحاد ادباء البصرة / 1/ 10/ 2016
                                                        
أقصد بالتمويل الذاتي، ان المؤلف يستعمل نصوصا سبق وان انتجها بشكل مستقل، أعني قصة ( سيرة )
التي أصبحت صالحة للنشر في كانون الأول 1993، وكذلك يستعمل وحدات سردية من روايته ( رغوة السحاب ).... في حين كانت نية المؤلف قبل ذلك معقودة على تضمين شخصيات مجموعته ( رائحة الشتاء ).. لكن بعد إطلاعه على رواية أرنستو ساباتو ( ملاك الجحيم ) تدارك الامر، بسبب حساسيته المرهفة .. والسبب ان ساباتو سبقه، واستعاد شخصيات رواية سابقة له واستعملها في ( ملاك الجحيم ).. كما أكد لي في حواري الصحفي معه *
(*)
(لم تكن الدهشة وحدها هي التي استفزتني، إن ماتفجر في داخلي هو الحزن العميق الذي يحمل  في أطيافه عودة الميّت /20 ).. هذه هي الخلية السردية الموقوتة في الرواية، أعني هذا التعليق من السارد المشارك وهذه الصورة ستعيد القارىء الى قصة ( سيرة ) للمؤلف، هذا أولاً، ثانيا نحن أمام انتقالة من جنس سردي الى جنس آخر، اعني من القصة القصيرة الى الرواية القصيرة . وهي نقلة شخصية قام بها المؤلف نفسه محمود عبد الوهاب وهنا اختلاف النقلة عن نقلة الخيميائي، حيث التقط الروائي البرازيلي كوبلو حكاية عربية من ألف ليلة وليلة ونقلها من جنس الحكاية الى جنس الرواية القصيرة والاختلاف الآخر  هو ان رواية مؤلف الخيمائي، تنتسب لجنس الرواية القصيرة فقط .. أما رواية ( سيرة بحجم الكف ) فهي رواية تستفيد من سيرة محمود عبد الوهاب وتزيحها حسب غوايات السرد الآيل صوب المخيال الروائي، فنحن لانقرأ رواية سيرية، بل رواية تستقطر الوقائعي بجرعات مشروطة فنياً..
(*)
السارد، يقدم لنا سردا ميدانيا للمدينة من خلال تداخل أسواقها .. ( كانت الممرات كالأقبية على أرضيّة هشّة وممتدة في متاهة تتدرج كثافة عتمتها كلما أبتعدت عن مدخل المكان حيث الهواء يثقل ُوضوءٌ شحيح متعرّج يتسرّب من سلّم يقع في مؤخرة المنعطف يبعث ثقوبا من الضوء تلتمع مثل ماء في ظلمة ../9- 10 )  ( في نهاية السوق كان شريط ضيّق من ضوء الشمس يستطيل ويتوهج ليضع حدّا ً فاصلاً  بين سوق الكتب والشارع الآخر الذي يقاطعه يتراءى لمن في داخله مثل واجهة زجاجية مضاءة ../ 12 )
(*)
ويقدم المهندس خطاطة خلية هندسة لسرد مستقبلي للسوق ذاته ( ثم وضع على الطاولة خارطة السوق العصرية المصممة على الورق الشفّاف وبدأ يشرح لي التعديل الذي أجراه مكتبنا الهندسي بناءً على مقترحاتنا : مداخل السوق الأربعة أصبحت، كما ترى على الخريطة متقابلة بعد ان كانت منحرفة إلى حد ما، والفراغات داخل السوق أصبحت أكثر اتساعاً وذات مسحة جمالية، والمحلات المطلة على الشارع أصبح عددها أقل مما كان ../13-14 )
 
 //api.maakom.link/uploads/maakom/originals/e469773c-7673-4518-986f-cb0358ad1113.jpeg
 
(*)
الأم تسرد بأصابعها ..
( قاطعتها، لكنها أشارت بكفّها أن أسكت / 23 ) ( ضغطت علي يدي، استسلمت ُ لها. ظلت تتحس يدي بقشرة راحة كفها../24 ) ..( كان كلام أمي متقطعاً، لكنها كانت تعوضّه باللمس وحركة أصابعها على كفي../ 25 )..
الأم تسرد بعينيها ( حدجت أمي سلمى بقصد . تفحصتها : / 24 ) مؤثرية سرد الأم على إبنها السارد .. ( تطلعت ُ إلى سلمى، إلى ركبتيها البارزتين من تحت تنورتها القطنية القصيرة . أول مرة أشعر تجاهها بشعور مختلف كأن أمي بإيماءتها قد انتزعت ألفة العلاقة التي كانت بيننا، سلمى وأنا، ضمّت سلمى ركبتيها أكثر وبدت مرتبكة ../ 25 )... وهذا يعني أن العين ( لاتبصر فقط، لكنها تفسر ماترى ../136/ رغوة السحاب )
(*)
الليل كسارد 
أستوقفني الليل عند شيخنا محمود عبد الوهاب، وتناولت هذا الليل في كتابي النقدي ( الإذن العصية واللسان المقطوع ) تتبعته في قصصه وفي روايته ( رغوة السحاب ) وأعتبرت ُ الليل ( شخصية رئيسة فاعلة لها قابليتها على نمو الحدث / 81 ) كما أن الليل ( وحدة سردية ذات دلالة منفتحة لحدث قادم مسكوت عنه ../ 86 ) .. والليل في ( سيرة بحجم الكف ) فتيت أسود يشتغل بإتجاهين : يوقظ الجواني / ويوسق الأشياء كلها .. ( الليل يوقظ الذكريات، يهبط مثل ذرات الغبار في لامبالاة مستفزة، يهبط من كل مكان، من أشجار الحدائق الموحشة، من سقوف المنازل المستسلمة للرقاد، من أجنحة الطيور المذعورة العائدة إلى أعشاشها، من كل مكان ../29 ) .. والليل ليلان : الليل البراني / العام  وهناك الليل الخاص بالسارد .. ( دخل الليل غرفتي، ولم يعد هناك مجال لرؤية الأشياء، مشجب الملابس ذي المقبض البرونزي، مكتبتي الصغيرة، طاولة الكتابة، الكرسي المنزاح جانباً، كل شي بدأ يلتبس هنا . أشعلت المصباح، تكشفت معالم الغرفة وحافات الأشياء حالما لمس الضوء سطوحها .../ 29 ) ..
(*)
الكتب 
( جئت ُ إلى سوق الكتب القديمة لأن صديقاً ذا دراية بالكتب وشغف بقراءتها واقتنائها قال لي إن الكتاب الذي تبحث عنه لن تجده إلاّ في تلك السوق ../7 )
( حب الاستطلاع يتغلب عليّ دائما عند شراء أيّ كتاب، تتراءى لي صفحاته عالماً مجهولاً أرغب في أرتياده لحظة اقتنائه . غالباً ماكنت أقلّب صفحاته وأنا في الطريق، تتملكني لذة غامضة في التعرف على مافيه، لاأستطيع مقاومة هذه الرغبة . أتلمس الكتاب، غلافه المصقول وأوراقه ذات الوخز في حافاتها الحادة، والكلمات المطبوعة بعناية، والفراغات المنتظمة بين السطور، بإبهامي أدفع أوراقه في حركة ضاغطة، تتابع إثرها حركة الأوراق في دورة ساحرة ../19 ) ..
(*)
في ( الصورة تروي حكايتها )  وهي الوحدة السردية الثانية، يلتقط من قصته ( سيرة ) الأسطر الخمسة الاولى، ويثبتها في نهاية ص29- وبداية ص30 من روايته سيرة بحجم الكف . لكن الصورة لاتروي حكايتها مباشرة لنا، بل ثمة رابط اتصالي بين السارد المشارك في الرواية وبين اشخاص الصورة وأولهم  أحمد شقيق  السارد/ المؤلف، هنا سيتم تبادل مواقع سرد العين :( إنه يطل من الصورة كما لو كان يريد أن يخرج منها، نظراته تقيّدني . لماذا لايرفع عينيه عني ..؟ لست أنا الرائي للصورة بل أنا الذات المرئية . تسمّرت ُ في مكاني خشية أن يناديني إذا ما ابتعدت ... /30 )
(*)
الصورة والمرآة
يقول السارد ( لاتعرض الصورة ماهو موجود فيها دائما، قد تعرض ماهو خارج عنها../30 ) 
*هنا تتجسد في فاعلية الصورة في الإرسال 
*الصورة لاتعرض ماهو خارج عنها، إلاّ... عبر قوة الذاكرة التذكارية، فالمصاب بأحدى أنواع النسيان، قد يتذكر الأشخاص الذين معه في الصورة  فقط وربما لايتذكر تفاصيلهم، أما صاحب الذاكرة الحية، فالصورة ستفتح شاشة عرض سينمية في ذاكرتة، لتلك اللحظة وما قبل وبعد اللحظة ذاتها ..
*إذن للصورة وظيفة القوة الدافعة لحراثة الماضي وتخصيب  تربته تذكارياً
*لكن الصورة تعرض ماهو موجود فيها أيضا، بالنسبة لمن يمتلك عينا تبصر ولاتفسر ماترى ..
وذلك الفوتوغراف، كان قاسيا يحذف حامل الكاميرا ..
المرآة والصورة تقتسمان الفاعلية نفسها ..( أين كان يقف أخي، كأنه ينتشر في المرآة وخارجها / 93- رغوة السحاب ) وهكذا الصورة الفوتوغرافية :( لاتعرض الصورة ماهو موجود فيها، قد تعرض ماهو خارج عنها../30 ) .. ومايجري في ص30 من سيرة بحجم الكف، سنجده في رواية ( رغوة السحاب ) أيضا ..( 93 ) والمرآة وحلاقة ذقن الأب المثبّت في في رواية سيرة، مدوّن ايضا في الرواية الاولى للمؤلف ( رغوة السحاب )
 
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/cb947b77-a22a-409b-984a-c761383435d4.jpeg 
 
(*)
في قصة سيرة، يكون السرد مختزلا هكذا ( حدث ذلك في صباح أحد الأيام بعد سنين من تاريخ الصورة، فجأة وهو يصب الماء على وجهه من حنفية المغسلة تحت السلّم مرتبكاَ وبحركة آلية تقدمت اليه . لاأدري كيف استسلمتُ لمصيره من دون ضجة . تناولت ذراعه وسرنا معاً، أنا أمامه وهو منقاد إليّ بانكسار متخذاً في مشيته هيئة من ألف عماه من سنين ../42 ) ..
أما في رواية ( سيرة بحجم الكف ) فثمة تفصيل محذوف من النص القصصي، ومثبّت في الرواية 
( تحت السلّم ناداني مرتبكاً : تعال ..؟
 تقدمت ُ إليه ..
كانت يداه تتلمسان سطح المغسلة البارد، وتتعثران بالحنفية  والجدار والصابونة 
- قلت لك تعال 
- أنا وراءك 
بامتعاض قال :
- مازلت َ عنيداً
تهدّج صوته واتكأ بمرفقيه على حافتي المغسلة ضاغطاً بكفّيه على جانبي وجهه في صمت، كنت خلال ذلك أسمع صوت الهواء وهو يتسرب من شقوق الباب .
- ألمسني حتى أراك .
اقتربت منه، وضعت ُ كفي على كتفه . شعرت بحرارة تشتعل في قماشة بجامته .
سألته : مابك..؟ ماذا ترى..؟
- كيف تريدني أن أصف لك أشياء لاأراها..؟
- كيف ..؟
- إنك لاتصدق . أين ذهبت تلك الألوان من عينيّ..؟ /32 )..
*محمود عبد الوهاب / سيرة بحجم الكف / اصدارات اتحاد الأدباء والكتّاب في البصرة / ط1/ 2015
*حواري مع محمود عبد الوهاب / صحيفة طريق الشعب /5- تشرين الأول - 2005

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2025 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2025 Copyright, All Rights Reserved