النظرة العرقية الغربية الضيقة؛ كثير من الغربيين يجهلون ثقافات الشعوب الأخرى

2013-07-23

طوا

//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/dab56c07-5059-4cd9-a665-965bbcb197c6.jpeg

ل قرون اتبعت جهات رسمية في العالم الغربي ولا تزال تتبع سياسات تستلهم غرض الهيمنة والاستغلال في العالم غير الغربي. ويسيطر على فكر أوساط سياسية،ثقافية، فكرية وأيديولوجية في الغرب مفهوم "نحن" و "هم". ولا تزال جهات ذات نفوذ حكومية وغير حكومية غربية تسودها النظرة التي تركز على الانتماء العرقي الأوروبي والتي تنطلق من تقسيم العالم إلى الناس الغربيين والناس غير الغربيين، "إلينا" و "إليهم"، "إلينا" وإلى "الآخرين". وتتأثر بهذه الفكرة على نحو متفاوت قطاعات كبيرة من الشعوب الغربية. 

   ولدى قطاعات كبيرة من الشعوب الغربية، بما في ذلك قطاعات من صفواتها العلمية والفكرية، شعور واعتقاد بتفوق الأوروبيين على غير الأوروبيين. وترى هذه القطاعات أن الغرب هو محور العالم من الناحية الثقافية والعلمية والحضارية والتكنولوجية، وأن عقل الأوروبي أكثر تطورا من عقل غير الأوروبي، وأن الأوروبيين أعظم وأشد إبداعا من غير الأوروبيين.

   بهذا التقسيم ينشأ حاجز نفسي وفكري وثقافي بالنسبة إلى الغربيين في تعاملهم مع غير الغربيين. الجماعة التي تحدد هويتها على اساس التقسيم بين"نا"  و"هم" تكون جماعة تفتقر إلى العالمية في نظرتها إلى الحياة. تعريف الشعب القائم على هذا التقسيم يسهم في تحديد الهوية القومية ويحدد نظرة الشعب إلى الشعوب الأخرى، ويحدد وجوه سلوك ذلك الشعب نحوها.  وبالتالي تكون هذه النظرة غير متوازنة ومنقوصة وغير عالمية، ولا يكون هذا السلوك منطلقا من أساس ثقافي وقيمي ومعرفي شامل بل من أساس ثقافي وقيمي ومعرفي ضيق ومنقوص.

   وأيضا يميل أفراد الشعب الذي تتحدد هويته الثقافية والقيمية على أساس التقسيم بين "نا" و"هم" إلى رفض ثقافات الآخرين لجهله بها أو لاحتقاره لها.  

   وجاءت عملية إنتاج المعرفة في الغرب ب"العالم غير الغربي" متأثرة وملونة ومكيفة بهذه السياسات وبهذه النظرة. وتأتي أساليب تعامل ذلك الشعب مع الشعوب الأخرى متأثرة بذلك التقسيم. تكون هذه الأساليب غير مراعية أو غير مراعية بما فيه الكفاية لثقافات الشعوب الأخرى.

   وطوال قرون من الاتصال أو عدم الاتصال بين الغرب والأراضي غير الغربية شاع جهل متبادل بين الغربيين وغير الغربيين. وخلال تلك القرون كان ذلك الجهل أحد العوامل الهامة في إشاعة احتقار قطاعات من الغربيين لثقافات شعوب غير غربية.

   وفي ظل تلك السياسات والنظرات الغربية والاحتقار الغربي حيال "الآخرين" غير الغربيين، وخصوصا الأفريقيين والمسلمين، في إطار إنتاج المعرفة، جاءت الافتراضات والأحكام غير المعتمدة على الحقيقة في الغرب مستلهمة لتلك السياسات والنظرات.

   في ظل تلك السياسات والمواقف والتحيزات الغربية مال الغربيون عموما، في الحالات التي تتطلب المصلحة المتصورة للجماعة أن تحل أو أن تفسر تفسيرا ذاتيا،  إلى تفسير تلك الحالات بما يتفق مع مصلحة الجماعة المتصورة وبما يشكل اعتداء غير سليم ولا مبرر له على ثقافات الشعوب الأخرى وكرامتها، وبما يتناقض مع الحقيقة القائمة.

   وفي الحقيقة أن أعدادا كبيرة من الأساتذة في الكليات والجامعات الغربية غلبت عليهم طوال عقود كثيرة هذه النظرة المتسمة بالجهل أو الاحتقار أو الاستعلاء أو التحيز أو احتضان أفكار مقولبة مسبقة، ولا تزال هذه النظرة تغلب على كثير منهم. والأدهى والأمرّ هو أن أعدادا كبيرة من هؤلاء الأساتذة يوصفون بأنهم "متخصصون" في شؤون مناطق تقع خارج الغرب، بما في ذلك يقينا الشؤون العربية والإسلامية.

   إن هذه النظرة  تزيل أهليتهم لأن يؤدوا دور الهيئة التدريسية أداء سليما، فهذه النظرة تفسد طرحهم للقضايا التي يتكلمون عنها وتضع حاجزا نفسيا ومعرفيا بينهم وبين المواضيع والشعوب التي يتكلمون عنها. وحتى عبارة "العالم الثالث" التي يحب كثير من الغربيين أن يستعملوها عبارة تنم عن التحيز وعن التركيز على الانتماء العرقي الأوروبي. فعبارة "العالم الثالث" تعني وجود عالمين آخرين سابقين: العالم الأول الغربي الرأسمالي والعالم الثاني الاشتراكي. لقد قسم مفكرون في الغرب العالم من منظورهم إلى عوالم ثلاثة. وفي الحقيقة أنه يمكن للمرء أن يقسم العالم على أنحاء أخرى: مثلا، من ناحية مدى غلبة النزعة الإنسانية ومدى غلبة النزعة المادية ومدى غلبة النزعة الاستهلاكية، ومن ناحية مدى قوة العامل الروحي في الحياة ومدى قوة أو ضعف مكونات المحافظة على الأسرة.        

   والشعب الذي تعتمد هويته القومية على ذلك التقسيم والذي شاعت في صفوفه صورة الشعب المختلف عن الآخرين يميل الى تعزيز تغاير هويته وصورته عن الشعوب الأخرى، وذلك تعزيزا لهويته وصورته. وعن طريق تعزيز هذا الاختلاف يزداد التباعد والانقسام عمقا بين ذلك الشعب والشعوب الأخرى.

   إن التقسيم "إلينا" و"إليهم" كأساس لتحديد الهوية يحدث أيضا داخل الدولة الواحدة وفي صفوف الشعب الواحد في أرجاء مختلفة من المعمورة. فداخل الدولة تحدد طبقات وفئات متميزة من ناحية الثروة أو المكانة أو رفعة المنصب الذي يشغله أحد أفرادها هويتها الطبقية المتميزة على أساس التقسيم إلى "نحن" و"هم". ف"نحن" الأثرياء" و"هم" المعوزون، و"نحن" أصحاب المكانة و"هم" الذين لا مكانة لهم، و"نحن" الذين نتولى المناصب الرفيعة ذات النفوذ و"هم" الذين لا ينالون ولا يستطيعون أن ينالوا ذلك.

   وكما أن ذلك التقسيم لا يساعد على الاتصال والتفاهم والانسجام على الصعيد الدولي فإنه لا يساعد على التماسك الاجتماعي والقومي داخل الدولة الواحدة.

   والشعوب التي ثقافتها ثقافة إنسانية وعالمية مثل الثقافة الإسلامية تعزف عن ذلك التقسيم للبشر. هذه الشعوب تكون نظرتها أكثر عالمية. ولا تستلهم هذه الشعوب مفاهيم التفوق العرقي

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2025 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2025 Copyright, All Rights Reserved